{ ولما توجه من تلقاء مدين } قبالة مدين قرية شعيب ، سميت باسم مدين بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم تكن في سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان . { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } توكلا على الله وحسن ظن به ، وكان لا يعرف الطريق فعن له ثلاث طرق فأخذ في أوسطها وجاء الطلاب عقيبه فأخذوا في الآخرين .
ولما خرج موسى عليه السلام فاراً بنفسه منفرداً حافياً لا شيء معه ، رأى حاله وعدم معرفته بالطريق وخلوه من الزاد وغيره فأسند أمره إلى الله تعالى و { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } ، وهذه الأقوال منه تقتضي أنه كان عارفاً بالله تعالى عالماً بالحكمة والعلم الذي آتاه الله تعالى ، و { توجه } ، رد وجهه إليها ، و { تلقاء } معناه ناحية ، أي إلى الجهة التي يلقى فيها الشيء المذكور ، و { سواء السبيل } معناه وسطه وقويمه ، وفي هذا الوقت بعث الله تعالى الملك المسدد حسبما ذكرناه قبل وقال مجاهد : أراد ب { سواء السبيل } طريق مدين وقال الحسن : أراد سبيل الهدى .
قال القاضي أبو محمد : وهذا أبدع ونظيره قول الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم «هذا الذي يهديني السبيل » الحديث{[1]} .
هذه هجرة نبوية تشبه هجرة إبراهيم عليه السلام إذ قال { إني مهاجر إلى ربي } [ العنكبوت : 26 ] . وقد ألهم الله موسى عليه السلام أن يقصد بلاد مدين إذ يجد فيها نبيئاً يبصره بآداب النبوءة ولم يكن موسى يعلم إلى أين يتوجه ولا من سيجد في وجهته كما دل عليه قوله { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } .
فقوله تعالى { ولما توجه تلقاء مدين } عطف على جمل محذوفة إذ التقدير : ولما خرج من المدينة هائماً على وجهه فاتفق أن كان مسيره في طريق يؤدي إلى أرض مدين حينئذ قال { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } . قال ابن عباس : خرج موسى ولا علم له بالطريق إلا حسن ظن بربه .
و { توجه } : ولى وجهه ، أي استقبل بسيره تلقاء مدين .
و { تلقاء } : أصله مصدر على وزن التفعال بكسر التاء ، وليس له نظير في كسر التاء إلا تمثال ، وهو بمعنى اللقاء والمقاربة . وشاع إطلاق هذا المصدر على جهته فصار من ظروف المكان التي تنصب على الظرفية . والتقدير : لما توجه جهة تلاقي مدْيَن ، أي جهة تلاقي بلاد مدين ، وقد تقدم قوله تعالى { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار } في سورة الأعراف( 47 ) .
و { مدْيَن } : قوم من ذرية مدين بن إبراهيم . وقد مضى الكلام عليهم عند قوله تعالى { وإلى مدين أخاهم شعيباً } في سورة الأعراف ( 85 ) .
وأرض مدين واقعة على الشاطىء الغربي من البحر الأحمر وكان موسى قد سلك إليها عند خروجه من بلد ( رعمسيس ) أو ( منفيس ) طريقاً غربية جنوبية فسلك برية تمر به على أرض العمالقة وأرض الأدوميين ثم بلاد النبط إلى أرض مدين . تلك مسافة ثمانمائة وخمسين ميلاً تقريباً . وإذ قد كان موسى في سيره ذلك راجلاً فتلك المسافة تستدعي من المدة نحواً من خمسة وأربعين يوماً . وكان يبيت في البرية لا محالة . وكان رجلاً جلداً وقد ألهمه الله سواء السبيل فلم يضل في سيره .
والسواء : المستقيم النهج الذي لا التواء فيه . وقد ألهمه الله هذه الدعوة التي في طيها توفيقه إلى الدين الحق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.