الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولما توجه تلقاء مدين} بغير دليل خشي أن يضل الطريق {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} يعني يرشدني قصد الطريق إلى مدين، فبلغ مدين.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ولَمّا تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ" يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين، ماضيا إليها، شاخصا عن مدينة فرعون، وخارجا عن سلطانه، قال: "عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ "وعنى بقوله: «تلقاء»: نحو مدين...

وقوله: "عَسَى رَبّي أنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ" يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها..

وأما قوله: "سَوَاءَ السّبِيلِ" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه...عن مجاهد سَوَاءَ السّبِيلِ قال: الطريق إلى مدين.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ولما خرج موسى عليه السلام فاراً بنفسه منفرداً حافياً لا شيء معه، رأى حاله وعدم معرفته بالطريق وخلوه من الزاد وغيره فأسند أمره إلى الله تعالى و {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

وكان مُلك مدين لغير فرعون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما دعا بهذا الدعاء، أعلم الله تعالى باستجابته منه مخبراً بجهة قصده زيادة في الإفادة فقال: {ولما} أي فاستجاب الله دعاءه فنجاه منهم ووجهه إلى مدين ولما {توجه} أي أقبل بوجهه قاصداً {تلقاء} أي الطريق الذي يلاقي سالكه أرض {مدين} مدينة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام متوجهاً بقلبه إلى ربه {قال} أي لكونه لا يعرف الطريق: {عسى} أي خليق وجدير وحقيق.

ولما كانت عنايته بالله أتم لما له من عظيم المراقبة، قال مقدماً له: {ربي} أي المحسن إليّ بعظيم التربية في الأمور المهلكة {أن يهديني سواء} أي عدل ووسط {السبيل} وهو الطريق الذي يطلعه عليها من غير اعوجاج.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يتبعه السياق خارجا من المدينة، خائفا يترقب، وحيدا فريدا، غير مزود إلا بالاعتماد على مولاه؛ والتوجه إليه طالبا عونه وهداه:

(ولما توجه تلقاء مدين قال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)..

ونلمح شخصية موسى -عليه السلام- فريدا وحيدا مطاردا في الطرق الصحراوية في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز. مسافات شاسعة، وأبعاد مترامية، لا زاد ولا استعداد، فقد خرج من المدينة خائفا يترقب، وخرج منزعجا بنذارة الرجل الناصح، لم يتلبث، ولم يتزود ولم يتخذ دليلا. ونلمح إلى جانب هذا نفسه متوجهة إلى ربه، مستسلمة له، متطلعة إلى هداه: (عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)..

ومرة أخرى نجد موسى -عليه السلام- في قلب المخافة، بعد فترة من الأمن. بل من الرفاهية والطراءة والنعمى. ونجده وحيدا مجردا من قوى الأرض الظاهرة جميعا، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل مكان، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلا. ولكن اليد التي رعته وحمته هناك ترعاه وتحميه هنا، ولا تسلمه لأعدائه أبدا. فها هو ذا يقطع الطريق الطويل، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء:

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه هجرة نبوية تشبه هجرة إبراهيم عليه السلام إذ قال {إني مهاجر إلى ربي} [العنكبوت: 26]. وقد ألهم الله موسى عليه السلام أن يقصد بلاد مدين إذ يجد فيها نبيئاً يبصره بآداب النبوءة ولم يكن موسى يعلم إلى أين يتوجه ولا من سيجد في وجهته كما دل عليه قوله {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يقول الحق سبحانه:

{ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}

معنى {توجه تلقاء مدين} يعني: ناحيتها، وأراد أن يهرب من مصر كلها، ولم يكن يقصد مدين بالذات، إنما سار في طريق صادف أن يؤدي إلى مدين بلد شعيب عليه السلام.

ولو كانت مدين مقصودة له لما قال بعد توجهه: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} فموسى حينما خرج من مصر خائفا يريد الهرب لم يفكر في وجهة معينة، فالذي يهمه أن يخرج من هذه البلدة، وينجو بنفسه.