6- فيا أيها المؤمنون ، إذا أردتم القيام إلى الصلاة ولم تكونوا متوضئين ، فتوضأوا بغسل وجوهكم وأيديكم مع المرافق ، وامسحوا رءوسكم - كلها أو بعضها - واغسلوا أرجلكم مع الكعبين . وإن كنتم جنباً عند القيام إلى الصلاة بسبب ملامسة أزواجكم ، فاغسلوا جميع أبدانكم بالماء ، وأن كنتم مرضى مرضاً يمنع من استعمال الماء ، أو كنتم مسافرين يتعسر عليكم وجود الماء ، أو عند رجوعكم من مكان قضاء الحاجة ، أو لامستم النساء ولم تجدوا ماء ، فعليكم بالتيمم بالتراب الطهور ، بمسح وجوهكم وأيديكم به . ما يريد الله فيما أمركم به أن يضيق عليكم ، ولكنه شرع ذلك لتطهيركم ظاهراً وباطناً وليتم نعمه عليكم بالهداية والبيان والتيسير ، لتشكروا الله على هدايته وتمام نعمته بالمداومة على طاعته{[50]} .
قال كثيرون من السلف : قوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } معناه وأنتم مُحْدِثون .
وقال آخرون : إذا قمتم من النوم إلى الصلاة ، وكلاهما قريب .
وقال آخرون : بل المعنى أعم من ذلك ، فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ، ولكن هو في حق المحدث على سبيل الإيجاب ، وفي حق المتطهر على سبيل الندب والاستحباب . وقد قيل : إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجبا في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ .
قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن عَلْقَمَة بن مرثد ، عن سليمان بن بُرَيْدة{[9218]} عن أبيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه ، وصلى الصلوات بوضوء واحد . فقال له عمر : يا رسول الله ، إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله ؟ قال : " إني عمدًا فعلته يا عمر .
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد{[9219]} ووقع في سنن ابن ماجه ، عن سفيان عن محارب بن دِثَار - بدل علقمة بن مرثد - كلاهما عن سليمان بن بُريدة{[9220]} به وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عباد بن موسى ، أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي ، حدثنا الفضل بن المُبَشِّر قال : رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد ، فإذا بال أو أحدث ، توضأ ومسح بفضل طَهُوره الخفين . فقلت : أبا عبد الله ، شيء{[9221]} تصنعه برأيك ؟ قال : بل رأيت النبي{[9222]} صلى الله عليه وسلم يصنعه ، فأنا أصنعه ، كما رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[9223]} يصنع . {[9224]}
وكذا رواه ابن ماجه ، عن إسماعيل بن تَوْبة ، عن زياد البكائي ، به{[9225]} وقال أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن{[9226]} إسحاق ، حدثني محمد بن يحيى بن حَبَّان الأنصاري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال : قلت له : أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر ، عَمَّن هو ؟ قال : حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب ؛ أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر بن الغسيل حدثها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر ، فلما شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة وَوُضِع عنه الوضوء ، إلا من حدث . فكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك ، كان يفعله حتى مات . {[9227]}
وكذا رواه أبو داود ، عن محمد بن عَوْف{[9228]} الحِمْصِيّ ، عن أحمد بن خالد الذهني ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان ، عن عبد الله بن عبد الله{[9229]} بن عمر{[9230]} ثم قال أبو داود : ورواه إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق فقال : عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، يعني كما تقدم في رواية الإمام أحمد .
وأيا ما كان فهو{[9231]} إسناد صحيح ، وقد صرح ابن إسحاق فيه بالتحديث والسماع من محمد بن يحيى بن حَبَّان ، فزال محذور التدليس . لكن قال الحافظ ابن عساكر : رواه سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكَانة ، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان ، به ، والله{[9232]} أعلم . وفي فعل ابن عمر هذا ، ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة ، دلالة على استحباب ذلك ، كما هو مذهب الجمهور . .
وقال ابن جرير : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، حدثنا أزْهَر ، عن ابن عَوْن ، عن ابن سِيرين : أن الخلفاء كانوا يتوضئون لكل صلاة .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى{[9233]} حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شُعْبَة ، سمعت مسعود بن علي الشيباني ، سمعت عِكْرِمة يقول : كان علي ، رضي الله عنه ، يتوضأ عند كل صلاة ، ويقرأ هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } الآية .
وحدثنا ابن المثنى ، حدثني وَهْب بن جرير ، أخبرنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة قال : رأيت عليًا صلى الظهر ، ثم قعد للناس في الرّحْبة ، ثم أتي بماء فغسل وجهه ويديه ، ثم مسح برأسه ورجليه ، وقال{[9234]} هذا وضوء من لم يُحْدث .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هُشَيْم{[9235]} عن مغيرة ، عن إبراهيم ؛ أن عليًا اكتال{[9236]} من حُبٍّ ، فتوضأ وضوءا فيه تجوّز{[9237]} فقال : هذا وضوء من لم يحدث " . وهذه طرق جيدة عن علي [ رضي الله عنه ]{[9238]} يقوي بعضها بعضا .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن بَشَّار ، حدثنا ابن أبي عَدِيٍّ ، عن حُمَيْد ، عن أنس قال : توضأ عمر بن الخطاب وضوءا فيه تَجَوّز ، خفيفا ، فقال{[9239]} هذا وضوء من لم يحدث . وهذا إسناد صحيح . {[9240]}
وقال محمد بن سيرين : كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة . .
وأما ما رواه أبو داود الطيالسي ، عن أبي هلال ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : الوضوء من غير حدث اعتداء . فهو غريب عن سعيد بن المسيب ، ثم هو محمول على أن من اعتقد وجوبه فهو معتد ، وأما مشروعيته استحبابا فقد دلت السنة على ذلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيٍّ ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن عامر الأنصاري ، سمعت أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، قال : قلت{[9241]} فأنتم كيف كنتم تصنعون ؟ قال : كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث .
وقد رواه البخاري وأهل السنن من غير وجه عن عَمْرو بن عامر ، به . {[9242]}
وقال ابن جرير : حدثني أبو سعيد البغدادي ، حدثنا إسحاق بن منصور ، عن هُرَيم ، عن عبد الرحمن بن زياد - هو الإفريقي - عن أبي غُطَيف ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ على طُهْر كتب{[9243]} له عشر حسنات " .
ورواه أيضا من حديث عيسى بن يونس ، عن الإفريقي ، عن أبي غطيف ، عن ابن عمر ، فذكره ، وفيه قصة . {[9244]}
وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث الإفريقي ، به نحوه{[9245]} وقال الترمذي : وهو إسناد ضعيف .
قال ابن جرير : وقد قال قوم : إن هذه الآية نزلت إعلاما من الله أن الوضوء لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة ، دون غيرها من الأعمال ؛ وذلك لأنه عليه السلام{[9246]} كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتى يتوضأ .
حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان{[9247]} عن جابر ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم ، عن عبد الله بن عَلْقَمَة بن الفَغَواء ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول نكلمه فلا يكلمنا ، ونسلم عليه فلا يرد علينا ، حتى نزلت آية الرخصة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } الآية .
ورواه ابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم ، عن أبي كُرَيْب ، به{[9248]} نحوه . وهو حديث غريب جدًا ، وجابر هذا هو ابن يزيد{[9249]} الجعفي ، ضعفوه .
وقال أبو داود : حدثنا مُسَدَّد ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن عبد الله بن أبي مُلَيكة ، عن عبد الله بن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء ، فَقُدِّم إليه طعام ، فقالوا : ألا نأتيك بوَضُوء فقال : " إنما أمرت بالوضوء إذا قُمْتُ إلى الصلاة .
وكذا رواه الترمذي عن أحمد بن مَنِيع والنسائي عن زياد بن أيوب ، عن إسماعيل - وهو ابن علية - به{[9250]} وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن الحويرث ، عن ابن عباس قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ، ثم إنه رجع فأتى بطعام ، فقيل : يا رسول الله ، ألا تتوضأ ؟ فقال : " لِمَ ؟ أأصلي{[9251]} فأتوضأ ؟ " . {[9252]} وقوله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } قد استدل طائفة من العلماء بقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } على وجوب النية في الوضوء ؛ لأن تقدير الكلام : " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم لها " ، كما تقول العرب : " إذا رأيت الأمير فقم " أي : له . وقد ثبت في الصحيحين حديث : " الأعمال{[9253]} بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " . {[9254]} ويستحب قبل غسل الوجه أن يذكر اسم الله تعالى على وضوئه ؛ لما ورد في الحديث من طرق{[9255]} جيدة ، عن جماعة من الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " . {[9256]}
ويستحب أن يغسل كفيه قبل إدخالهما في الإناء{[9257]} ويتأكد ذلك عند القيام من النوم ؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استيقظ أحدكم من نَوْمِه ، فلا يُدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا ، فإن أحدَكم لا يَدْرِي أين باتت يده " . {[9258]}
وحَدُّ الوجه عند الفقهاء : ما بين منابت شعر الرأس - ولا اعتبار بالصَّلع ولا بالغَمَم - إلى منتهى اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ، وفي النزعتين{[9259]} والتحذيف خلاف ، هل هما من الرأس أو الوجه ، وفي المسترسل من اللحية عن محل الفرض قولان ، أحدهما : أنه يجب إفاضة الماء عليه لأنه تقع به المواجهة . وروي في حديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مغطيا لحيته ، فقال : " اكشفها ، فإن اللحية من الوجه " {[9260]} وقال مجاهد : هي من الوجه ، ألا تسمع إلى قول العرب في الغلام إذا نبتت لحيته : طلع وجهه .
ويستحب للمتوضئ أن يخلل لحيته إذا كانت كَثَّة ، قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل ، عن عامر بن شقيق بن جَمْرَة ، عن أبي وائل{[9261]} قال : رأيت عثمان توضأ - فذكر الحديث - قال : وخلل اللحية ثلاثا حين غسل وجهه ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت .
رواه الترمذي ، وابن ماجه من حديث عبد الرزاق{[9262]} وقال الترمذي : حسن صحيح ، وحسنه البخاري .
وقال أبو داود : حدثنا أبو تَوْبَة الربيع بن نافع ، حدثنا أبو المَلِيح ، حدثنا الوليد بن زَوْرَانَ{[9263]} عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كَفًّا من ماء فأدخله تحت حنكه ، يخلل{[9264]} به لحيته ، وقال : " هكذا أمرني به ربي عز وجل .
تفرد به أبو داود{[9265]} وقد رُوي هذا{[9266]} من غير وجه عن أنس . قال البيهقي : وروينا في تخليل اللحية عن عمار ، وعائشة ، وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عن علي وغيره ، وروينا في الرخصة في تركه عن ابن عمر ، والحسن بن علي ، ثم عن النخعي ، وجماعة من التابعين . {[9267]}
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه في الصحاح وغيرها : أنه كان إذا توضأ تمضمض{[9268]} واستنشق ، فاختلف الأئمة في ذلك : هل هما واجبان في الوضوء والغسل ، كما هو مذهب أحمد بن حنبل ، رحمه الله ؟ أو مستحبان فيهما ، كما هو مذهب الشافعي ومالك ؟ لما ثبت في الحديث الذي رواه أهل السنن وصححه ابن خُزَيمة ، عن رفاعة بن رافع الزّرقي ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته : " توضأ كما أمرك الله " {[9269]} أو يجبان في الغسل دون الوضوء ، كما هو مذهب أبي حنيفة ؟ أو يجب الاستنشاق دون المضمضة كما هو رواية عن الإمام أحمد لما ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من توضأ فليستنثر " {[9270]} وفي رواية : " إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء ثم لينتثر " {[9271]} والانتثار : هو المبالغة في الاستنشاق .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ؛ أنه توضأ فغسل وجهه ، ثم أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنثر ، ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا ، يعني أضافها إلى يده الأخرى ، فغسل بهما وجهه . ثم أخذ غرفة من ماء ، فغسل بها يده اليمنى ، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ، ثم مسح رأسه ، ثم أخذ غرفة من ماء ، ثم رش على رجله اليمنى حتى غسلها ، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله اليسرى ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني يتوضأ .
ورواه البخاري ، عن محمد بن عبد الرحيم ، عن أبي سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ، به{[9272]}
وقوله : { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } أي : مع المرافق ، كما قال تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } [ النساء : 2 ]
وقد روى الحافظ الدارقطني وأبو بكر البيهقي ، من طريق القاسم بن محمد ، عن{[9273]} عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جده ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه . ولكن القاسم هذا متروك الحديث ، وجده ضعيف{[9274]} والله أعلم .
ويستحب للمتوضئ أن يشرع في العضد ليغسله مع ذراعيه ؛ لما روى البخاري ومسلم ، من حديث نُعَيم المُجْمِر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أمتي يُدْعَوْن يوم القيامة غُرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرَّته فليفعل " . {[9275]}
وفي صحيح مسلم : عن قُتَيْبَة ، عن خَلَف بن خليفة ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : سمعت خليلي{[9276]} صلى الله عليه وسلم يقول : " تبلغ الحِلْية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " . {[9277]}
وقوله : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } اختلفوا في هذه " الباء " هل هي للإلصاق ، وهو الأظهر أو للتبعيض ؟ وفيه نظر ، على قولين . ومن الأصوليين من قال : هذا مجمل فليرجع{[9278]} في بيانه إلى السنة ، وقد ثبت في الصحيحين من طريق مالك ، عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه ، أن رجلا قال لعبد الله بن زيد بن عاصم - وهو جد عمرو بن يحيى ، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ فقال عبد الله بن زيد : نعم ، فدعا بوضوء ، فأفرغ على يديه ، فغسل يديه مرتين مرتين ، ثم مضمض{[9279]} واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ، ثم مسح بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ، ثم غسل رجليه . {[9280]}
وفي حديث عبد خير ، عن علي في صفة وضوء رسول الله{[9281]} صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، وروى أبو داود ، عن معاوية والمقدام بن معد يكرب ، في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . {[9282]}
ففي هذه الأحاديث دلالة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميع الرأس ، كما هو مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل ، لا سيما على قول من زعم أنها خرجت مخرج البيان لما أجمل في القرآن .
وقد ذهب الحنفية إلى وجوب مسح ربع الرأس ، وهو مقدار الناصية .
