المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

160- مَن عمل صالحاً يضاعف له ثوابه إلى عشرة أمثاله فضلا وكرماً ، ومَن عمل عملا سيئاً لا يعاقب إلا بمقدار عصيانه ، عدلا منه تعالى ، وليس هناك ظلم بنقص ثواب أو زيادة عقاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

ثم بين فضله يوم القيامة في حكمه وعدله فقال :

{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }

وهذه الآية الكريمة مفصلة لما أجمل في الآية الأخرى ، وهي قوله : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } [ النمل : 89 ] ، وقد وردت الأحاديث مطابقة لهذه الآية ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله :

حدثنا عفان ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا الجعد أبو عثمان ، عن أبي رجاء العُطاردي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما{[11478]} ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما يروي عن ربه ، عز وجل{[11479]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربكم [ عز وجل ]{[11480]} رحيم ، من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ، إلى أضعاف كثيرة . ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له واحدة ، أو يمحوها الله ، عَزَّ وجل ، ولا يهلك على الله إلا هالك " .

ورواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، من حديث الجعد بن أبي عثمان ، به{[11481]} .

وقال [ الإمام ]{[11482]} أحمد أيضًا : حدثنا معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن المعرور بن سُوَيْد ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله ، عَزَّ وجل : من عَمِل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد . ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر . ومن عمل قُرَاب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة . ومن اقترب إليَّ شبرًا اقتربت إليه ذراعا ، ومن اقترب إليَّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا ، ومن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلَة " .

ورواه مسلم عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، به . وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وَكِيع ، عن الأعمش ، به{[11483]} . ورواه ابن ماجه ، عن علي بن محمد الطنافسي ، عن وكيع ، به{[11484]} .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا شَيْبَان ، حدثنا حَمَّاد ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا . ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء ، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة " {[11485]} .

واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام : تارة يتركها لله [ عَزَّ وجل ]{[11486]} فهذا تكتب له حسنة على كفه عنها لله تعالى ، وهذا عمل ونِيَّة ؛ ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة ، كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح : " فإنما تركها من جرائي " {[11487]} أي : من أجلي . وتارة يتركها نسيانًا وذُهولا عنها ، فهذا لا له ولا عليه ؛ لأنه لم ينو خيرًا ولا فعل{[11488]} شرًا . وتارة يتركها عجزا وكسلا بعد السعي في أسبابها والتلبس بما يقرب منها ، فهذا يتنزل منزلة فاعلها ، كما جاء في الحديث ، في الصحيحين : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " . قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : " إنه كان حريصًا على قتل صاحبه " {[11489]} .

قال الإمام أبو يعلى الموصلي : حدثنا مجاهد بن موسى ، حدثنا علي - وحدثنا الحسن بن الصباح وأبو خَيْثَمَة - قالا حدثنا إسحاق بن سليمان ، كلاهما عن موسى بن عبيدة ، عن أبي بكر بن عبيد الله ابن أنس ، عن جده أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من هم بحسنة كتب الله له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا . ومن هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها ، فإن عملها كتبت عليه سيئة ، فإن تركها كتبت له حسنة . يقول الله تعالى : إنما تركها من مخافتي " .

هذا لفظ حديث مجاهد - يعني ابن موسى{[11490]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن الرُّكَيْن بن الربيع ، عن أبيه ، عن عمه فلان بن عَمِيلة ، عن خُرَيْم بن فاتك{[11491]} الأسدي ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الناس أربعة ، والأعمال ستة . فالناس مُوَسَّع له في الدنيا والآخرة ، وموسع له في الدنيا مَقْتور عليه في الآخرة ، ومقتور عليه في الدنيا موسع له في الآخرة ، وشَقِيٌ في الدنيا والآخرة . والأعمال مُوجبتان ، ومثل بمثل ، وعشرة أضعاف ، وسبعمائة ضعف ؛ فالموجبتان{[11492]} من مات مُسْلِمًا مؤمنًا لا يشرك بالله شيئًا وَجَبَتْ له الجنة ، ومن مات كافرًا وجبت له النار . ومن هَمَّ بحسنة فلم يعملها ، فعلم الله أنه قد أشعَرَها قَلْبَه وحرص عليها ، كتبت له حسنة . ومن هم بسيئة لم تكتب عليه ، ومن عملها كتبت واحدة ولم تضاعف عليه . ومن عمل حسنة كانت عليه{[11493]} بعشرة أمثالها . ومن أنفق نفقة في سبيل الله ، عَزَّ وجل ، كانت له بسبعمائة ضعف " {[11494]} .

