المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٞ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفٖ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَالٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (83)

83- ومع ظهور الآيات الدالة على صدق الرسالة ، فإن الذين آمنوا بموسى لم يكونوا إلا فئة قليلة من قوم فرعون ، آمنوا على خوفٍ من فرعون ومن معه أن يردوهم عما آمنوا به ، وما أعظم طغيان فرعون في أرض مصر ، وإنه لمن المغالين الذين أسرفوا في استكبارهم واستعلائهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٞ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفٖ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَالٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (83)

يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى ، عليه السلام ، مع ما جاء به من الآيات{[14354]} البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات ، إلا قليل من قوم فرعون ، من الذرية - وهم الشباب{[14355]} - على وجل وخوف منه ومن مَلَئه ، أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر ؛ لأن فرعون كان جبارا عنيدا مسرفا في التمرد والعتوّ ، وكانت{[14356]} له سَطْوة ومَهابة ، تخاف رعيته منه خوفا شديدا .

قال العوفي : عن ابن عباس : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ } قال : فإن الذرية التي آمنت لموسى ، من أناس غير بني إسرائيل ، من قوم فرعون يسير ، منهم : امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وخازن فرعون ، وامرأة خازنه .

وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } يقول : بني إسرائيل .

وعن ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة( الذرية ) : القليل .

وقال مجاهد في قوله : { إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } يقول : بني إسرائيل . قال : هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى ، من طول الزمان ، ومات آباؤهم .

واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية : أنها من بني إسرائيل لا من قوم فرعون ، لعود الضمير على أقرب المذكورين .

وفي هذا نظر ؛ لأنه أراد بالذرية الأحداث والشباب{[14357]} وأنهم من بني إسرائيل ، فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى ، عليه السلام ، واستبشروا به ، وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة ، وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه ؛ ولهذا لما بلغ هذا فرعون حَذَر كل الحذر فلم يُجْد عنه شيئا . ولما جاء موسى آذاهم فرعون{[14358]} أشد الأذى ، و { قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 129 ] . وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى ، وهم بنو إسرائيل ؟ .

{ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } أي : وأشراف قومهم أن يفتنهم ، ولم يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن يَفتِنَ عن الإيمان سوى قارون ، فإنه كان من قوم موسى ، فبغى عليهم ؛ لكنه كان طاويا{[14359]} إلى فرعون ، متصلا به ، متعلقا بحباله{[14360]} ومن قال : إن الضمير في قوله : { وَمَلَئِهِمْ } عائد إلى فرعون ، وعظم الملك{[14361]} من أجل اتباعه أو بحذف " آل " فرعون ، وإقامة المضاف إليه مقامه - فقد أبعد ، وإن كان ابن جرير قد حكاهما عن بعض النحاة .


[14354]:- في ت : "الإيمان".
[14355]:- في ت : "الشاب".
[14356]:- في ت : "فكانت".
[14357]:- في ت ، "والشاب".
[14358]:- في ت : "لفرعون".
[14359]:- في ت : "طاويا".
[14360]:- في ت : "بحاله".
[14361]:- في ت : "للملك".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٞ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفٖ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَالٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (83)

المعنى فما صدق موسى ، ولفظة { آمن } تتعدى بالباء ، وتتعدى باللام وفي ضمن المعنى الباء ، واختلف المتأولون في عود الضمير الذي في { قومه } فقالت فرقة : هو عائد على موسى ، وقالت فرقة هو عائد على { فرعون } ، فمن قال إن العود على موسى قال معنى الآية وصف حال موسى في أول مبعثه أنه لم يؤمن به إلا فتيان وشباب أكثرهم أولو آباء كانوا تحت خوف من فرعون وملأ بني إسرائيل ، فالضمير في «الملأ » كعائد على «الذرية » وتكون الفاء على هذا التأويل عاطفة جملة على جملة لا مرتبة ، وقال بعض القائلين بعود الضمير على موسى : إن معنى الآية أن قوماً أدركهم موسى ولم يؤمنوا به وإنما آمن ذريتهم بعد هلاكهم لطول الزمان ، قاله مجاد والأعمش ، وهذا قول غير واضح ، وإذا آمن قوم بعد موت آبائهم فلا معنى لتخصيصهم باسم الذرية ، وأيضاً فما روي من أخبار بني إسرائيل لا يعطي هذا ، وهيئة قوله { فما آمن } يعطي تقليل المؤمنين به لأنه نفى الإيمان ثم أوجبه للبعض ولو كان الأكثر مؤمناً لأوجب الإيمان أولاً ثم نفاه عن الأقل ، وعلى هذا الوجه يترجح قول ابن عباس في الذرية إنه القليل لا أنه أراد أن لفظة الذرية هي بمعنى القليل كما ظن مكي وغيره ، وقالت فرقة إنما سماهم ذرية لأن أمهاتهم كانت من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط ، فكان يقال لهم الذرية كما قيل لُفرس اليمن : الأبناء ، وهم الفرس المنتقلون مع وهرز بسعاية سيف بن ذي يزن{[6193]} ، والأمر بكماله في السير ، وقال السدي كانوا سبعين أهل بيت من قوم فرعون .