وذهب أصحابنا إلى أنه إنما يجب ما يطلق عليه اسم مسح ، لا يتقدر ذلك بحدٍّ ، بل لو مسح بعض شعره من رأسه أجزأه .
واحتج الفريقان بحديث المغيرة بن شعبة ، قال : تخلف النبي صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه ، فلما قضى حاجته قال : " هل معك ماء ؟ " فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة ، فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه{[9283]} فغسل ذراعيه ومسح بناصيته ، وعلى العمامة وعلى خفيه . . . وذكر باقي الحديث ، وهو في صحيح مسلم ، وغيره . {[9284]}
فقال لهم أصحاب الإمام أحمد : إنما اقتصر على مسح الناصية لأنه كمل مسح بقية الرأس على العمامة ، ونحن نقول بذلك ، وأنه يقع عن الموقع كما وردت بذلك أحاديث كثيرة ، وأنه كان يمسح على العمامة وعلى الخفين ، فهذا{[9285]} أولى ، وليس لكم فيه دلالة على جواز الاقتصار على مسح الناصية أو بعض الرأس من غير تكميل على العمامة ، والله أعلم .
ثم اختلفوا في أنه : هل يستحب تكرار مسح الرأس ثلاثا ، كما هو المشهور من مذهب الشافعي ، أو إنما{[9286]} يستحب مسحة واحدة ، كما هو مذهب أحمد بن حنبل ومن تابعه ، على قولين . فقال عبد الرزاق : عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن حُمْران بن أبان قال : رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما ، ثم مضمض{[9287]} واستنشق ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا ، ثم اليسرى ثلاثا مثل ذلك{[9288]} ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم قال : " من تَوَضَّأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدم من ذنبه " .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من طريق الزهري به نحو هذا{[9289]} وفي سنن أبي داود من رواية عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة ، عن عثمان في صفة الوضوء : ومسح برأسه مرة واحدة{[9290]} وكذا من رواية عبد خير ، عن علي مثله .
واحتج من استحب تكرار مسح الرأس بعموم الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن عثمان ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : توضأ ثلاثا ثلاثا .
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا الضحاك بن مَخْلَد ، حدثنا عبد الرحمن بن وَرْدَان ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، حدثني حمران قال : رأيت عثمان بن عفان توضأ . {[9291]} فذكر نحوه ، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق ، قال فيه : ثم مسح رأسه ثلاثا ، ثم غسل رجليه ثلاثا ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا وقال : " من توضأ دون هذا كفاه .
تفرد به أبو داود{[9292]} ثم قال : وأحاديث عثمان الصحاح تدل على أنه مسح الرأس مرة واحدة .
وقوله : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } قُرئ : { وَأَرْجُلَكُمْ } بالنصب عطفا على { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ }
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا وُهَيْب ، عن خالد ، عن عِكَرِمة ، عن ابن عباس ؛ أنه قرأها : { وَأَرْجُلَكُمْ } يقول : رجعت إلى الغسل .
وروي عن عبد الله بن مسعود ، وعُرْوَة ، وعطاء ، وعكرمة ، والحسن ، ومجاهد ، وإبراهيم ، والضحاك ، والسُّدِّي ، ومُقاتل بن حيان ، والزهري ، وإبراهيم التيمي ، نحو ذلك .
وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل ، كما قاله السلف ، ومن هاهنا ذهب من ذهب إلى وجوب الترتيب{[9293]} كما هو مذهب الجمهور ، خلافا لأبي حنيفة حيث لم يشترط الترتيب ، بل لو غسل قدميه ثم مسح رأسه وغسل يديه ثم وجهه أجزأه ذلك ؛ لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء ، و " الواو " لا تدل على الترتيب . وقد سلك الجمهور في الجواب عن هذا البحث طرقا ، فمنهم من قال : الآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء عند القيام إلى الصلاة ؛ لأنه مأمور به بفاء التعقيب ، وهي مقتضية للترتيب ، ولم يقل أحد من الناس بوجوب غسل الوجه أولا ثم لا يجب الترتيب بعده ، بل القائل اثنان ، أحدهما : يوجب الترتيب ، كما هو واقع في الآية . والآخر يقول : لا يجب الترتيب مطلقا ، والآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء ، فوجب{[9294]} الترتيب فيما بعده بالإجماع ، حيث لا فارق . ومنهم من قال : لا نسلم أن " الواو " لا تدل على الترتيب ، بل هي دالة - كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعض الفقهاء . ثم نقول{[9295]} - بتقدير تسليم كونها لا تدل على الترتيب اللغوي - : هي دالة على الترتيب شرعا فيما من شأنه أن يرتب ، والدليل على ذلك أنه{[9296]} صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت ، خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [ البقرة : 158 ] ثم قال : " ابدأ بما بدأ الله به " لفظ مسلم ، ولفظ النسائي : " ابدءوا بما بدأ الله به " . وهذا لفظ أمر ، وإسناده صحيح ، فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به ، وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعا ، والله أعلم .
ومنهم من قال : لما ذكر تعالى هذه الصفة في هذه الآية على هذا الترتيب ، فقطع النظير عن النظير ، وأدخل الممسوح بين المغسولين ، دل ذلك على إرادة الترتيب .
ومنهم من قال : لا شك أنه قد روى أبو داود وغيره من طريق عَمْرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ، ثم قال : " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " {[9297]} قالوا : فلا يخلو{[9298]} إما أن يكون توضأ مرتبا فيجب الترتيب ، أو يكون توضأ غير مرتب فيجب عدم الترتيب ، ولا قائل به ، فوجب ما ذكره . {[9299]}
وأما القراءة الأخرى ، وهي قراءة من قرأ : { وَأَرْجُلِكُمْ }{[9300]} بالخفض . فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين ؛ لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس . وقد رُوي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح ، فقال ابن جرير :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّةَ ، حدثنا حُمَيْد قال : قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده : يا أبا حمزة ، إن الحجاج خَطَبَنا بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم ، وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ، وأنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما عَرَاقيبهما{[9301]} فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله [ تعالى ]{[9302]} { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } قال : وكان أنس إذا مسح قدميه بَلَّهما{[9303]} إسناد صحيح إليه .
وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سَهْل ، حدثنا مُؤَمَّل ، حدثنا حماد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن أنس{[9304]} قال : نزل القرآن بالمسح ، والسنة الغسل{[9305]} وهذا أيضا إسناد صحيح .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا محمد بن قَيْس الخراساني ، عن ابن جُرَيْج ، عن عمرو بن دينار ، عن عِكرِمة ، عن ابن عباس قال : الوضوء غَسْلتَان ومسحتان . {[9306]}
وكذا روى سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبي ، حدثنا أبو مَعْمَر المِنْقَريّ ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مِهْران ، عن ابن عباس : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } قال : هو المسح . ثم قال : وروي عن ابن عمر{[9307]} وعلقمة ، وأبي جعفر ، [ و ]{[9308]} محمد بن علي ، والحسن - في إحدى الروايات - وجابر بن زيد ، ومجاهد - في إحدى الروايات - نحوه .
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب ، قال : رأيت عكرمة يمسح على رجليه ، قال : وكان يقوله .
وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب ، حدثنا ابن إدريس ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : نزل جبريل بالمسح . ثم قال الشعبي : ألا ترى أن " التيمم " أنْ يمسح ما كان غسلا ويلغي{[9309]} ما كان مسحا ؟
وحدثنا ابن أبي زياد ، حدثنا يزيد ، أخبرنا إسماعيل ، قلت لعامر : إن ناسا يقولون : إن جبريل نزل بغسل الرجلين ؟ فقال : نزل جبريل بالمسح .
فهذه آثار غريبة جدًا ، وهي محمولة على أن المراد بالمسح هو الغسل الخفيف ، لما سنذكره من السنة الثابتة{[9310]} في وجوب غسل الرجلين . وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض إما على المجاورة وتناسب الكلام ، كما في قول العرب : " جُحْرُ ضَب خربٍ " ، وكقوله تعالى : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } [ الإنسان : 21 ] وهذا سائغ ذائع ، في لغة العرب شائع . ومنهم من قال : هي محمولة على مسح القدمين إذا كان عليهما الخفان ، قاله أبو عبد الله الشافعي ، رحمه الله . ومنهم من قال : هي دالة على مسح الرجلين ، ولكن المراد بذلك الغسل الخفيف ، كما وردت{[9311]} به السنة . وعلى كل تقدير فالواجب غسل الرجلين فرضا ، لا بد منه للآية والأحاديث{[9312]} التي سنوردها .
ومن أحسن ما يستدل به على أن المسح يطلق على الغسل الخفيف ما رواه الحافظ البيهقي ، حيث قال : أخبرنا أبو علي الروذباري ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ، حدثنا جعفر بن محمد القلانسي ، حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا عبد الملك بن مَيْسَرَة ، سمعت النزال بن سَبْرَة يحدث عن علي بن أبي طالب ، أنه صلى الظهر ، ثم قعد في حوائج الناس في رَحَبَة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ، ثم أتي بكوز من ماء ، فأخذ منه حفنة واحدة ، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه ، ثم قام فشرب{[9313]} فضله وهو قائم ، ثم قال : إن ناسا يكرهون الشرب قائما ، وإن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[9314]} صنع ما صنعتُ . وقال : " هذا وضوء من لم يحدث " .
رواه البخاري في الصحيح ، عن آدم ، ببعض معناه . {[9315]}
ومن أوجب{[9316]} من الشيعة مسحهما كما يمسح الخف ، فقد ضل وأضل . وكذا من جوز مسحهما وجوز غسلهما فقد أخطأ أيضا ، ومن نقل عن أبي جعفر بن جرير أنه أوجب غسلهما للأحاديث ، وأوجب مسحهما للآية ، فلم يحقق مذهبه في ذلك ، فإن كلامه في تفسيره إنما يدل على أنه أراد أنه يجب دَلْك الرجلين من دون سائر أعضاء الوضوء ؛ لأنهما يليان الأرض والطين وغير ذلك ، فأوجب{[9317]} دَلْكَهما ليذهب ما عليهما ، ولكنه عَبَّر عن الدلك بالمسح ، فاعتقد من لم يتأمل كلامه أنه أراد وجوب الجمع بين{[9318]} غسل الرجلين ومسحهما ، فحكاه من حكاه كذلك ؛ ولهذا يستشكله كثير من الفقهاء وهو معذور{[9319]} فإنه لا معنى للجمع بين المسح والغسل ، سواء تقدمه أو تأخر عليه ؛ لاندراجه فيه ، وإنما أراد الرجلُ ما ذكرتهُ ، والله أعلم . ثم تأملت كلامه أيضًا فإذا هو يحاول الجمع بين القراءتين ، في قوله : { وَأَرْجُلَكُمْ } خفضا على المسح وهو الدلك{[9320]} ونصبا على الغسل ، فأوجبهما أخذا بالجمع بين هذه وهذه .
ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين وأنه لا بد منه :
قد تقدم في حديث أميري المؤمنين عثمان وعلي ، وابن عباس ومعاوية ، وعبد الله بن زيد بن عاصم ، والمقداد بن معد يكرب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين{[9321]} في وضوئه ، إما مرة ، وإما مرتين ، أو ثلاثا ، على اختلاف رواياتهم .
وفي حديث عمرو بن شُعَيْب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل قدميه ، ثم قال : " هذا وُضُوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " .
وفي الصحيحين ، من رواية أبي عَوَانة ، عن أبي بِشْر ، عن يوسف بن مَاهَك ، عن عبد الله بن عمرو قال : تَخَلَّف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدرَكَنا وقد أرْهَقَتْنَا الصلاةُ ، صلاةُ العصر ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : " أسبِغوا الوضوء وَيْلٌ للأعقاب من النار " . {[9322]}
وكذلك هو في الصحيحين عن أبي هريرة{[9323]} وفي صحيح مسلم عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار " . {[9324]}
وروى الليث بن سعد ، عن حَيْوة بن شُرَيْح ، عن عُقْبة بن مسلم ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء{[9325]} أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " وَيْلٌ للأعْقَاب وبُطون الأقدام من النار " . رواه البيهقي والحاكم{[9326]} وهذا إسناد صحيح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق : أنه سمع سعيد بن أبي كرب - أو شعيب بن أبي كرب{[9327]} - قال : سمعت جابر بن عبد الله - وهو على جمل{[9328]} - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ويل للعراقيب من النار " . {[9329]}
وحدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب{[9330]} عن جابر بن عبد الله قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رِجْل رَجُل منا مثْل الدرهم لم يغسله ، فقال : " ويل للعَقِبِ من النار " .
ورواه ابنُ ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن الأحْوص{[9331]} عن أبي إسحاق ، عن سعيد ، به نحوه{[9332]} وكذا رواه ابن جرير من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وغير واحد ، عن أبي إسحاق السَّبِيعي ، عن سعيد بن أبي كرب{[9333]} عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . ثم قال :
حدثنا{[9334]} علي{[9335]} بن مسلم ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون ، لم يصب أعْقابهم الماءُ ، فقال : " وَيْلٌ للعَراقِيبِ من النار " . {[9336]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا خَلَف بن الوليد ، حدثنا أيوب بن عُتْبة ، عن يحيى{[9337]} بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن مُعَيْقيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويل للأعقاب من النار " . تفرد به أحمد . {[9338]}
وقال ابن جرير : حدثني علي بن عبد الأعلى ، حدثنا المحاربي ، عن مُطَرَّح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال{[9339]} رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويل للأعقاب من النار ، ويل للأعقاب من النار " . قال : فما بقي في المسجد شَرِيف ولا وَضِيع ، إلا نظرت إليه يُقلب عُرْقوبيه ينظر إليهما " . {[9340]}
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن ليث ، حدثني عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي أمامة - أو عن أخي أبي أمامة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر قومًا يتوضئون{[9341]} وفي عَقِب أحدهم - أو : كعب أحدهم - مثل موضع الدرهم - أو : موضع الظفر - لم يمسه الماء ، فقال : " ويل للأعقاب من النار " . قال : فجعل الرجل إذا رأى في عقبه شيئًا لم يصبه{[9342]} الماء أعاد وضوءه " . {[9343]}
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهرة ، وذلك أنه لو كان فَرْض الرجلين مَسْحهما ، أو أنه يجوز ذلك فيهما لما توَعّد على تركه ؛ لأن المسح لا يستوعب جميع الرجل ، بل يجري{[9344]} فيه ما يجري{[9345]} في مسح الخف ، وهكذا وجه{[9346]} الدلالة على الشيعة الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وقد روى مسلم في صحيحه ، من طريق أبي الزبير ، عن جابر ، عن عمر بن الخطاب ؛ أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه{[9347]} فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ارجع فأحسن وضوءك " . {[9348]} وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني{[9349]} حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وَهْبٍ ، حدثنا جرير بن حازم : أنه سمع قتادة بن دعامة قال : حدثنا أنس بن مالك ؛ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ ، وترك على قدمه مثل موضع الظفر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارجع فأحسن وضوءك " .
وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن معروف ، وابن ماجه ، عن حَرْمَلَة بن يحيى ، كلاهما عن ابن وَهْب به{[9350]} وهذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات ، لكن قال أبو داود : [ و ]{[9351]} ليس هذا الحديث بمعروف ، لم يروه إلا ابن وهب .
وحدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد{[9352]} أخبرنا يونس وحميد ، عن الحسن ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . بمعنى حديث قتادة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا بَقيةُ ، حدثني بَحِير{[9353]} بن سعد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لُمْعَة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء .
ورواه أبو داود من حديث بقية{[9354]} وزاد : " والصلاة " . وهذا إسناد جيد قوي صحيح ، والله أعلم .
وفي حديث حُمْران ، عن عثمان ، في صفة وضوء النبي{[9355]} صلى الله عليه وسلم : أنه خلل بين أصابعه . وروى أهل السنن من حديث إسماعيل بن كثير ، عن عاصم بن لَقِيط بن صَبرةَ ، عن أبيه قال ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن الوضوء : فقال : " أسبغ الوضوء ، وخَلِّل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " . {[9356]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، أبو عبد الرحمن المقري{[9357]} حدثنا عِكْرِمة بن عمار ، حدثنا شداد بن عبد الله الدمشقي قال{[9358]} قال أبو أمامة : حدثنا عَمْرو بن عبسة{[9359]} قال : قلت : يا نبي الله ، أخبرني عن الوضوء . قال : " ما منكم من أحد يقرب وضوءه ، ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر{[9360]} إلا خرّت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر ، ثم يغسل وجهه كما أمره{[9361]} الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله ، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو له أهل ، ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . قال أبو أمامة : يا عمرو ، انظر ما تقول ، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أيعطى هذا الرجل كله في مقامه ؟ فقال عمرو بن عَبْسة{[9362]} يا أبا أمامة ، لقد كبرت سنِّي ، وَرَقَّ عظمي ، واقترب أجلي ، وما بي حاجة أن أكذب على الله ، وعلى رسول الله{[9363]} صلى الله عليه وسلم [ و ]{[9364]} لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا ، لقد سمعته [ منه ]{[9365]} سبع مرات أو أكثر من ذلك . {[9366]}
وهذا إسناد صحيح ، وهو في صحيح مسلم من وجه آخر ، وفيه : " ثم يغسل قدميه كما أمره الله " . فدل على أن القرآن يأمر بالغسل .
وهكذا روى أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم .
ومن هاهنا يتضح لك المراد من حديث عبد خير ، عن علي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَش على قدميه الماء وهما في النعلين فدلكهما . إنما أراد غسلا خفيفًا وهما في النعلين ولا مانع من إيجاد الغسل والرِجل في نعلها ، ولكن في هذا رد على المتعمقين والمتنطعين من الموسوسين . وهكذا الحديث الذي أورده ابن جرير على نفسه ، وهو من روايته ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبَاطةَ قوم فبال قائما ، ثم دعا بماء فتوضأ ، ومسح على نعليه{[9367]} وهو حديث صحيح . وقد أجاب ابن جرير عنه بأن الثقات الحفاظ رووه عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : فبال قائما ثم توضأ ومسح على خفيه .
قلت : ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليه خفان ، وعليهما نعلان .
وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى عن شُعْبَة ، حدثني يَعْلَى ، عن أبيه ، عن أوس بن أبي أوس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ، ثم قام إلى الصلاة . وقد رواه أبو داود عن مُسَدَّد وعباد بن موسى كلاهما ، عن هُشَيْم ، عن يعلى بن عَطاء ، عن أبيه ، عن أوس بن أبي أوس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سُبَاطة قوم فبال ، وتوضأ{[9368]} ومسح على نعليه وقدميه .
وقد رواه ابن جرير من طريق شعبة ومن طريق هشيم{[9369]} ثم قال : وهذا محمول على أنه توضأ كذلك وهو غير محدث ؛ إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسوله متنافية متعارضة ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل{[9370]} المستفيض القاطع عُذْر من انتهى إليه وبلغه .
ولما كان القرآن آمرًا بغسل الرجلين - كما في قراءة النصب ، وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليها - توهم بعض السلف أن هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفين ، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب ، ولكن لم يصح إسناده ، ثم الثابت عنه خلافه ، وليس كما زعموه ، فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول هذه الآية الكريمة .
قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زياد بن عبد الله بن عُلاثة ، عن عبد الكريم بن مالك الجَزَري ، عن مجاهد ، عن جرير بن عبد الله البَجَلي قال : أنا أسلمت بعد نزول{[9371]} المائدة ، وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بعدما أسلمت . تفرد به أحمد . {[9372]}
وفي الصحيحين ، من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن هَمَّام قال : بال جرير ، ثم توضأ ومسح على خفيه ، فقيل : تفعل هذا ؟ فقال : نعم ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ، ثم توضأ ومسح على خفيه . قال الأعمش : قال إبراهيم : فكان يعجبهم هذا الحديث ؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة . لفظ مسلم . {[9373]}
وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية المسح على الخفين قولا منه وفعلا كما هو مقرر في كتاب " الأحكام الكبير " ، وما{[9374]} يحتاج إلى ذكره هناك ، من تأقيت المسح أو عدمه أو التفصيل فيه ، كما هو مبسوط في موضعه . وقد خالفت الروافض ذلك كله بلا مستند ، بل بجهل وضلال ، مع أنه ثابت في صحيح مسلم ، من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه . كما ثبت في الصحيحين عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن نكاح المتعة وهم يستبيحونها . وكذلك هذه الآية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين ، مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق ما دلت عليه الآية الكريمة ، وهم مخالفون لذلك كله ، وليس لهم دليل صحيح في نفس الأمر ، ولله الحمد .
وهكذا خالفوا الأئمة والسلف في الكعبين اللذين في القدمين ، فعندهم أنهما في ظهر القدم ، فعندهم في كل رجل كعب ، وعند الجمهور أن الكعبين هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم . قال{[9375]} الربيع : قال الشافعي : لم أعلم مخالفًا في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان ، وهما مجمع مفصل الساق والقدم . هذا لفظه . فعند الأئمة ، رحمهم الله ، [ أن ]{[9376]} في كل قدم كعبين كما هو المعروف عند الناس ، وكما دلت عليه السنة ، ففي الصحيحين من طريق{[9377]} حُمْران عن عثمان ؛ أنه توضأ فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ، واليسرى مثل ذلك .
وروى البخاري تعليقًا مجزوما به ، وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه ، من رواية أبي القاسم الحسيني بن الحارث الجدلي ، عن النعمان بن بشير قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : " أقيموا صفوفكم - ثلاثا - والله لتقيمُن صفوفكم أو ليخالفَنَّ الله بين قلوبكم " . قال : فرأيت الرجل يُلْزِق كعبه بكعب صاحبه ، وركبته بركبة صاحبه ، ومَنْكبِه بمنكبه . لفظ ابن خزيمة . {[9378]}
فليس يمكن أن يلزق كعبه بكعب صاحبه إلا والمراد به العظم الناتئ في الساق ، حتى يحاذي كعب الآخر ، فدل ذلك على ما ذكرناه ، من أنهما العظمان الناتئان عند مَفْصِل الساق والقدم كما هو مذهب أهل السنة .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن موسى ، أخبرنا شريك ، عن يحيى بن عبد الله بن الحارث التيمي - يعني الجابر - قال : نظرت في قتلى أصحاب زيد ، فوجدت الكعب فوق ظهر القدم ، وهذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم ، تنكيلا بهم في مخالفتهم الحق وإصرارهم عليه .
وقوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } كل ذلك قد تقدَّم الكلام عليه في تفسير آية النساء ، فلا حاجة بنا إلى إعادته ؛ لئلا يطول الكلام . وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك ، لكن البخاري روى هاهنا حديثا خاصا بهذه الآية الكريمة ، فقال :
حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثنا ابن وَهْبٍ ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه ، عن أبيه ، عن عائشة : سقطت قلادة لي بالبيداء ، ونحن داخلون المدينة ، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل ، فثَنَى رأسه في حِجْري راقدًا ، أقبل أبو بكر فلَكَزَني لكزة شديدة ، وقال : حَبَسْت الناس في قلادة ، فَبى الموتُ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أوجعني ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجَد ، فنزلت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } هذه الآية ، فقال أسَيْد بن الحُضَير لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ، ما أنتم إلا بركة لهم . {[9379]}
وقوله : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } أي : فلهذا سهل عليكم ويسَّر ولم يعسِّر ، بل أباح التيمم عند المرض ، وعند فقد الماء ، توسعة عليكم ورحمة بكم ، وجعله في حق من شرع الله يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه ، كما تقدم بيانه ، وكما هو مقرر في كتاب " الأحكام الكبير " .
وقوله : { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : لعلكم تشكرون نعمَه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة ، وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء ، بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الآية الكريمة ، كما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن ، عن عقبة بن عامر قال : كانت علينا رعاية الإبل ، فجاءت نَوْبَتي فَرَوَّحتها بعَشِيّ ، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدث الناس ، فأدركت من قوله : " ما من مسلم يتوضأ فيحسن وُضُوءه ، ثم يقوم فيصلي ركعتين مُقْبلا عليهما بقلبه ووجهه ، إلا وجبت له الجنة " . قال : قلت : ما أجود هذه ! فإذا قائل بين يدي يقول : التي قبلها أجود منها . فنظرت فإذا عمر ، رضي الله عنه ، فقال : إني قد رأيتك جئت آنفا قال : " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو : فيسبغ - الوضوء ، يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء " . لفظ مسلم . {[9380]}
وقال مالك : عن سُهَيل{[9381]} بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا توَضّأ العبد المسلم - أو : المؤمن - فغسل وجهه ، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو : مع آخر قطر الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء - أو : مع آخر قطْر الماء - فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء - أو : مع آخر قطْر الماء - حتى يخرج نقيا من الذنوب " .
رواه مسلم عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن مالك ، به . {[9382]}
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن كعب بن مُرَّة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من رجل يتوضأ فيغسل يديه - أو : ذراعيه - إلا خرجت خطاياه منهما ، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه ، فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه ، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه " . {[9383]}
هذا لفظه . وقد رواه الإمام أحمد ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن منصور ، عن سالم ، عن مرة بن كعب ، أو كعب بن مرة السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإذا توضأ العبد فغسل يديه ، خرجت{[9384]} خطاياه من بين يديه ، وإذا غسل وجهه خرجت{[9385]} خطاياه من وجهه ، وإذا غسل ذراعيه خرجت{[9386]} خطاياه من ذراعيه ، وإذا غسل رجليه خرجت{[9387]} خطاياه من رجليه " . قال شعبة : ولم يذكر مسح الرأس . وهذا إسناد صحيح . {[9388]}
وروى ابن جرير من طريق شَمِر بن عطية ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قام إلى الصلاة ، خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه " . {[9389]}
وروى مسلم في صحيحه ، من حديث يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن سلام ، عن جده ممطور ، عن أبي مالك الأشعري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الطَّهور شَطْر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله{[9390]} تملآن ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة بُرهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حُجَّة لك أو عليك ، كل الناس يَغْدُو ، فبائع نفسه فَمعتِقهَا ، أو مُوبِقُهَا " . {[9391]}
وفي صحيح مسلم ، من رواية سِمَاك بن حَرْب ، عن مُصْعب بن سعد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صدقة من غُلُول ، ولا صلاة بغير طهور " . {[9392]}
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، سمعت أبا المَلِيح الهُذَلي يحدث عن أبيه قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ، فسمعته يقول : " إن الله لا يقبل صلاة من غير طهور ، ولا صدقة من غُلُول " .
وكذا رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث شعبة . {[9393]}
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلََكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } . .
يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم على غير طهر الصلاة ، فاغسلوا وجوهكم بالماء ، وأيديكم إلى المرافق .
ثم اختلف أهل التأويل في قوله : إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ أمراد به كلّ حال قام إليها ، أو بعضها ؟ وأيّ أحوال القيام إليها ؟ فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه من أنه معنىّ به بعض أحوال القيام إليها دون كلّ الأحوال ، وأن الحال التي عني بها حال القيام إليها على غير طهر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : سئل عكرمة عن قول الله : إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيكُمْ إلى المَرَافقِ فكلّ ساعة يتوضأ ؟ فقال : قال ابن عباس : لا وضوء إلاّ من حدث .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت مسعود بن عليّ الشيباني ، قال : سمعت عكرمة ، قال : كان سعد بن أبي وَقّاص يصلي الصلوات بوضوء واحد .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن مسعود بن عليّ ، عن عكرمة ، قال : كان سعد بن أبي وقاص يقول : صلّ بطهورك ما لم تحدث .
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : أخبرنا سليم بن أخضر ، قال : أخبرنا ابن عون عن محمد ، قال : قلت لعبيدة السلماني : ما يوجب الوضوء ؟ قال : الحدث .