ورواه الترمذي والنسائي ، من حديث الرُّكَيْن بن الربيع ، عن أبيه ، عن بشير بن عَمِيلة ، عن خُرَيْم بن فاتك ، به ببعضه{[11495]} . والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحضر الجمعة ثلاثةُ نَفَر : رجل حَضَرها بِلَغْوٍ فهو حَظُّه منها ، ورجل حضرها بدعاء ، فهو رجل دعا الله ، فإن شاء أعطاه ، وإن شاء مَنَعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يَتَخَطَّ رَقَبَة مسلم ولم يُؤْذ أحدًا ، فهي{[11496]} كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام ؛ وذلك لأن الله يقول : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }{[11497]} .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا هاشم بن مَرْثَد ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني أبي ، حدثني ضَمْضَم بن زرعة ، عن شُرَيْح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها{[11498]} وزيادة ثلاثة أيام ؛ وذلك لأن الله تعالى قال : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }{[11499]} .

وعن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدَّهْرَ كله " .

رواه الإمام أحمد - وهذا لفظه - والنسائي ، وابن ماجه ، والترمذي{[11500]} وزاد : " فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } اليوم بعشرة أيام " ، ثم قال : هذا حديث حسن .

وقال ابن مسعود : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } من جاء ب " لا إله إلا الله " ، { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ } يقول : بالشرك .

وهكذا ورد عن جماعة من السلف .

وقد ورد فيه حديث مرفوع - الله أعلم بصحته ، لكني لم أره{[11501]} من وجه يثبت - والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدًا ، وفيما ذكر كفاية ، إن شاء الله ، وبه الثقة .


[11478]:في م: "عنه"
[11479]:في م: "تبارك وتعالى".
[11480]:زيادة من م، أ.
[11481]:صحيح البخاري برقم (6491) وصحيح مسلم برقم (131).
[11482]:زيادة من م.
[11483]:المسند (5/153) وصحيح مسلم برقم (2687).
[11484]:سنن ابن ماجة برقم (3821).
[11485]:مسند أبي يعلى (6/170) وقال الهيثمي في المجمع (10/145): "رجاله رجال الصحيح".
[11486]:زيادة من أ.
[11487]:جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه برقم (129) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[11488]:في أ: "عمل".
[11489]:صحيح البخاري برقم (31) وصحيح مسلم برقم (2888) من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث، رضي الله عنه.
[11490]:ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (3/218) ونسبه لأبي يعلى، وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.
[11491]:في أ: "قاتم".
[11492]:في أ: "والموجبتان".
[11493]:في م، أ: "له".
[11494]:المسند (4/345).
[11495]:سنن الترمذي برقم (1625) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11027) وقال الترمذي: "وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث الركين بن الربيع".
[11496]:في م: "فإنها".
[11497]:ورواه أبو داود في السنن برقم (1113) وابن خزيمة في صحيحه برقم (1813) من طريق يزيد بن زريع به.
[11498]:في أ: "قبلها".
[11499]:المعجم الكبير (3/298) وقال الهيثمي في المجمع (2/173): "فيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه، قال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئا".
[11500]:المسند (5/145) وسنن النسائي (4/219) وسنن ابن ماجة برقم (1708) وسنن الترمذي برقم (762).
[11501]:في أ: "لم أروه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } أي عشر حسنات أمثالها فضلا من الله . وقرأ يعقوب " عشرة " بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف . وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل : المراد بالعشر الكثرة دون العدد . { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } قضية للعدل . وهم لا يظلمون } بنقص الثواب وزيادة العقاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

وقوله تعالى : { من جاء بالحسنة } الآية . قال أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر : هذه الآية نزلت في الأعراب الذين آمنوا بعد الهجرة فضاعف الله حسناتهم للحسنة عشر . وكان المهاجرون قد ضوعف لهم للحسنة سبعمائة{[5172]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا تأويل يحتاج إلى سند يقطع العذر ، وقالت فرقة : هذه الآية لجميع الأمة ، أي إن الله يضاعف الحسنة بعشرة ثم بعد هذا المضمون قد يزيد ما يشاء{[5173]} ، وقد يزيد أيضاً على بعض الأعمال كنفقة الجهاد ، وقال ابن مسعود ومجاهد والقاسم بن أبي بزة وغيرهم : «الحسنة » لا إله إلا الله «والسيئة » الكفر .

