ثم علل ذلك فقال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } أي : بالحجج والدلائل والبراهين { فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } ؟ أي : استبعدوا أن تكون الرسالة في البشر ، وأن يكون هداهم على يدي بشر مثلهم ، { فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا } أي : كذبوا بالحق ونكلوا عن العمل ، { وَاسْتَغْنَى اللَّهُ } أي : عنهم { وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
ذلك أي المذكور من الوبال والعذاب بأنه بسبب أن الشأن كانت تأتيهم رسلهم بالبينات بالمعجزات فقالوا أبشر يهدوننا أنكروا وتعجبوا من أن يكون الرسل بشرا والبشر يطلق للواحد والجمع فكفروا بالرسل وتولوا عن التدبر في البينات واستغنى الله عن كل شيء فضلا عن طاعتهم والله غني عن عبادتهم وغيرها حميد يدل على حمده كل مخلوق .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ذلكَ بأنّهُ كانَتْ تأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بالبَيّناتِ "يقول: جلّ ثناؤه: هذا الذي نال الذين كفروا من قبل هؤلاء المشركين من وبال كفرهم، والذي أعدّ لهم ربهم يوم القيامة من العذاب، من أجل أنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات الذي أرسلهم إليهم ربهم بالواضحات من الأدلة والإعلام على حقيقة ما يدعونهم إليه، فقالوا لهم: أَبَشَرٌ يهدوننا؟ استكبارا منهم أن تكون رسل الله إليهم بشرا مثلهم واستكبارا عن اتباع الحقّ من أجل أن بشرا مثلهم دعاهم إليه وجمع الخبر عن البشر، فقيل: يهدوننا، ولم يقل: يهدينا، لأن البشر، وإن كان في لفظ الواحد، فإنه بمعنى الجميع.
وقوله: "فَكَفَرُوا وَتَوّلُوْا" يقول: فكفروا بالله، وجحدوا رسالة رسله الذين بعثهم الله إليهم استكبارا "وَتَوَلّوا" يقول: وأدبروا عن الحقّ فلم يقبلوه، وأعرضوا عما دعاهم إليه رسلهم "واسْتَغْنَى اللّهُ" يقول: واستغنى الله عنهم، وعن إيمانهم به وبرسله، ولم تكن به إلى ذلك منهم حاجة.
"وَاللّهُ غَنِيّ حِميدٌ" يقول: والله غنيّ عن جميع خلقه، محمود عند جميعهم بجميل أياديه عندهم، وكريم فعاله فيهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ذلك} أي تلك العقوبات التي نزلت بالأمم الماضية إنما كان سببها أن رسلهم {كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا} وكان قولهم: {أبشر يهدوننا} تلقين إبليس حين لقنهم مخالفة الرسول وتكذيبه، وأنكم لو احتجتم إلى طاعته ففيكم من هو أعظم منه درجة وأكبر منزلة. فإذا لم تطيعوه، فكيف تطيعون بشرا مثلكم؟ وهذا كله عناد وخطأ...
{والله غني حميد} قد وصفنا معنى الغني. وأما الحميد فيتحمل وجهين:
أحدهما: يعني المحمود أي المستحق للحمد بذاته؛ إذ يستحق كل أحد الحمد على ما يحسن.
والثاني: يحتمل معنى الحميد معنى الحامد؛ ووجه ذلك أن الله تعالى يحمد محاسن الخلق وآثار أفعالهم، وأن حقيقة تلك الأفعال من جهة التوفيق والتسديد إنما كانت به، وذلك غاية الكرم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{واستغنى الله} أطلق ليتناول كل شيء، ومن جملته إيمانهم وطاعتهم. فإن قلت: قوله: {وَتَوَلَّواْ واستغنى الله} يوهم وجود التولي والاستغناء معاً، والله تعالى لم يزل غنياً. قلت: معناه: وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{استغنى الله} عبارة عما ظهر من هلاكهم، وأنهم لن يضروا الله شيئاً، فبان أنه كان غنياً أزلاً، وبسبب ظهور هلاكهم بعد أن لم يكن ظاهراً ساغ استعمال هذا البناء مسنداً إلى اسم الله تعالى...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ذلك} أي الأمر الشنيع العظيم من الوبال الدال قطعاً على أن الكفر أبطل الباطل وأنه مما يغضب الخالق...