حدثنا حميد ين مسعدة ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن واقع بن سحبان ، عن يزيد ابن طريف أو طريف بن يزيد أنهم كانوا مع أبي موسى على شاطىء دجلة ، فتوضئوا فصلوا الظهر ، فلما نودي بالعصر ، قام رجال بتوضئون من دجلة ، فقال : إنه لا وضوء إلاّ على من أحدث .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن طريف بن زياد أو زياد بن طريف عن واقع بن سحبان : أنه شهد أبا موسى صلّى بأصحابه الظهر ، ثم جلسوا حلقا على شاطىء دجلة ، فنُودي بالعصر ، فقام رجال يتوضئون ، فقال أبو موسى : لا وضوء إلاّ على من أحدث .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدث عن واقع بن سحبان ، عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف قال : كنت مع أبي موسى بشاطىء دجلة فذكر نحوه .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن واقع بن سحبان ، عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف عن أبي موسى ، مثله .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا أبو خالد ، قال : توضأت عند أبي العالية الظهر أو العصر ، فقلت : أصلي بوضوئي هذا ، فإني لا أرجع إلى أهلي إلى العتمة ؟ قال أبو العالية : لا حرج . وعلّمنا : إذا توضأ الإنسان فهو في وضوئه حتى يحدث حدثا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا ابن هلال ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : الوضوء من غير حدث اعتداء .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن سعيد ، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، قال : رأيت إبراهيم صلّى بوضوء واحد ، الظهر والعصر والمغرب .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : كنت مع يحيى ، فأصلي الصلوات بوضوء واحد ، قال : وإبراهيم مثل ذلك .
حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم ، قال : سمعت الحسن سئل عن الرجل يتوضأ فيصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ، فقال : لا بأس به ما لم يحدث .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك ، قال : يصلي الصلوات بالوضوء الواحد ما لم يحدث .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا زائدة عن الأعمش ، عن عمارة ، قال : كان الأسود يصلي الصلوات بوضوء واحد .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أساط ، عن السديّ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ يقول : قمتم وأنتم على غير طهر .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن الأسود : أنه كان له قَعْبٌ قدر رِيّ رجل ، فكان يتوضأ ثم يصلي بوضوئه ذلك الصلوات كلها .
حدثنا محمد بن عباد بن موسى ، قال : أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي ، قال : حدثنا الفضل بن المبشر ، قال : رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد ، فإذا بال أو أحدث توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين . فقلت : أبا عبد الله أشيء تصنعه برأيك ؟ قال : بل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه ، فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع .
وقال آخرون : معنى ذلك : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم من نومكم إلى الصلاة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني من سمع مالك بن أنس ، يحدث عن زيد بن أسلم ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ قال : يعني : إذا قمتم من النوم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس ، أخبره عن زيد بن أسلم ، بمثله .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاة فاغْسِلُوا وُجُوهُكُمْ قال : فقال : قمتم إلى الصلاة من النوم .
وقال آخرون : بل ذلك معنىّ به كل حال قيام المرء إلى صلاته أن يجدّد لها طهرا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن مسعود بن عليّ ، قال : سألت عكرمة ، قال : قلت يا أبا عبد الله ، أتوضأ لصلاة الغد ثم آتي السوق فتحضر صلاة الظهر فأصلي ؟ قال : كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت مسعود بن عليّ الشيباني ، قال : سمعت عكرمة يقول : كان عليّ رضي الله عنه يتوضأ عند كلّ صلاة ، ويقرأ هذه الاَية : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُم . . . الاَية .
حدثنا حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا أزهر ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين : أن الخلفاء كانوا يتوضئون لكلّ صلاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس ، قال : توضأ عمر بن الخطاب وضوءا فيه تجوّز خفيفا ، فقال : هذا وضوء من لم يُحْدِث .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : أخبرنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال ، قال : رأيت عليّا صلّى الظهر ثم قعد للناس في الرّحْبة ، ثم أُتي بماء فغسل وجهه ويديه ، ثم مسح برأسه ورجليه ، وقال : هذا وضوء من لم يُحْدِثْ .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أن عليّا اكتال من حُبْ فتوضأ وضوءا فيه تجوّز ، فقال : هذا وضوء من لم يُحْدِث .
وقال آخرون : بل كان هذا أمرا من الله عزّ ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به أن يتوضؤا لكلّ صلاة ، ثم نسخ ذلك بالتخفيف . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق قال : ثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ثم المازنيّ ، مازن بني النجار ، فقال لعبيد الله بن عبد الله بن عمر : أخبرني عن وضوء عبد الله لكل صلاة ، طاهرا كان أو غير طاهر ، عمن هو ؟ قال : حدثَتْنيه أسماء ابنة زيد بن الخطاب ، أن عبد الله بن زيد بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل حدثها : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كلّ صلاة ، فشقّ ذلك عليه ، فأمر بالسواك ، ورفع عنه الوضوء إلاّ من حدث . فكان عبد الله يرى أن به قوّة عليه ، فكان يتوضأ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : ثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ، قال : قلت لعبيد الله بن عبد الله بن عمر ، أخبرني عن وضوء عبد الله لكل صلاة ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثَد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ، فلما كان عام الفتح ، صلّى الصلوات بوضوء واحد ، ومسح على خفيه ، فقال عمر : إنك فعلت شيئاٍ لم تكن تفعله قال : «عَمْدا فَعَلْتُهُ » .
8881حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محارب بن دثار ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة ، فلما كان يوم فتح مكة ، صلّى الصلوات كلها بوضوء واحد .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن محارب ، بن دثار ، عن سليمان بن بريدة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ ، فذكر نحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات كلها بوضوء واحد ، فقال له عمر : يا رسول الله ، صنعت شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال : «عَمْدا فَعَلْته يا عمَرُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية ، عن سفيان ، عن محارب بن دثار ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ، فلما فتح مكة ، صلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد .
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن مسعر ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلّى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد .
فإن ظنّ ظان أن في الحديث الذي ذكرناه عن عبد الله بن حنظلة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كلّ صلاة ، دلالة على خلاف ما قلنا من أن ذلك كان ندبا للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ، وخيل إليه أن ذلك كان على الوجوب فقد ظنّ غير الصواب ، وذلك أن قول القائل : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا ، محتمل من وجوه لأمر الإيجاب والإرشاد والندب والإباحة والإطلاق ، وإذ كان محتملاً ما ذكرنا من الأوجه ، كان أولى وجوهه به ما على صحته الحجة مجمعة دون ما لم يكن على صحته برهان يوجب حقية مدّعية . وقد أجمعت الحجة على أن الله عزّ وجلّ لم يوجب على نبيه صلى الله عليه وسلم ولا على عباده فرض الوضوء لكلّ صلاة ، ثم نسخ ذلك ، ففي إجماعها على ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما قلنا من أن فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل من ذلك كان على ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه الله عزّ ذكره إلى فعله وندب إليه عباده المؤمنين بقوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافقِ . . . الاَية ، وأن تركه في ذلك الحال التي تركه كان ترخيصا لأمته وإعلاما منه لهم أن ذلك غير واجب ولا لازم له ولا لهم ، إلاّ من حدَث يوجب نقض الطهر . وقد رُوي بنحو ما قلنا في ذلك أخبار :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن عامر ، عن أنس : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتي بقعب صغير ، فتوضأ . قال : قلت لأنس : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ؟ قال : نعم . قلت : فأنتم ؟ قال : كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد .
حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، عن أبي غطيف ، قال : صليت مع ابن عمر الظهر ، فأتى مجلسا في داره ، فجلس وجلست معه ، فلما نُودي بالعصر دعا بوَضوء فتوضأ ، ثم خرج إلى الصلاة ، ثم رجع إلى مجلسه فلما نودي بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ ، فقلت : أسنة ما أراك تصنع ؟ قال : لا ، وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كافيا للصلوات كلها ما لم أُحدث ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ تَوَضّأ على طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ » ، فأنا رغبت في ذلك .
حدثني أبو سعيد البغداي ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن هريم ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن أبي غطيف ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَوَضّأعلى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ » .
وقد قال قوم : إن هذه الاَية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاما من الله له بها أن لا وضوء عليه ، إلاّ إذا قام إلى صلاته دون غيرها من الأعمال كلها ، وذلك أنه كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتى يتوضأ ، فأذن له بهذه الاَية أن يفعل كلّ ما بدا له من الأفعال بعد الحدث عدا الصلاة توضأ أو لم يتوضأ ، وأمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة قبل الدخول فيها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن جابر بن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرو بن حزم ، عن عبد الله بن علقمة بن وقاص ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول نكلمه فلا يكلمنا ونسلّم عليه فلا يردّ علينا ، حتى يأتي منزله فيتوضأ كوضوئه للصلاة ، فقلنا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمك فلا تكلمنا ونسلم عليك فلا تردّ علينا قال : حتى نزلت آية الرخصة : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ . . . الاَية .
القول في تأويل قوله تعالى : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .
اختلف أهل التأويل في حدّ الوجه الذي أمر الله بغسله ، القائم إلى الصلاة بقوله : إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فقال بعضهم : هو ما ظهر من بشرة الإنسان من قصاص شعر رأسه ، منحدرا إلى منقطع ذقنه طولاً ، وما بين الأذنين عرضا . قالوا : فأما الأذن وما بطن من داخل الفم والأنف والعين فليس من الوجه ولا غيره ، ولا أحبّ غسل ذلك ولا غسل شيء منه في الوضوء . قالوا : وأما ما غطاه الشعر منه كالذقن الذي غطاء شعر اللحية والصدغين اللذين قد عطاهما عذر اللحية ، فإن إمرار الماء على ما على ذلك من الشعر مجزىء عن غسل ما بطن منه من بشرة الوجه ، لأن الوجه عندهم هو ما ظهر لعين الناظر من ذلك فقابلها دون غيره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن معمر ، عن إبراهيم ، قال : يجزىء اللحية ما سال عليها من الماء .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يكفيه ما سال من الماء من وجهه على لحيته .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، بنحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن مغيرة في تخليل اللحية ، قال : يجزيك ما مرّ على لحيتك .
حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا زائدة ، عن منصور ، قال : رأيت إبراهيم يتوضأ ، فلم يخلل لحيته .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن سعيد الزبيدي ، عن إبراهيم ، قال : يجزيك ما سال عليها من أن تخللها .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن يونس ، قال : كان الحسن إذا توضأ مسح لحيته مع وجهه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، أنه كان لا يخلل لحيته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن هشام ، عن الحسن أنه كان لا يخلل لحيته إذا توضأ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، مثله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، قال : ليس غسل اللحية من السنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عيسى بن يزيد ، عن عمرو ، عن الحسن أنه كان إذا توضأ لم يبلغ الماء في أصول لحيته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن أبي شيبة سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي ، قال : سألت إبراهيم أخلل لحيتي عند الوضوء بالماء ؟ فقال : لا ، إنما يكفيك ما مرّت عليه يدك .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : سألت شعبة عن تخليل اللحية في الوضوء ، فقال : قال المغيرة : قال إبراهيم : يكفيه ما سال من الماء من وجهه على لحيته .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حجاج بن رشدين ، قال : حدثنا عبد الجبار بن عمر : أن ابن شهاب وربيعة توضئا ، فأمرّا الماء على لحاهما ، ولم أر واحدا منهما خلل لحيته .
حدثنا حدثنا أبو الوليد الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سألت سعيد بن عبد العزيز ، عن عرْك العارضين في الوضوء ، فقال : ليس ذلك بواجب ، رأيت مكحولاً يتوضأ فلا يفعل ذلك . .
حدثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشيّ ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : ليس عرك العارضين في الوضوء بواجب .
حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني إبراهيم بن محمد ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يكفيه ما مرّ من الماء على لحيته .
حدثنا حدثنا أبو الوليد القرشي ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن سليمان بن أبي زينب ، قال : سألت القاسم بن محمد كيف أصنع بلحيتي إذا توضأت ؟ قال : لست من الذين يغسلون لحاهم .
حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد ، قال أبو عمرو : ليس عرك العارضين وتشبيك اللحية بواجب في الوضوء .
ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة في غسل ما بطن من الفم والأنف :
حدثنا حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لولا التلمظ في الصلاة ما مضمضت .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الملك يقول : سئل عطاء ، عن رجل صلّى ولم يتمضمض قال : ما لم يسمّ في الكتاب يجزئه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : ليس المضمضة والاستنشاق من واجب الوضوء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح ، عن أبي سنان ، قال : كان الضحاك ينهانا عن المضمضة والاستنشاق في الوضوء في رمضان .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت هشاما ، عن الحسن ، قال : إذا نسي المضمضة والاستنشاق ، قال : إن ذكر وقد دخل في الصلاة فليمض في صلاته ، وإن كان لم يدخل تمضمض واستنشق .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن شعبة ، قال : سألت الحكم وقتادة ، عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنه لم يتمضمض ولم يستنشق ، فقال : يمضي في صلاته .
ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة من أن الأذنين ليستا من الوجه :
حدثني يزيد بن مخلد الواسطي ، قال : حدثنا هشيم ، عن غيلان ، قال : سمعت ابن عمر يقول : الأذنان من الرأس .
حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : حدثنا أبو مطرف ، قال : حدثنا غيلان مولى بني مخزوم ، قال : سمعت ابن عمر يقول : الأذنان من الرأس .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : الأذنان من الرأس ، فإذا مسحت الرأس فامسحهما .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني غيلان بن عبد الله مولى قريش ، قال : سمعت ابن عمر سأله سائل ، قال : إنه توضأ ونسي أن يمسح أذنيه ، قال : فقال ابن عمر : الأذنان من الرأس . ولم ير عليه بأسا .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أيوب بن سويد . ح ، وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن جميعا ، عن سفيان ، عن سالم أبي النضر ، عن سعيد بن مرجانة ، عن ابن عمر ، أنه قال : الأذنان من الرأس .
حدثني ابن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن رجل ، عن ابن عمر ، قال : الأذنان من الرأس .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف ابن مهران ، عن ابن عباس ، قال : الأذنان من الرأس .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وسعيد بن المسيب ، قالا : الأذنان من الرأس .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : الأذنان من الرأس عن الحسن وسعيد .
حدثنا أبو الوليد الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : أخبرني أبو عمرو ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن عمر ، قال : الأذنان من الرأس .
حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي النضر ، عن ابن عمر ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عيس بن يزيد ، عن عمرو ، عن الحسن ، قال : الأذنان من الرأس .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن أبي هريرة شك ابن بزيع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معلى بن منصور ، عن حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، قال : الأذنان من الرأس . قال حماد : لا أدري هذا عن أبي أمامة أو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : ثني حماد بن زيد ، قال : ثني سنان بن ربيعة أبو ربيعة عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ » .
حدثنا أبو الوليد الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : أخبرني ابن جريج وغيره ، عن سليمان بن موسى ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ » .
حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : حدثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، قال : حدثنا إسماعيل بن مسلم ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ » .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن يونس ، أن الحسن ، قال : الأذنان من الرأس . وقال آخرون : الوجه : كلّ ما دون منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن وعلى العارضين ، وما كان منه داخل الفم والأنف ، وما أقبل من الأذنين على الوجه . كلّ ذلك عندهم من الوجه الذي أمر الله بغسله بقوله : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . وقالوا : إن ترك شيئا من ذلك المتوضىء فلم يغسله لم تجزه صلاته بوضوئه ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثني محمد بن بكر وأبو عاصم ، قالا : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني نافع : أنّ ابن عمر كان يبلّ أصول شعر لحيته ، ويغلغل بيده في أصول شعرها حتى تكثر القطرات منها .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني نافع مولى ابن عمر : أن ابن عمر كان يغلغل يديه في لحيته حتى تكثر منها القطرات .
حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن سعيد ، قال : حدثنا ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر : كان إذا توضأ خلل لحيته حتى يبلغ أصول الشعر .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : يزيد ، قال : حدثنا معلى بن جابر اللقيطي ، قال : أخبرني الأزرق ابن قيس ، قال : رأيت ابن عمر توضأ فخلل لحيته .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا ليث ، عن نافع : أن ابن عمر كان يخلل لحيته بالماء حتى يبلغ أصول الشعر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن عبيد ابن عمير : أن أباه عبيد بن عمير كان إذا توضأ غلغل أصابعه في أصول شعر الوجه يغلغلها بين الشعر في أصوله يدلك بأصابعه البشرة . فأشار لي عبد الله كما أخبره الرجل ، كما وصف عنه .
حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا أبو عمرو ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ، وشبك لحيته بأصابعه أحيانا ويترك أحيانا .
حدثنا أبو الوليد ، وعليّ بن سهل ، قالا : حدثنا الوليد ، قال : قال حدثنا أبو عمرو ، وأخبرني عبدة ، عن أبي موسى الأشعري نحو ذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن مسلم ، قال : رأيت ابن أبي ليلى توضأ فغسل لحيته وقال : من استطاع منكم أن يبلغ الماء أصول الشعر فليفعل .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : حُقّ عليه أن يبلّ أصول الشعر .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : كان مجاهد يخلل لحيته .
حدثنا حميد ، قال : حدثنا سفيان ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : أنه كان يخلل لحيته إذا توضأ .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان ، عن ابن شبرمة ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما بال اللحية تغسل قبل أن تنبت فإذا نبتت لم تغسل ؟ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يخلل لحيته إذا توضأ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن طاوس ، أنه كان يخلل لحيته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن إسماعيل ، عن ابن سيرين ، أنه كان يخلل لحيته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : سألت شعبة ، عن تخليل اللحية في الوضوء ، فذكر عن الحكم بن عتيبة : أن مجاهدا كان يخلل لحيته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو عن معروف ، قال : رأيت ابن سيرين توضأ فخلل لحيته .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الزبير بن عديّ ، عن الضحاك ، قال : رأيته يخلل لحيته .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن أبي الأشهب ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن زيد الخدري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته ، فقلت : لم تفعل هذا يا نبيّ الله ؟ قال : «أمَرنِي بِذَلِكَ رَبّي » .
حدثنا تميم ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن سلام بن سَلْم ، عن زيد العمي ، عن معاوية بن قرة أو يزيد الرقاشي ، عن أنس ، قال : وضأت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأدخل أصابعه من تحت حنكه ، فخلل لحيته ، وقال : «بِهَذَا أمَرَنِي رَبّي جَلّ وعَزّ » .
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا المحاربي ، عن سلام بن سَلْم المديني ، قال : حدثنا زيد العمي ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو عبيدة الحدّاد ، قال : حدثنا موسى بن شروان ، عن يزيد الرقاشيّ ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هَكَذَا أمَرَنِي رَبي » . وأدخل أصابعه في لحيته ، فخلّلها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام وعبيد الله بن موسى ، عن خالد بن إلياس ، عن عبد الله بن رافع ، عن أمّ سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، فخلّل لحيته .
حدثنا عليّ بن الحسين بن الحر ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن واصل بن السائب ، عن أبي سورة ، عن أبي أيوب ، قال : «رأينا النبيّ صلى الله عليه وسلم توضأ ، وخلل لحيته » .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، قال : حدثنا عمر بن سليمان ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة : «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خلّل لحيته » .
حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم أبي أمية : أن حسان بن ثابت المزني رأى عمار بن ياسر توضأ وخلل لحيته ، فقيل له : أتفعل هذا ، فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله .
حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا أبو عمرو ، قال : أخبرني عبد الواحد بن قيس ، عن يزيد الرقاشي وقتادة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا توضأ عرك عارضيه ، وشبك لحيته بأصابعه » .
حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني أبو مهدي بن سنان ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي أبو عبد الله ، قال : ثني واصل الرقاشي ، عن أبي سورة هكذا قال الأحمسي عن أبي أيوب ، قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض ومسح لحيته من تحتها بالماء » .
ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة في غسل ما بطن من الأنف والفم :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : سمعت مجاهدا يقول : الاستنشاق شطر الوضوء .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن شعبة ، قال : سألت حمادا عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنه لم يتمضمض ولم يستنشق ، قال حماد : ينصرف فيتمضمض ويستنشق .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح ، عن أبي سنان ، قال : قدمت الكوفة فأتيت حمادا فسألته عن ذلك ، يعني عمن ترك المضمضة والاستنشاق وصلّى فقال : أرى عليه إعادة الصلاة .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا شعبة ، قال : كان قتادة يقول : إذا ترك المضمضة أو الاستنشاق أو أذنه أو طائفة من رجله حتى يدخل في صلاته ، فإنه ينفتل ويتوضأ ، ويعيد صلاته .
ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة من أن ما أقبل من الأذنين فمن الوجه ، وما أدبر فمن الرأس :
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، قال : حدثنا أشعث ، عن الشعبيّ ، قال : ما أقبل من الأذنين فمن الوجه ، وما أدبر فمن الرأس .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : ثني شعبة ، عن الحكم وحماد ، عن الشعبي في الأذنين : باطنهما من الوجه ، وظاهرهما من الرأس .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن الشعبي ، قال : مقدّم الأذنين من الوجه ، ومؤخرهما من الرأس .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن الحكم وحماد ، عن الشعبي بمثله ، إلاّ أنه قال : باطن الأذنين .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن الشعبي بمثله ، إلاّ أنه قال : باطن الأذنين .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن الشعبي ، بمثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : باطن الأذنين من الوجه ، وظاهرهما من الرأس .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة . ح ، وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، عن عبيد الله الخولاني ، عن ابن عباس قال : قال عليّ بن أبي طالب : ألا أتوضأ لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قلنا : نعم . فتوضأ ، فلما غسل وجهه ، ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه ، قال : ثم لما مسح برأسه مسح أذنيه من ظهورهما .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندنا قول من قال : الوجه الذي أمر الله جلّ ذكره بغسله القائم إلى صلاته : كلّ ما انحدر عن منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن طولاً ، وما بين الأذنين عرضا مما هو ظاهر لعين الناظر ، دون ما بطن من الفم والأنف والعين ، ودون ما غطاه شعر اللحية والعارضين والشاربين فستره عن أبصار الناظرين ، ودون الأذنين .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب وإن كان ما تحت شعر اللحية والشاربين قد كان وجها يجب غسله قبل نبات الشعر الساتر عن أعين الناظرين على القائم إلى صلاته ، لإجماع جميعهم على أن العينين من الوجه ، ثم هم مع إجماعهم على ذلك مجمعون على أن غسل ما علاهما من أجفانهما دون إيصال الماء إلى ما تحت الأجفان منهما مجزىء فإذا كان ذلك منهم إجماعا بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك ، فنظير ذلك كلّ ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نفس خلقة ساتره لا يصل الماء إليه إلاّ بكلفة ومؤنة وعلاج ، قياسا لما ذكرنا من حكم العينين في ذلك . فإذا كان ذلك كذلك ، فلا شكّ أن مثل العينين في مؤنة إيصال الماء إليهما عند الوضوء ما بطن من الأنف والفم وشعر اللحية والصدغين والشاربين ، لأن كل ذلك لا يصل الماء إليه إلاّ بعلاج لإيصال الماء إليه نحو كلفة علاج الحدقتين لإيصال الماء إليهما أو أشدّ . وإذا كان ذلك كذلك ، كان بيّنا أن غسل من غسل من الصحابة والتابعين ما تحت منابت شعر اللحية والعارضين والشاربين وما بطن من الأنف والفم ، إنما كان إيثارا منه لأشقّ الأمرين عليه من غسل ذلك وترك غسله ، كما آثر ابن عمر غسل ما تحت أجفان العينين بالماء بصبه الماء في ذلك ، لا على أن ذلك كان عليه عنده فرضا واجبا . فأما من ظنّ أن ذلك من فعلهم كان على وجه الإيجاب والفرض ، فإنه خالف في ذلك بقوله منهاجهم وأغفل سبيل القياس ، لأن القياس هو ما وصفنا من تمثيل المختلف فيه من ذلك بالأصل المجمع عليه من حكم العينين ، وأن لا خبر عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لحيته وعارضيه ، وتارك المضمضة والاستنشاق إعادة صلاته إذا صلّى بطهره ذلك ، ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا من أن فعلهم ما فعلوا من ذلك كان إيثارا منهم لأفضل الفعلين من الترك والغسل .
فإن ظنّ ظانّ أن في الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : «إذَا تَوَضّأ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ » دليلاً على وجوب الاستنثار ، فإن في إجماع الحجة على أن ذلك غير فرض يجب على من تركه إعادة الصلاة التي صلاها قبل غسله ، ما يغني عن إكثار القول فيه . وأما الأذنان فإن في إجماع جميعهم على أن ترك غسلهما أو غسل ما أقبل منهما على الوجه ، غير مفسد صلاة من صلّى بطهره الذي ترك فيه غسلهما ، مع إجماعهم جميعا على أنه لو ترك غسل شيء مما يجب عليه غسله من وجهه في وضوئه أن صلاته لا تجزئه بطهوره ذلك ، ما ينبىء عن القول في ذلك مما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا قولهم إنهما ليسا من الوجه دون ما قاله الشعبي .
القول في تأويل قوله تعالى : وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ .
اختلف أهل التأويل في المرافق ، هل هي من اليد الواجب غسلها أم لا ؟ بعد إجماع جميعهم على أن غسل اليد إليها واجب . فقال مالك بن أنس وسئل عن قول الله : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ : أترى أن يخلف المرفقين في الوضوء ؟ قال : الذي أمر به أن يُبلغ «المرفقين » ، قال تبارك وتعالى : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فذهب هذا يغسل خلفه فقيل له : فإنما يغسل إلى المرفقين والكعبين لا يجاوزهما ؟ فقال : لا أدري ما لا يجاوزهما أما الذي أمر به أن يبلغ به فهذا : إلى المرفقين والكعبين . حدثنا يونس ، عن أشهب عنه . وقال الشافعي : لم أعلم مخالفا في أن المرافق فيما يغسل كأنه يذهب إلى أن معناها : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى أن تغسل المَرَافِقِ . حدثنا بذلك عنه الربيع .
وقال آخرون : إنما أوجب الله بقوله : وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ غسل اليدين إلى المرافق ، فالمرفقان غاية لما أوجب الله غسله من آخر اليد ، والغاية غير داخلة في الحدّ ، كما غير داخل الليل فيما أوجب الله تعالى على عباده من الصوم بقوله : ثُمّ أتِمّوا الصّيامَ إلى اللّيْلِ لأن الليل غاية لصوم الصائم ، إذا بلغه فقد قضى ما عليه . قالوا : فكذلك المرافق في قوله : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ غاية لما أوجب الله غسله من اليد . وهذا قول زفر بن الهذيل .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن غسل اليدين إلى المرفقين من الفرض الذي إن تركه أو شيئا منه تارك ، لم تَجزه الصلاة مع تركه غسله . فأما المرفقان وما وراءهما ، فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إليه صلى الله عليه وسلم أمته بقوله : «أُمّتي الغُرّ المُحَجّلُونَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيلَ غُرّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » فلا تفسد صلاة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما ، لما قد بينا قبل فيما مضى من أن لك غاية حدت ب «إلى » فقد فقد تحتمل في كلام العرب دخول الغاية في الحدّ وخروجها منه . وإذا احتمل الكلام ذلك لم يجز لأحد القضاء بأنها داخلة فيه ، إلاّ لمن لا يجوّز خلافه فيما بين وحكم ، ولا حكم بأن المرافق داخلة فيما يجب غسله عندنا ممن يجب التسليم بحكمه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ .
اختلف أهل التأويل في صفة المسح الذي أمر الله به بقوله : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فقال بعضهم : وامسحوا بما بدا لكم أن تمسحوا به من روؤسكم بالماء إذا قمتم إلى الصلاة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عيسى بن حفص ، قال : ذكر عند القاسم بن محمد مسح الرأس ، فقال : يا نافع كيف كان ابن عمر يمسح ؟ فقال : مسحة واحدة . ووصف أنه مسح مقدّم رأسه إلى وجهه . فقال القاسم : ابن عمر أفقهنا وأعلما .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني نافع أن ابن عمر كان إذا توضأ ردّ كفيه إلى الماء ووضعهما فيه ، ثم مسح بيديه مقدّم رأسه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكير ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان يضع بطن كفيه على الماء ثم لا ينفضهما ثم يمسح بهما ما بين قرنيه إلى الجبين واحدة ، ثم لا يزيد عليها في كلّ ذلك مسحة واحدة ، مقبلة من الجبين إلى القرن .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا شريك ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا توضأ مسح مقدم رأسه .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا شريك ، عن عبد الأعلى الثعلبيّ ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : يجزيك أن تمسح مقدّم رأسك إذا كنت معتمرا ، وكذلك تفعل المرأة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، قال : رأيت ابن عمر مسح بيافوخه مسحة . وقال سفيان : إن مسح شعرة أجزأه يعني واحدة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : أيّ جوانب رأسك مسست الماء أجزأك .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عليّ بن ظبيان ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبيّ ، مثله .
حدثنا الرفاعي ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل الأزرق ، عن الشعبيّ ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يمسح رأسه هكذا ، فوضع أيوب كفه وسط رأسه ، ثم أمرّها على مقدّم رأسه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يزيد بن الحباب ، عن سفيان ، قال : إن مسح رأسه بأصبع واحدة أجزأه .