قال القاضي أبو محمد : وهذه هي الغاية من الطرفين ، وقالت فرقة : ذلك لفظ عام في جميع الحسنات والسيئات ، وهذا هو الظاهر . وأنث لفظ «العشر » لأن الأمثال ها هنا بالمعنى حسنات ، ويحتمل أن الأمثال أنث لما أضيفت إلى مؤنث ، وهو الضمير كما قال الشاعر : [ الطويل ]

مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ . . . أعالِيهَا مَرّ الرياح النواسم{[5174]}

فأنث . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير وعيسى بن عمر والأعمش ويعقوب «فله عشرٌ » بالتنوين «أمثالُها » بالرفع{[5175]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الأعمال ست موجبة وموجبة ، ومَضِّعفة ومضعفة ومثل ومثل ، فلا إله إلا الله توجب الجنة . والشرك يوجب النار ، ونفقة الجهاد تضعف سبعمائة ضعف ، والنفقة على الأهل حسنتها بعشرة ، والسيئة جزاؤها مثلها ، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة مثلها »{[5176]} ، وقوله تعالى : { لا يظلمون } أي لا يوضع في جزائهم شيء في غير موضعه ، وتقدير الآية من جاء بالحسنة فله ثواب عشر أمثالها ، والمماثلة بين الحسنة والثواب مترتبة إذا تدبرت ، وقال الطبري قوله { من جاء بالحسنة } الآية ، يريد من الذين فرقوا دينهم أي من جاء مؤمناً فله الجنة .

قال القاضي أبو محمد : والقصد بالآية إلى العموم في جميع العالم{[5177]} أليق باللفظ .


[5172]:- أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قال: إنما هي للأعراب ومضعّفة للمهاجرين بسبعمائة ضعف، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مثله، وأخرج مثله عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وغيرهم عن ابن عمر.
[5173]:- يؤيد هذا ما أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله، ولا يهلك على الله إلا هالك) (الدر المنثور).
[5174]:- البيت لذي الرمة، وهو في وصف نساء، يقول: إذا مشين اهتززن في مشيتهن وتثنّين فكأنهن رماح نصبت فمرت عليها الرياح فاهتزت وتثنت- قال المهدوي: "كثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث وكان المضاف بعض المضاف إليه، أو منه، أو به، وعليه قول ذي الرمّة: "مشين- البيت"، فقد أنّث المرّ لأنه مضاف إلى الرياح وهي مؤنثة إذ كان المرّ من الرياح".
[5175]:- وهذا على أن [أمثالها] صفة لـ [عشر] المنونة.
[5176]:- الأحاديث التي تؤكد أن الحسنة بعشر أمثالها كثيرة ومروية في الصحاح من كتب السنة، أما الحديث الذي ذكره ابن عطية رحمه الله هنا، فقد رواه ابن جرير الطبري عن قتادة، ولفظه، (الأعمال ستة: موجبة وموجبة، ومضعِّفةٌ ومضعِّفةُ ومثل ومثل، فأما الموجبتان: فمن لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقي الله مشركا به دخل النار، وأما المضعف والمضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمائة ضعف، ونفقه على أهل بيته عشر أمثالها، وأما مثل ومثل، فإذا هم العبد فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيئة)- وأخرج مثله أحمد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك، وفيه: (الناس أربعة والأعمال ستة).. الخ.(عن تفسير الطبري، والدر المنثور).
[5177]:- هكذا في الأصول، ولعل الصواب: في جميع العاملين، أو في العاملين.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

من عادة القرآن أنَّه إذا أنذر أعقب الإنذار ببشارة لمن لا يحقّ عليه ذلك الإنذار ، وإذا بَشَّر أعقب البشارة بنذارة لمن يتَّصف بضدّ ما بشر عليه ، وقد جرى على ذلك ههنا : فإنَّه لمّا أنذر المؤمنين وحذرهم من التريُّثثِ في اكتساب الخير ، قبل أن يأتي بعض آياتتِ الله القاهرة ، بقوله : { لاَ يَنْفَع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [ الأنعام : 158 ] فحَدّ لَهم بذلك حدّاً هو من مظهر عدله ، أعقب ذلك ببشرى من مظاهر فضله وعَدله . وهي الجزاء على الحسنة بعشر أمثالها والجزاء على السيّئة بمثلها ، فقوله : { من جاء بالحسنة } إلى آخره استئناف ابتدائي جرى على عرف القرآن في الانتقال بين الأغراض .