. {بأنه} أي بسبب أن الشأن العظيم البالغ في الفظاعة {كانت تأتيهم} على عادة مستمرة {رسلهم} أي رسل الله الذين أرسلهم إليهم وخصهم بهم ليكونوا موضع سرورهم بهم {بالبينات} أي الأمور التي توضح غاية الإيضاح أنهم رسل الله من الكتب وغيرها، فشهدوا الأمر من معدنه، فلذلك كان عذابهم أشد...
{فقالوا} أي الكل لرسلهم منكرين غاية الإنكار تكبراً: {أبشر} أي هذا الجنس... {يهدوننا} فأنكروا على الملك الأعظم إرساله لهم {فكفروا} بذلك عقب مجيء الرسل وبسببه من غير نظر وتفكر وأدنى تأمل وتبصر... {وتولوا} أي كلفوا أنفسهم خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى من الإعراض عن الرسل بعد إنكار رسالتهم لشبهة قامت عندهم، وذلك أنهم قالوا: إن الله عظيم لا يشبه البشر فينبغي أن يكون رسله من غير البشر... {واستغنى الله} أي فعل الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه فعل من يطلب الغنى عنهم وأوجده إيجاداً عظيماً ممن هداه لاتباع الرسل فأعرض عنهم حين أعرضوا عن رسله فضرهم إعراضه عنهم ولم يضره إعراضهم وما ضروا إلا أنفسهم وأطلق الاستغناء ليعم كل شيء... {والله} أي المستجمع لصفات الكمال من غير تقيد بحيثية {غني} عن الخلق جميعاً {حميد} له صفة الغنى المطلق والحمد الأبلغ الذي هو الإحاطة بجميع أوصاف الكمال على الدوام أزلاً وأبداً، لم يتجدد له شيء لم يكن...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا: أبشر يهدوننا؟).. وهو الاعتراض ذاته الذي يعترضه المشركون على الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو اعتراض فج ناشئ عن الجهل بطبيعة الرسالة، وكونها منهجا إلهيا للبشر...
فجائز في عرفهم أن يتبعوا رسولا من خلق آخر غير جنسهم بلا غضاضة. أما أن يتبعوا واحدا منهم فهي في نظرهم حطة وقلة قيمة! ومن ثم كفروا وتولوا معرضين عن الرسل وما معهم من البينات...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(ذلك بأنّه كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات فقالوا أبشر يهدوننا) وبهذا المنطق عصوا وكفروا (فكفروا وتولّوا) والله في غنى عن طاعتهم (واستغنى الله) فطاعتهم لأنفسهم وعصيانهم عليها و (الله غني حميد). ولو كفرت كلّ الكائنات لما نقص من كبريائه تعالى شيء، كما أنّ طاعتهم لا تزيده شيئاً. نحن الذين نحتاج إلى كلّ هذه التعليمات والمناهج التربوية. عبارة (واستغنى الله) مطلقة تبيّن استغناء البارئ عن الوجود كلّه، وعدم حاجته إلى شيء أبداً، بما في ذلك إيمان الناس وطاعتهم، كي لا يتصوّروا خطأً أنّ الله عندما يؤكّد على الطاعة والإيمان فبسبب حاجة أو نفع يصيبه سبحانه. وقال آخرون في معنى عبارة (استغنى الله) بأنّها إشارة إلى الحكم والآيات والمواعظ التي أعطاها الله تعالى إيّاهم، إذ لا يحتاجون بعدها إلى شيء...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.