قال القاضي أبو محمد : ومما يضعف عود الضمير على «موسى » أن المعروف من أخبار بني إسرائيل أنهم كانوا قوماً قد تقدمت فيهم النبوات وكانوا في مدة فرعون قد نالهم ذل مفرط وقد رجوا كشفه على يد مولود يخرج فيهم يكون نبياً ، فلما جاءهم موسى عليه السلام أصفقوا عليه{[6194]} واتبعوه ولم يحفظ قط أن طائفة من بني إسرائيل كفرت به فكيف تعطي هذه الآية أن الأقل منهم كان الذي آمن ، فالذي يترجح بحسب هذا أن الضمير عائد على «فرعون » ويؤيد ذلك أيضاً ما تقدم من محاورة موسى ورده عليهم وتوبيخهم على قولهم هذا سحر ، فذكر الله ذلك عنهم ، ثم قال { فما آمن لموسى إلا ذرية } من قوم فرعون الذين هذه أقوالهم ، وروي في ذلك أنه آمنت زوجة فرعون وخازنه وامرأة خازنه وشباب من قومه ، قال ابن عباس ، والسحرة أيضاً فإنهم معدودون في قوم فرعون وتكون القصة على هذا التأويل بعد ظهور الآية والتعجيز بالعصا ، وتكون الفاء مرتبة للمعاني ، التي عطفت{[6195]} ، ويعود الضمير في { ملئهم } على «الذرية » ، ولاعتقاد الفراء وغيره عود الضمير على موسى تخبطوا في عود الضمير في { ملئهم } ، فقال بعضهم : ذكر فرعون وهو الملك يتضمن الجماعة والجنود ، كما تقول جاء الخليفة وسافر الملك وأنت تريد جيوشه معه ، وقال الفراء : المعنى على خوف من آل فرعون وملئهم وهو من باب { واسأل القرية }{[6196]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التنظير غير جيد لأن إسقاط المضاف في قوله { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] هو سائغ بسبب ما يعقل من أن «اسأل القرية » لا تسأل ، ففي الظاهر دليل على ما أضمر ، وأما ها هنا فالخوف من فرعون متمكن لا يحتاج معه إلى إضمار ، إما أنه ربما احتج أن الضمير المجموع في { ملئهم } يقتضي ذلك والخوف إنما يكون من الأفعال والأحداث التي للجثة ولكن لكثرة استعماله ولقصد الإيجاز أضيف إلى الأشخاص ، وقوله { أن يفتنهم } بدل من { فرعون } وهو بدل الاشتمال ، ف { أن } في موضع خفض ، ويصح أن تكون في موضع نصب على المفعول من أجله ، وقرأ الحسن والجراح ، ونبيح «أن يُفتنهم » بضم الياء ، ثم أخبر عن فرعون بالعلو في الأرض والإسراف في الأفعال والقتل والدعاوى ليتبين عذر الخائفين .


[6193]:- وهْرز: كان سجينا عند كسرى، وكان ذا حسب ونسب وفضل وسنّ بين قومه، فلما استنجد سيف بن ذي يزن بكسرى ليساعده ضد مسروق بن أبرهة ملك الحبشة بعد أن غلب وتسلط على أرض اليمين أمده كسرى بجيش، واختار وهرز ليضعه على رأس هذا الجيش لفضله وسنه وحسبه. (راجع كتب السيرة، وبخاصة سيرة ابن هشام).
[6194]:- يقال أصفق القوم على كذا، أْوَله: أطبقوا عليه واجتمعوا (المعجم الوسيط).
[6195]:- يظهر من كلام ابن عطية أنه يؤيد الرأي القائل بأن الضمير في قوله تعالى: [قومه] يعود على فرعون، وأن القول بعوده على موسى ضعيف، ولكن الطبري ومن وافقه يؤيدون رأيهم بعود الضمير على موسى بأمور، منها: أنه أقرب مذكور والحديث عنه، وقد مضى الحديث عن فرعون من مدة، فالأولى عود الضمير على أقرب مذكور وهو موسى. ومنها أنه لو كان عائدا على فرعون لما ذكر بعد ذلك في قوله: {على خوف من فرعون} بل لقيل: "على خوف منه"، ومنها أنه يمكن أن يكون المعنى {فما آمن} أي: ما أظهر إيمانه وأعلنه إلا ذرية من قوم موسى عليه السلام، فلا يدل ذلك على أن طائفة من بني إسرائيل كفرت بموسى. وقد ردّ ابن عطية على بعض ما تقدم وهو الإظهار لاسم فرعون بدلا من الإضمار.
[6196]:- من الآية (82) من سورة (يوسف).