حدثنا أبو الوليد الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عمرو : ما يجزىء من مسح الرأس ؟ قال : أن تمسح مقدم رأسك إلى القفا أحبّ إليّ .
حدثني العباس بن الوليد ، عن أبيه ، عنه ، نحوه .
وقال آخرون : معنى ذلك : فامسحوا بجميع رءوسكم . قالوا : إن لم يمسح بجميع رأسه بالماء لم تجزه الصلاة بوضوئه ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا أشهب ، قال : قال مالك : من مسح بعض رأسه ولم يعمّ أعاد الصلاة بمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه . قال : وسئل مالك عن مسح الرأس ، قال : يبدأ من مقدّم وجهه ، فيدير يديه إلى قفاه ، ثم يردّهما إلى حيث بدأ منه .
وقال آخرون : لا يجزىء مسح الرأس بأقلّ من ثلاث أصابع ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن الله جلّ ثناؤه أمر بالمسح برأسه القائم إلى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه ، ولم يحدّ ذلك بحدّ لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه . وإذ كان ذلك كذلك ، فما مسح به المتوضىء من رأسه فاستحقّ بمسحه ذلك أن يقال : مسح برأسه ، فقد أدّى ما فرض الله عليه من مسح ذلك لدخوله فيما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلى صلاته .
فإن قال لنا قائل : فإن الله قد قال في التيمم : فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ أفيجزىء المسح ببعض الوجه واليدين في التيمم ؟ قيل له : كلّ ما مسح من ذلك بالتراب فيما تنازعت فيه العلماء ، فقال بعضهم : يجزيه ذلك من التيمم ، وقال بعضهم : لا يجزئه ، فهو مجزئه ، لدخوله في أسم الماسحين به . وما كان من ذلك مجمعا على أنه غير مجزئه ، فمسلم لما جاءت به الحجة نقلا عن نبيها صلى الله عليه وسلم ، ولا حجة لأحد علينا في ذلك إذ كان من قولنا : إن ما جاء في آي الكتاب عاما في معنى فالواجب الحكم به على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له ، فإذا خصّ منه منه شيء كان ما خصّ منه خارجا من ظاهره ، وحكم سائره على العموم . وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بذلك في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . والرأس الذي أمر الله جلّ وعزّ بالمسح بقوله به : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلى القفا مما استدبر ، ودون ما انحدر عن ذلك مما استقبل من قِبَل وجهه إلى الجبهة .
القول في تأويل قوله تعالى : وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه جماعة من قرّاء الحجاز والعراق : وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ نصبا . فتأويله : إذا قمتم إلى الصلاة ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، وأرجُلَكم إلى الكعبين ، وامسحوا برءوسكم . وإذا قرىء كذلك كان من المؤخر الذي معناه التقديم ، وتكون «الأرجل » منصوبة ، عطفا على «الأيدي » . وتأوّل قارئو ذلك كذلك ، أن الله جلّ ثناؤه إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها .
ذكر من قال : عنى الله بقوله : وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ الغسل :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة : أن رجلاً صلى وعلى ظهر قدمه موضع ظُفُر ، فلما قضى صلاته ، قال له عمر : أعد وضوءك وصلاتك .
حدثنا حميد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا عبد الله بن حسن ، قال : حدثنا هزيل بن شرحبيل ، عن ابن مسعود ، قال : خلّلوا الأصابع بالماء لا تخلّلها النارُ .
حدثنا عبد الله بن الصباح العطار ، قال : حدثنا حفص بن عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى ، يعني ابن رجاء اليشكري ، قال : حدثنا أبو روح عمارة بن أبي حفصة ، عن المغيرة بن حنين : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتوضأ وهو يغسل رجليه ، فقال : «بهذا أُمِرْت » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن واقد مولى زيد بن خليدة ، قال : سمعت مصعب بن سعيد ، يقول : رأى عمر بن الخطاب قوما يتوضئون ، فقال : خَلّلوا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى ، قال : سمعت القاسم ، قال : كان ابن عمر يخلع خفيه ، ثم يتوضأ فيغسل رجليه ، ثم يخلّل أصابعه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزبير بن عديّ ، عن إبراهيم ، قال : قلت للأسود : رأيت عمر يغسل قدميه غَسْلاً ؟ قال : نعم .
حدثني محمد بن خلف ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لابن أبي سويد : بلغنا عن ثلاثة كلهم رأوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه غسلاً ، أدناهم ابن عمك المغيرة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح ، عن محمد ، وهو ابن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : اغسلوا الأقدام إلى الكعبين .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن أبي قلابة : أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً قد ترك على ظهر قدمه مثل الظفر ، فأمره أن يعيد وضوءه وصلاته .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن شيبة بن نصاح ، قال : صحبت القاسم بن محمد إلى مكة ، فرأيته إذا توضأ للصلاة يدخل أصابع رجليه يصبّ عليها الماء ، قلت : يا أبا محمد ، لم تصنع هذا ؟ قال : رأيت ابن عمر يصنعه .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ قال : عاد الأمر إلى الغسل .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، عن حفص الغاضري ، عن عامر بن كليب ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : قرأ عليّ الحسن والحسين رضوان الله عليهما ، فقرءا : وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ فسمع عليّ رضي الله عنه ذلك ، وكان يقضي بين الناس ، فقال : «وأَرْجُلَكُمْ » ، هذا من المقدّم والمؤخر من الكلام .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الرهاب بن عبد الأعلى ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : فامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ بالنصب ، وقال : عاد الأمر إلى الغسل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة وأبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قرأها : وأرْجُلَكُمْ وقال : عاد الأمر إلى الغسل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن قيس ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله : أنه كان يقرأ : وأرْجُلَكُمْ بالنصب .
حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ فيقول : اغسلوا وجوهكم ، واغسلوا أرجلكم ، وامسحوا برءوسكم فهذا من التقديم والتأخير .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسين بن عليّ ، عن شيبان ، قال : أَثْبِتْ لي عن عليّ أنه قرأ : وأرْجُلَكم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : وأرْجُلَكُمْ رجع الأمر إلى الغسل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خالد ، عن عكرمة ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، قال : كان أصحاب عبد الله يقرءونها : وأرْجُلَكُمْ فيغسلون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : اغسل القدمين إلى الكعبين .
حدثني عبد الله بن محمد الزهري ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي السوداء ، عن ابن عبد خير ، عن أبيه ، قال : رأيت عليّا توضأ ، فغسل ظاهر قدميه ، وقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، ظنت أن بطن القدم أحقّ من ظاهرها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا عبد الملك ، عن عطاء ، قال : لم أر أحدا يمسح على القدمين .
حدثني المثنى ، قال : ثني الحجاج بن المنهار ، قال : حدثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد أنه قرأ : وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ فنصبها ، وقال : رجع إلى الغسل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : سمعت الأعمش يقرأ : وأرْجُلَكُمْ بالنصب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : سئل مالك عن قول الله : وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ أهي «أرجلِكم » أو «أرجلَكم » ؟ فقال : إنما هو الغسل وليس بالمسح ، لا تمسح الأرجل ، إنما تغسل . قيل له : أفرأيت من مسح أيجزيه ذلك ؟ قال : لا .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سلمة ، عن الضحاك : وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ قال : اغسلوها غسلاً .
وقرأ ذلك آخرون من قرّاء الحجاز والعراق : «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ » بخفض الأرجل . وتأوّل قارئو ذلك كذلك أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها ، وجعلوا الأرجل عطفا على الرأس ، فخفضوها لذلك . ذكر من قال ذلك من أهل التأويل :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن قيس الخراساني ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الوضوء غسلتان ومسحتان .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن حميد . ح ، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا حميد ، قال : قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده : يا أبا حمزة إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور ، فقال : «اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرْجُلَكم ، وإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما » . فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ » قال : وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما .
حدثنا ابن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عاصم الأحول ، عن أنس ، قال : نزل القرآن بالمسح ، والسنة الغَسل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن موسى بن أنس ، قال : خطب الحجاج ، فقال : «اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجُلَكم ، ظهورَهما وبطونَهما وعراقيبهما ، فإن ذلك أدنى إلى خبثكم » . قال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا عبيد الله العتكي ، عن عكرمة ، قال : ليس على الرجلين غسل ، إنما نزل فيهما المسح .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : امسح على رأسك وقدميك .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، قال : نزل جبريل بالمسح . قال : ثم قال الشعبي : ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحا ؟
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : أُمر بالتيمم فيما أُمر به بالغسل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، أنه قال : إنما هو المسح على الرجلين ، ألا ترى أنه ما كان عليه الغسل جعل عليه المسح ، وما كان عليه المسح أهمل ؟
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر أنه قال : أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل في الوضوء ، وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن الشعبيّ ، قال : أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أمر أن يغسل بالماء ، وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء .
حدثنا ابن أبي زياد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قلت لعامر : إن ناسا : يقولون : إن جبريل صلى الله عليه وسلم نزل بغسل الرجلين ، فقال : نزل جبريل بالمسح .
حدثنا أبو بشر الواسطي إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن يونس ، قال : ثني من صحب عكرمة إلى واسط ، قال : فما رأيته غسل رجليه ، إنما يمسح عليهما حتى خرج منها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : «يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ » افترض الله غسلتين ومسحتين .
حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن علقمة أنه قرأ : «وأرْجُلِكُمْ » مخفوضة اللام .
حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو الحسين العكلي ، عن عبد الوارث ، عن حميد ، عن مجاهد أنه كان يقرأ : «وأرْجُلِكُمْ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : كان الشعبيّ يقرأ : «وأرْجُلِكُمْ » بالخفض .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الحسن بن صالح ، عن غالب ، عن أبي جعفر ، أنه قرأ : «وأرْجُلِكُمْ » بالخفض .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك ، أنه قرأ : «وأرْجُلِكُمْ » بالكسر .
والصواب من القول عندنا في ذلك ، أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم ، وإذا فعل ذلك بهما المتوضيء كان مستحقا اسم ماسح غاسل ، لأن غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء . ومسحهما : إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما . فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح ، ولذلك من احتمال المسح المعنيين اللذين وصفت من العموم والخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض والاَخر مسح بالجميع اختلفت قراءة القرّاء في قوله : وأرْجُلَكُمْ فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل وإنكارا منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم مسحهما بالماء ، وخفضها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح . ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معنيّ به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضىء الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده ، أو بما قام مقام اليد توجيها منه قوله : «وَامْسَحُوا برُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ » إلى مسح جميعهما عاما باليد ، أو بما قام مقام اليد دون بعضهما مع غسلهما بالماء . كما :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر . وعن الأحول ، عن طاوس : أنه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخل رجليه في الماء ، قال : ما أعدّ ذلك طائلاً .
وأجاز ذلك من أجاز توجيهه منه إلى أنه معنيّ به الغسل . كما :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت هشاما يذكر عن الحسن في الرجل يتوضأ في السفينة ، قال : لا بأس أن يغمس رجليه غمسا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني أبو حرة ، عن الحسن في الرجل إذا توضأ على حرف السفينة ، قال : يخضخض قدميه في الماء .
فإذا كان في المسح المعنيان اللذان وصفنا من عموم الرجلين بالماء ، وخصوص بعضهما به ، وكان صحيحا بالأدلة الدالة التي سنذكرها بعد أن مراد الله من مسحهما العموم ، وكان لعمومهما بذلك معنى الغسل والمسح فبين صواب القراءتين جميعا ، أعني النصب في الأرجل والخفض ، لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء غسلهما ، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما مسحهما ، فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصبا لما في ذلك من معنى عمومهما بأمرار الماء عليهما . ووجه صواب قراءة من قرأه خفضا لما في ذلك من إمرار اليد عليهما ، أو ما قام مقام اليد مسحا بهما . غير أن ذلك وإن كان كذلك وكانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابا ، فأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللذين وصفت ، ولأنه بعد قوله : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فالعطف به على الرءوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي ، وقد حيل بينه وبينها بقوله : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ .
فإن قال قائل : وما الدليل على أن المراد بالمسح في الرجلين العموم دون أن يكون خصوصا نظير قولك في المسح بالرأس ؟ قيل : الدليل على ذلك تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «وَيْلٌ للأَعْقابِ وَبُطُونِ الأقْدَامِ منَ النارِ » ، ولو كان مسح بعض القدم مجزيا عن عمومها بذلك لما كان لها الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن يمسح بعضها ، لأن من أدّى فرض الله عليه فيما لزمه غسله منها لم يستحقّ الويل ، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل ، فوجوب الويل لعقب تارك غسل عقبه في وضوئه ، أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء ، وصحة ما قلنا في ذلك وفساد ما خالفه . ذكر بعض الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، قال : كان أبو هريرة يمرّ ونحن نتوضأ من المَطْهَرة ، فيقول : أسبغوا الوضوء أسبغوا الوضوء قال أبو القاسم : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه ، إلا أنه قال : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، قال : كان أبو هريرة يمرّ بأناس يتوضئون مسرعين الطهور ، فيقول : اسبغوا الوضوء فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للْعَقِبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : ثني سليمان بن بلال ، قال : ثني سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ » .
