إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٞ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفٖ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَالٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (83)

{ فَمَا آمَنَ لموسى } معطوفٌ على مقدر قد فصل في مواقعَ أُخَرَ ، أي فألقى عصاه فإذا هي تلقَف ما يأفِكون الخ ، وإنما لم يذكر تعويلاً على ذلك وإيثاراً للإيجاز وإيذاناً بأن قوله تعالى : { إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ } مما لا يحتمل الخُلفَ أصلاً وعطفُه على ذلك بالفاء مع كونه عدماً مستمراً من قبيل ما في قوله عز وجل : { فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ } [ هود ، الآية 97 ] وما في قولك : وعظتُه فلم يتعظ وصِحتُ به فلم ينزجِرْ والسرُّ في ذلك أن الإتيانَ بالشيء بعد ورودِ ما يوجب الإقلاعَ عنه وإن كان استمراراً عليه لكنه بحسب العنوانِ فعلٌ جديدٌ وصنعٌ حادثٌ أي فما آمن له عليه السلام بمشاهدة تلك الآياتِ القاهرة { إِلاَّ ذُريَّةٌ من قَوْمِهِ } أي إلا أولادٌ من أولاد قومِه بني إسرائيلَ حيث دعا الآباءَ فلم يجيبوه خوفاً من فرعون وأجابتْه طائفةٌ من شبانهم ، وقيل : الضميرُ لفرعون والذريةُ طائفةٌ من شبانهم آمنوا به عليه السلام أو مؤمنُ آلِ فرعونَ وامرأتُه آسيةُ وخازنُه وامرأتُه وما شطتُه وهو بعيد { على خَوْفٍ } أي كائنين على خوف عظيم { مِن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِم } الضميرُ لفرعون والجمعُ لما هو المعتادُ في ضمائر العظماءِ ولا يأباه مقامُ بيانِ علوِّه في الفساد وغلوِّه في الشر والتسلطِ على العباد ، أو لأن المرادَ به آلُه كما يقال : ربيعةُ ومضرُ أو للذرية أو للقوم أي على خوف من فرعونَ ومن أشراف بني إسرائيلَ حيث كانوا يمنعون أعقابَهم خوفاً من فرعونَ عليهم وعلى أنفسهم { أَن يَفْتِنَهُمْ } أي يعذّبَهم وهو بدلُ اشتمالٍ أو مفعولُ خوفٍ فإن إعمالَ المصدرِ المنكّر كثيرٌ كما في قوله عز وجل : { أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [ البلد : 14-15 ] أو مفعولٌ له بعد حذفِ اللامِ ، وإسنادُ الفعلِ إلى فرعون خاصةً لأنه الآمرُ بالتعذيب { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض } لغالبٌ في أرض مصرَ { وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين } في الظلم والفسادِ بالقتلِ وسفكِ الدماءِ أو في الكبر والعتوِّ حتى ادّعى الربوبيةَ واسترقَّ أسباطَ الأنبياءِ ، والجملتانِ اعتراضٌ تذييليٌّ مؤكدٌ لمضمون ما سبق .