فالكلام تذييل جامع لأحوال الفريقين اللذين اقتضاهما قوله : { لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [ الأنعام : 158 ] . وهذا بيان لبعض الإجمال الذي في قوله : { لا ينفع نفساً إيمانها } الآية ، كما تقدّم آنفاً .

و { جاء بالحسنة } معناه عمل الحسنة : شبه عمله الحسنة بحال المكتسب ، إذ يخرج يطلب رزقاً من وجوهه أو احتطاب أو صيد فيجيء أهله بشيء . وهذا كما استعير له اسم التِّجارة في قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } [ البقرة : 16 ] .

فالباء للمصاحبة ، والكلام تمثيل ، ويجوز حمل المجيء على حقيقته ، أي مجيء إلى الحساب على أن يكون المراد بالحسنة أن يجيء بكتابتها في صحيفة أعماله .

وأمْثال الحسنة ثواب أمثالها ، فالكلام على حذف مضاف بقرينة قوله : { فلا يجزي إلا مثلها } ، أو معناه تحسب له عشرُ حسنات مثل التي جاء بها كما في الحديث : « كتبها الله عنده عشر حسنات » ويعرف من ذلك أنّ الثّواب على نحو ذلك الحساب كما دلّ عليه قوله : { فلا يجزي إلا مثلها } .

والأمثال : جمع مِثْل وهو المماثل المساوي ، وجيء له باسم عدد المؤنّث وهو عشر اعتباراً بأنّ الأمثال صفة لموصوف محذوف دلّ عليه الحسنة أي فله عشر حسنات أمثالها ، فروعي في اسم العدد معنى مميّزه دون لفظه وهو أمثال . والجزاء على الحسنة بعشرة أضعاف فضلٌ من الله ، وهو جزاء غالب الحسنات ، وقد زاد الله في بعض الحسنات أن ضاعفها سبعمائة ضِعْف كما في قوله تعالى : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } [ البقرة : 261 ] فذلك خاصّ بالإنفاق في الجهاد . وفي الحديث : « من هَمّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة » .

وقرأ الجمهور : { عَشرُ أمثالِها } بإضافة { عشر } إلى { أمثالها } . وهو من إضافة الصّفة إلى الموصوف ، وقرأه يعقوب بتنوين { عشر } ورفع { أمثالها } ، على أنّه صفة ل { عشر } ، أي فله عشر حسنات مماثلة للحسنة التي جاء بها .

ومماثلة الجزاء للحسنة موكول إلى علم الله تعالى وفضله .

وإنَّما قال في جانب السيّئة فلا يُجزى إلاّ مثلها بصيغة الحصر لأجل ما في صيغته من تقديم جانب النّفي ، اهتماماً به ، لإظهار العدل الإلهي ، فالحصر حقيقي ، وليس في الحصر الحقيقي ردّ اعتقاد بل هو إخبار عمّا في نفس الأمر ، ولذلك كان يساويه أن يقال : ومن جاء بالسيّئة فيُجزى مثلها ، لولا الاهتمام بجانب نفي الزّيادة على المماثلة . ونظيره قول النّبيء صلى الله عليه وسلم حين سألتْه هند بنت عتبة فقالت : إنّ أبا سفيان رجل مِسِّيك فهل عليّ حرج أن أُطعم من الذي له عيالَنا ، فقال لها : " لا إلاّ بالمعروف " ولم يقل لها : أطعميهم بالمعروف . وقد جاء على هذا المعنى قول النّبيء صلى الله عليه وسلم ومن همّ بسيّئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيّئة واحدة » ؛ فأكَّدها بواحدة تحقيقاً لعدم الزّيادة في جزاء السيّئة .

ولذلك أعقبه بقوله : { وهم لا يظلمون } والضّمير يعود إلى { من جاء بالسيّئة } ، إظهار للعدل ، فلذلك سجل الله عليهم بأنّ هذا لا ظلم فيه ليُنصِفوا من أنفسهم . وأمَّا عدّ عود الضّميرين إلى الفريقين فلا يناسب فريق أصحاب الحسنات ، لأنَّه لا يحسن أن يقال للذي أُكرم وأفيض عليه الخير إنَّه غير مظلوم .