حدثني إسحاق بن شاهين وإسماعيل بن موسى قالا : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » ، وقال إسماعيل في حديثه : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي ، قال : دخلت مع عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة ، فدعا بوَضوء ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عمر بن يونس الحنفي ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، قال : ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : ثني أبو سالم مولى المهدي ، هكذا قال عمر بن يونس قال : خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص ، قال : فمررت أنا وعبد الرحمن على حجرة عائشة أخت عبد الرحمن ، فدعا عبد الرحمن بوضوء فسمعت عائشة تناديه : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا عليّ بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم مولى دوس ، قال : سمعت عائشة ، تقول لأخيها عبد الرحمن : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثني يعقوب وسوّار بن عبد الله ، قالا : حدثنا يحيى القطان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة ، أن عائشة رأت عبد الرحمن يتوضأ ، فقالت : أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة ، قال : رأت عائشة عبد الرحمن يتوضأ ، فقالت : أسبغ الوضوء ، فإنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أبو رواحة وعبد الله بن راشد ، قالا : أخبرنا حيوة بن شريح ، قال : أخبرنا أبو الأسود ، أخبرنا عبد الله مولى شدّاد بن الهاد ، حدّثه أنه دخل على عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم وعندها عبد الرحمن ، فتوضأ عبد الرحمن ، ثم قام فأدبر ، فنادته عائشة فقالت : يا عبد الرحمن فأقبل عليها ، فقالت له : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : ثني أبو إسحاق ، عن سعد أو سعيد بن أبي كرب ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت ابن أبي كرب ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للْعَقِبِ أو العَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثني إسماعيل بن محمود الحجيري ، قال : حدثنا خالد بن الحرث ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت سعيدا يقول : سمعت جابرا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح بن محارب ، عن محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمع أذني من النبيّ صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح بن محارب ، عن محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمع أذني من النبيّ صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ » .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا الوليد بن القاسم ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أبصر النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يتوضأ ، وبقي من عقبه شيء ، فقال : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثني عليّ بن مسلم ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى قوما يتوضئون لم يصب أعقابهم الماء ، فقال : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا أبو سفيان الغنوي يزيد بن عمرو ، قال : حدثنا خلف بن الوليد ، قال : ثني أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن معيقيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون ، فرأى أعقابهم تلوح ، فقال : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى الأعرج ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون لم يتموا الوضوء ، فقال : «أسْبِغُوا الوُضُوءَ ، وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ أو الأعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن رجل من أهل مكة ، عن عبد الله بن عمرو ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون ، فلم يتموا الوضوء ، فقال : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح ، فقال : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن هلال ، عن أبي يحيى مولى عبد الله بن عمرو ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ، فسبقنا ناس فتوضئوا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى أقدامهم بيضا من أثر الوضوء ، فقال : «وَيْلٌ للْعَرَاقِيبِ مِنَ النّارِ ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ » .
حدثني عليّ بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المحاربي ، عن مطرّح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زَحر ، عن عليّ بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » قال : فما بقي في المسجد شريف ولا وضيع إلا نظرت إليه يقلب عرقوبيه ينظر إليهما .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن ليث ، قال : ثني عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي أمامة ، أو أخي أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر أقواما يتوضئون ، وفي عقب أحدهم أو كعب أحدهم مثل موضع الدرهم أو موضع الظفر ، لم يمسه الماء ، فقال : «وَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ » قال : فجعل الرجل إذا رأى في عقبه شيئا لم يصبه الماء أعاد وضوءه .
فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما :
حدّثكم به محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، عن أوس بن أبي أوس ، قال : «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ، ثم قام فصلى » .
وما حدّثك به عبد الله بن الحجاج بن المنهال ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، قال : «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم ، فبال عليها قائما ، ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه » .
وما حدّثك به الحرث ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، عن أوس بن أبي أوس قال : «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم ، فتوضأ ومسح على قدميه » .
وما أشبه ذلك من الأخبار الدالة على أن المسح ببعض الرجلين في الوضوء مجزىء ؟ قيل له : أما حديث أوس بن أبي أوس فإنه لا دلالة فيه على صحة ذلك ، إذ لم يكن في الخبر الذي رُوِى عنه ذكر أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم توضأ بعد حدث يوجب عليه الوضوء لصلاته ، فمسح على نعليه ، أو على قدميه ، وجائز أن يكون مسحه على قدميه الذي ذكره أوس كان في وضوء توضأه من غير حدث كان منه ، وجب عليه من أجله تجديد وضوئه ، لأن الرواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا توضأ لغير حدث ، كذلك يفعل . يدلّ على ذلك ما :
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو مالك الجنبي ، عن مسلم ، عن حبة العرني ، قال : رأيت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه شرب في الرحبة قائما ، ثم توضأ ومسح على نعليه ، وقال : هذا وضوء من لم يحدث ، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع .
فقد أنبأ هذا الخبر عن صحة ما قلنا في معنى حديث أوس .
فإن قال : فإن حديث أوس ، وإن كان محتملاً من المعنى ما قلت ، فإنه محتمل أيضا ما قاله من قال : إنه معنيّ به المسح على النعلين أو القدمين في وضوء توضأه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حدث ؟ قيل : أحسن حالات الخبر ، ما احتمل ما قلت ، إن سلم له ما ادّعى من احتماله ما ذكر من المسح على القدم أو النعل بعد الحدث وإن كان ذلك غير محتمله عندنا ، إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم متنافية متعارضة ، وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهى إليه وبلغه . وإذا كان ذلك عنه صحيحا ، فغير جائز أن يكون صحيحا عنه إباحة ترك غسل بعض ما قد أوجب فرضا غسله في حال واحدة ووقت واحد ، لأن ذلك إيجاب فرض وإبطاله في حال واحدة ، وذلك عن أحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم منتف . غير أنا إذا سلمنا لمن ادّعى في حديث أوس ما ادّعى من احتماله مسح النبيّ صلى الله عليه وسلم على قدمه في حال وضوء من حدث ، ففيه نبأ بالفلْج عليه ، فإنه لا حجة له في ذلك . قلنا : فإذا كان محتملاً ما ادّعيت ، أفمحتمل هو ما قلناه إن ذلك كان من النبيّ صلى الله عليه وسلم في حال وضوئه لا من حدث . فإن قال : لا ، ثبتت مكابرته لأنه لا بيان في خبر أوس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في وضوء من حدث ، وإن قال : بل هو محتمل ما قلت ومحتمل ما قلنا قيل له : فما البرهان على أن تأويلك الذي ادّعيت فيه أولى به من تأويلنا ؟ فلن يدّعي برهانا على صحة دعواه في ذلك إلا عورض بمثله في خلاف دعواه . وأما حديث حذيفة ، فإن الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش ، حدّثوا به عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم ، فبال قائما ، ثم توضأ ومسح على خفيه .
حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الضبيّ ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ( ح ) . وحدثني المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ( ح ) . وحدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ( ح ) . وحدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ( ح ) . وحدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ( ح ) . وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة .
وكلّ هؤلاء يحدّث ذلك عن الأعمش ، بالإسناد الذي ذكرنا عن حذيفة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه ، وهم أصحاب الأعمش . ولم يَنقل هذا الحديث عن الأعمش ، غير جرير بن حازم ، ولو لم يخالفه في ذلك مخالف لوجب التثبت فيه لشذوذه ، فكيف والثقات من أصحاب الأعمش يخالفونه في روايته ما روى من ذلك ؟ ولو صحّ ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان جائزا أن يكون مسح على نعليه وهما ملبوستان فوق الجوربين ، وإذا جاز ذلك لم يكن لأحد صرف الخبر إلى أحد المعاني المحتملها الخبر إلا بحجة يجب التسليم لها .
القول في تأويل قوله تعالى : إلى الكَعْبَيْنِ .
واختلف أهل التأويل في الكعب ، فقال بعضهم بما :
حدثني أحمد بن حازم الغفاريّ ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا القاسم بن الفضل الحُدّاني ، قال : قال أبو جعفر : أين الكعبان ؟ فقال : القوم ههنا ، فقال : هذا رأس الساق ، ولكن الكعبين هما عند المفصل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : قال مالك : الكعب الذي يجب الوضوء إليه ، هو الكعب الملتصق بالساق المحاذي العقب ، وليس بالظاهر في ظاهر القدم .
حدثنا الربيع ، قال : قال الشافعي : لم أعلم مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان وهما مجمع فصل الساق والقدم .
والصواب من القول في ذلك أن الكعبين هما العظمان اللذان في مفصل الساق والقدم تسميهما العرب المِنْجَمين . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : هما عظما الساق في طرفها .
واختلف أهل العلم في وجوب غسلهما في الوضوء وفي الحدّ الذي ينبغي أن يبلغ بالغسل إليه من الرجلين نحو اختلافهم في وجوب غسل المرفقين ، وفي الحدّ الذي ينبغي أن يبلغ بالغسل إليه من اليدين . وقد ذكرنا ذلك ودللنا على الصحيح من القول فيه بعلله فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى : وإنْ كُنْتُمْ جُنُبا فاطّهَرُوا .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : وإنْ كُنْتُمْ جُنُبا : وإن كنتم أصابتكم جنابة قبل أن تقوموا إلى صلاتكم فقمتم إليها فاطهروا ، يقول : فتطهروا بالاغتسال منها قبل دخولكم في صلاتكم التي قمتم إليها . ووحد الجنب وهو خبر عن الجميع ، لأنه اسم خرج مخرج الفعل ، كما قيل : رجل عَدْل وقوم عَدْل ، ورجل زَوْر وقوم زَوْر ، وما أشبه ذلك لفظ الواحد والجميع والاثنين والذكر الأنثى فيه واحد ، يقال منه : أجْنَب الرجل وجَنُبَ واجْتَنَبَ والفعل الجنابة والإجناب ، وقد سمع في جمعه أجناب ، وليس ذلك بالمستفيض الفاشي في كلام العرب ، بل الفصيح من كلامهم ما جاء به القرآن .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ على سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإن كنتم جرحى أو مجدرين وأنتم جنب ، وقد بينا أن ذلك كذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وأما قوله : أوْ على سَفَرٍ فإنه يقول : وإن كنتم مسافرين وأنتم جنب أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ يقول : أو جاء أحدكم من الغائط بعد قضاء حاجته فيه وهو مسافر وإنما عنى بذكر مجيئه منه قضاء حاجته فيه . أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ يقول : أو جامعتم النساء وأنتم مسافرون . وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيما مضى قبل في اللمس وبينا أولى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
فإن قال قائل : وما وجه تكرير قوله : أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ إن كان معنى اللمس الجماع ، وقد مضى ذكر الواجب عليه بقوله : وإنْ كُنْتُمْ جُنُبا فاطّهَرُوا ؟ قيل : وجه تكرير ذلك أن المعنى الذي ذكره تعالى من فرضه بقوله : وإنْ كُنْتُمْ جُنُبا فاطّهَرُوا غير المعنى الذي ألزمه بقوله : أوْ لامَسْتُمُ النّساءَ وذلك أنه بين حكمه في قوله : وإنْ كُنْتُمْ جُنُبا فاطّهَرُوا إذا كان له السبيل إلى الماء الذي يطهره فرض عليه الاغتسال به ثم بين حكمه إذا أعوزه الماء فلم يجد إليه السبيل وهو مسافر غير مريض مقيم ، فأعلمه أن التيمم بالصعيد له حينئذ الطهور .
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدا طَيّبا فامْسَحُوا بُوجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدا طَيّبا فإن لم تجدوا أيها المؤمنون إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم مرضى مقيمون ، أو على سفر أصحاء ، أو قد جاء أحد منكم من قضاء حاجته ، أو جامع أهله في سفره ماء فتيمموا صعيدا طيبا ، يقول : فتعمدوا واقصدوا وجه الأرض طيبا ، يعني طاهرا نظيفا غير قذر ولا نجس ، جائزا لكم حلالاً . فامْسَحُوا بُوجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ يقول : فاضربوا بأيديكم الصعيد الذي تيممتموه وتعمدتموه بأيديكم ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مما علق بأيديكم منه ، يعني : من الصعيد الذي ضربتموه بأيديكم من ترابه وغباره . وقد بينا فيما مضى كيفية المسح بالوجوه والأيدي منه واختلاف المختلفين في ذلك والقول في معنى الصعيد والتيمم ، ودللنا على الصحيح من كل القول في ذلك بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى : ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ما يريد الله بما فرض عليكم من الوضوء إذا قمتم إلى صلاتكم ، والغسل من جنابتكم والتيمم صعيدا طيبا عند عدمكم الماء ، لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ليلزمكم في دينكم من ضيق ، ولا ليعنتكم فيه . وبما قلنا في معنى الحرج ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن خالد بن دينار ، عن أبي العالية ، وعن أبي مكين ، عن عكرمة في قوله : مِنْ حَرَجٍ قالا : من ضيق .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ حَرَجٍ : من ضيق .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ ولِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : وَلَكنْ يُرِيدُ ليُطَهّرَكُمْ : ولكن الله يريد أن يطهركم بما فرض عليكم من الوضوء من الأحداث والغسل من الجنابة ، والتيمم عند عدم الماء ، فتنظّفوا وتطهروا بذلك أجسامكم من الذنوب . كما :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ الوُضُوءَ يُكَفّرُ ما قَبْلَهُ ، ثم تَصِيرُ الصّلاة نَافِلة » . قال : قلت : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، لا مرّة ، ولا مرّتين ، ولا ثلاثَ ، ولا أربَع ، ولا خمس .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صديّ بن عجلان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا أبو كريب ، ومحمد بن المثنى ويحيى بن داود الواسطي ، قالوا : حدثنا إبراهيم بن يزيد يَزرانبِه القرشيّ ، قال : أخبرنا رقبة بن مصقلة العبديّ ، عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَوَضّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمّ قامَ إلى الصّلاةِ ، خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن منصور عن سالم بن أبي الجعد ، عن كعب بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضّأُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ إلاّ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ وَجْهِهِ ، وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ أوْ ذِرَاعَيْهِ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ ، فإذَا مَسَحَ رأسَهُ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ رأسِهِ ، وَإذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ رِجْلَيْهِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا حاتم ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك ، عن عمرو بن عبسة ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إذَا غَسَلَ المُؤْمِنُ كَفّيْهِ انْتَثَرَتِ الخَطايا مِنْ كَفّيْهِ ، وإذَا تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ فِيهِ وَمِنْخَرَيْهِ ، وَإذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ حتى تَخْرُجَ مِنْ أشْفارِ عَيْنَيْهِ ، فإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ ، فإذَا مَسَحَ رأسَهُ وأُذُنَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ رأسِهِ وأذنَيْهِ ، فإذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ حتى تَخْرُجَ مِنْ أظْفارِ قَدَمَيْهِ ، فإذَا انْتَهَى إلى ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ كانَ ذَلِكَ حَظّهُ مِنْهُ ، فإنْ قامَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلاً فِيهِما بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ على رَبّهِ كانَ مِنح خَطاياهُ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ » .
حدثنا أبو الوليد الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «إذا توضأ العَبْدُ المُسْلِمُ أوِ المُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْها بعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ ، أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ المَاءِ ، أوْ نَحْوِ هَذَا . وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلّ خَطِيئَةٍ بِها يَدَاهُ مَعَ المَاءِ ، أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ المَاءِ ، حتى يَخْرُجَ نَقِيّا مِنَ الذّنُوبِ » .
حدثنا عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا عليّ بن عياش ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن حُمران مولى عثمان ، قال : أتيبت عثمان بن عفان بوَضوء وهو قاعد ، فتوضأ ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ كوضوئي هذا ، ثم قال : «مَنْ تَوّضّأ وُضُوئي هَذَا كانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ ، وكانَتْ خُطاهُ إلى المَساجِدِ نافِلَةً » .
وقوله : وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ فإنه يقول : ويريد ربكم مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه فيما فرض عليكم من الوضوء والغسل إذا قمتم إلى الصلاة بالماء إن وجدتموه ، وتيممكم إذا لم تجدوه ، أن يتمّ نعمته عليكم بإباحته لكم التيمم ، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهورا ، رخصة منه لكم في ذلك مع سائر نعمه التي أنعم بها عليكم أيها المؤمنون لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول : تشكرون الله على نعمه التي أنعمها عليكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم .
لا يختلف أن هذه الآية هي التي قالت عائشة رضي الله عنها فيها نزلت آية التيمم وهي آية الوضوء ، لكن من حيث كان الوضوء متقرراً عندهم مستعملاً فكأن الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوة ، وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم واستدل على حصول الوضوء بقول عائشة فأقام رسول الله بالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء وآية النساء إما نزلت معها أو بعدها بيسير ، وكانت قصة التيمم في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق ، وفيها كان هبوب الريح فيما روي ، وفيها كان قول عبد الله بن أبي ابن سلول { لئن رجعنا إلى المدينة } [ المنافقون : 8 ] القصة بطولها ، وفيها وقع حديث الإفك{[4460]} ، ولما كانت محاولة الصلاة في الأغلب إنما هي بقيام جاءت العبارة { إذا قمتم } ، واختلف الناس في القرينة التي أريدت مع قوله { إذا قمتم } فقالت طائفة : هذا لفظ عام في كل قيام سواء كان المرء على طهور أو محدثاً فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ وروي أن علي بن أبي طالب كان يفعل ذلك ويقرأ الآية ، وروي نحوه عن عكرمة ، وقال ابن سيرين : كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة ، وروي أن عمر بن الخطاب توضأ وضوءاً فيه تجوز ثم قال هذا وضوء من لم يحدث{[4461]} . وقال عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا من حدث{[4462]} .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : فكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر وغيره يتوضؤون لكل صلاة انتداباً إلى فضيلة وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ثم جمع بين صلاتين بوضوء واحد في حديث سويد بن النعمان وفي غير موطن إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد{[4463]} إرادة البيان لأمته وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ، »{[4464]} وقال : إنما رغبت في هذا ، وقالت فرقة : نزلت هذه الآية رخصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان لا يعمل عملاً إلا وهو على وضوء ولا يكلم أحداً ولا يرد سلاماً إلى غير ذلك فأعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال ، قال ذلك علقمة بن الفغواء وهو من الصحابة{[4465]} ، وكان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، وقال زيد بن أسلم والسدي : معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة من المضاجع يعني النوم .
قال القاضي أبو محمد : والقصد بهذا التأويل أن تعم الأحداث بالذكر ، ولا سيما النوم الذي هو مختلف فيه هل هو في نفسه حدث ، وفي الآية على هذا التأويل تقديم وتأخير تقديره { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } من النوم { أوجاء أحد منكم من الغائط أولا مستم النساء } يعني الملامسة الصغرى { فاغتسلوا } فتمت أحكام المحدث حدثاً أصغر ثم قال : { وإن كنتم جنباً فاطهروا } فهذا حكم نوع آخر ، ثم قال للنوعين جميعاً { وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً } وقال بهذا التأويل محمد بن مسلمة من أصحاب مالك رحمه الله وغيره ، وقال جمهور أهل العلم معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة محدثين{[4466]} وليس في الآية على هذا تقديم ولا تأخير بل يترتب في الآية حكم واجد الماء إلى قوله : { فاطهروا } ودخلت الملامسة الصغرى في قوله محدثين ، ثم ذكر بعد ذلك بقوله : { وإن كنتم مرضى } إلى آخر الآية حكم عادم الماء من النوعين جميعاً وكانت الملامسة الصغرى في قوله محدثين ، ثم ذكر بعد ذلك بقوله : { وإن كنتم مرضى } إلى آخر الآية حكم عادم الماء من النوعين جميعاً وكانت الملامسة هي الجماع ولا بد ، ليذكر الجُنب العادم للماء كما ذكر الواجد ، وهذا هو تأويل الشافعي وغيره وعليه تجيء أقوال الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبي موسى وغيرهم .
وقوله تعالى : { فاغسلوا وجوهكم } الغسل في اللغة إيجاد الماء في المغسول مع إمرار شيء عليه كاليد أو ما قام مقامها ، وهو يتفاضل بحسب الانغمار في الماء أو التقليل منه ، وغسل الوجه في الوضوء هو بنقل الماء إليه وإمرار اليد عليه ، والوجه ما واجه الناظر وقابله ، وحدّه في ذي اللحية فقيل : حده من اللحية إلى ما قابل آخر الذقن ، وقيل بل حده فيها آخر الشعر ، واختلف العلماء في تخليل اللحية على قولين روي تخليلها عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس ذكره الطبري{[4467]} ، واختلف في حده عرضاً فهو في المرأة والأمرد من الأذن إلى الأذن وفي ذي اللحية ثلاثة أقوال فقيل : من الشعر إلى الشعر يعني شعر العارضين وقيل : من الأذن إلى الأذن ويدخل البياض الذي بين العارض والأذن في الوجه وقيل : يغسل ذلك بنفسه ليس من الوجه ولا من الرأس ، وقيل : ما أقبل منهما من الوجه وما أدبر فهو من الرأس ، واختلف في المضمضة والاستنشاق فجمهور الأمة يرونها سنة ولا يدخل هذان الباطنان عندهم في الوجه وقال مجاهد : الاستنشاق شطر الوضوء ، وقال حماد بن أبي سليمان وقتادة وعطاء والزهري وابن أبي ليلى وابن راهويه : من ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء أعاد الصلاة ، وقال أحمد : يعيد من ترك الاستنشاق ولا يعيد من ترك المضمضة والناس كلهم على أن داخل العينين لا يلزم غسله إلا ما روي عن عبد الله بن عمر أنه كان ينضح الماء في عينيه .
وقوله تعالى : { وأيديكم إلى المرافق } اليد في اللغة تقع على العضو الذي هو من المنكب إلى أطراف الأصابع ولذلك كان أبو هريرة يغسل جميعه في الوضوء أحياناً ليطيل الغرة ، وحَّد الله تعالى موضع الغسل منه { إلى المرافق } يقال في واحدها مرفق ومرفق ، وكسر الميم وفتح الفاء أشهر ، واختلف العلماء هل تدخل المرافق في الغسل أم لا فقالت طائفة لا تدخل لأن إلى غاية تحول بين ما قبلها وما بعدها ، وقالت طائفة تدخل المرافق في الغسل لأن ما بعد إلى إذا كان من نوع ما قبلها فهو داخل ، ومثل أبو العباس المبرد في ذلك بأن تقول : اشتريت الفدان إلى حاشيته أو بأن تقول اشتريت الفدان إلى الدار وبقوله : { أتموا الصيام إلى الليل }{[4468]} .
قال القاضي أبو محمد : وتحرير العبارة في هذا المعنى أن يقال : إذا كان ما بعد { إلى } ليس مما قبلها فالحد أول المذكور بعدها ، وإذا كان ما بعدها من جملة ما قبلها فالاحتياط يعطي أن الحد المذكور بعدها ولذلك يترجح دخول المرفقين في الغسل . والروايتان محفوظتان عن مالك بن أنس رضي الله عنه ، روى عنه أشهب أن المرفقين غير داخلين في الحد ، وروي عنه أنهما داخلان .
وقوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } المسح أن يمر على الشيء بشيء مبلول بالماء وسنة مسح الرأس أن يؤخذ ماء باليدين ثم يرسل ثم يمسح الرأس بما تعلق باليدين ، واختلف في مسح الرأس في مواضع منها هيئة المسح فقالت طائفة منها مالك والشافعي وجماعة من الصحابة والتابعين يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ، وقالت فرقة يبدأ من مؤخر الرأس حتى يجيء إلى المقدم ثم يرد إلى المؤخر ، وقالت فرقة : يبدأ من وسط الرأس فيجيء بيديه نحو الوجه ثم يرد فيصيب باطن الشعر فإذا انتهى إلى وسط الرأس أمرّ يديه كذلك على ظاهر شعر مؤخر الرأس ثم يرد فيصيب باطنه ويقف عند وسط الرأس ، وقالت فرقة يمسح رأسه من هنا وهنا على غير نظام ولا مبدأ محدود حتى يعمه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله قول بالعموم واختلف في رد اليدين على شعر الرأس هل هو فرض أم سنة بعد الإجماع على أن المسحة الأولى فرض بالقرآن فالجمهور على أنه سنة وقيل : هو فرض ومن مواضع الخلاف في مسح الرأس قدر ما يمسح فقالت جماعة : الواجب من مسح الرأس عمومه ثم اختلفوا في الهيئات على ما ذكرناه وقال محمد بن مسلمة أن مسح ثلثي الرأس وترك الثلث أجزأ وقال أبو الفرج المالكي : وروي عن مالك أنه إن مسح الثلث أجزأ لأنه كثير في أمور من الشرع وقال أشهب إن مسح الناصية أجزأ .
قال القاضي أبو محمد : وكل من أحفظ عنه إجزاء بعض الرأس فإنه يرى ذلك البعض من مقدم الرأس ، وذلك أنه قد روي في ذلك أحاديث في بعضها ذكر الناصية وفي بعضها ذكر مقدم الرأس ، إلا ما روي عن إبراهيم والشعبي قالا : أي نواحي رأسك مسحت أجزأك ، وكان سلمة بن الأكوع يمسح مقدم رأسه ، وروي عن ابن عمر أنه مسح اليافوخ فقط ، وقال أصحاب الرأي : إن مسح بثلاث أصابع أجزأه وإن كان الممسوح أقل مما يمر عليه ثلاث أصابع لم يجزىء وقال قوم : يجزىء من مسح الرأس أن يمسح مسحة بأصبع واحدة ، وقال الحسن بن أبي الحسن : إن لم تصب المرأة إلا شعرة واحدة أجزأها ، وحكى الطبري وغيره عن سفيان الثوري أن الرجل إذا مسح شعرة واحدة أجزأه ، ومن مواضع الخلاف في مسح الرأس ما العضو الذي يمسح به ؟ فالإجماع على استحسان المسح باليدين جميعاً وعلى الإجزاء إن مسح بواحدة ، واختلف فيمن مسح بأصبع واحدة حتى عم ما يرى أنه يجزئه من الرأس فالمشهور أن ذلك يجزىء وقيل لا يجزىء .
قال القاضي أبو محمد : ويترجح أنه لا يجزىء لأنه خروج عن سنة المسح وكأنه لعب إلا أن يكون ذلك عن ضرورة مرض فينبغي أن لا يختلف في الاجزاء ، ومن مواضع الخلاف عدد المسحات ، فالجمهور على مرة واحدة ويجزىء ذلك عند الشافعي وثلاثاً أحب إليه وروي عن ابن سيرين أنه مسح رأسه مرتين ، وروي عن أنس أنه قال يمسح الرأس ثلاثاً ، وقاله سعيد بن جبير وعطاء وميسرة ، والباء في قوله { برؤوسكم } مؤكدة زائدة عند من يرى عموم الرأس ، والمعنى عنده وامسحوا رؤوسكم ، وهي للإلزاق المحض عند من يرى إجزاء بعض الرأس كان المعنى أوجدوا مسحاً برؤوسكم فمن مسح شعرة فقد فعل ذلك ، ثم اتبعوا في المقادير التي حدوها آثاراً وأقيسة بحسب اجتهاد العلماء رحمهم الله .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة «وأرجلِكم » خفضاً وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأرجلكم نصباً ، وروى أبو بكر عن عاصم الخفض ، وروى عنه حفص النصب ، وقرأ الحسن والأعمش «وأرجلُكم » بالرفع المعنى فاغسلوها ، ورويت عن نافع ، وبحسب هذا اختلاف الصحابة والتابعين ، فكل من قرأ بالنصب جعل العامل اغسلوا وبنى على أن الفرض في الرجلين الغسل بالماء دون المسح ، وهنا هو الجمهور وعليه علم فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو اللازم من قوله صلى الله عليه وسلم وقد رأى قوماً يتوضؤون وأعقابهم تلوح فنادى بأعلى صوته ، «ويل للأعقاب من النار »{[4469]} ، ومن قرأ بالخفض جعل العامل أقرب العاملين ، واختلفوا ، فقالت فرقة منهم ، الفرض في الرجلين المسح لا الغسل وروي عن ابن عباس أنه قال : الوضوء غسلتان ومسحتان ، وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأمسحوا برؤوسكم وأرجلكم وأنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه «فاغسلوا » بطونهما وظهورهما وعراقيبهما فسمع ذلك أنس بن مالك فقال صدق الله وكذب الحجاج قال الله تعالى : { فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم }{[4470]} قال وكان أنس إذا مسح رجليه بَّلهما وروي أيضاً عن أنس أنه قال : نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل وكان عكرمة يمسح على رجليه وليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح .
وقال الشعبي : نزل جبريل بالمسح ثم قال : «ألا ترى أن التيمم يمسح فيه ما كان غسلاً ويلغى ما كان مسحاً » وروي عن أبي جعفر أنه قال : امسح على رأسك وقدميك ، وقال قتادة : افترض الله غسلتين ومسحتين ، وكل من ذكرنا فقراءته «وأرجلِكم » بكسر اللام ، وبذلك قرأ علقمة والأعمش والضحاك وغيرهم ، وذكرهم الطبري تحت ترجمة القول بالمسح . وذهب قوم ممن يقرأ بكسر اللام إلى أن المسح في «الرجلين » هو الغسل ، وروي عن أبي زيد أن العرب تسمي الغسل الخفيف مسحاً ويقولون تمسحت للصلاة بمعنى غسلت أعضائي ، وقال أبو عبيدة وغيره في تفسير قوله تعالى : { فطفق مسحاً }{[4471]} : إنه الضرب ، ويقال : مسح علاوته{[4472]} إذا ضربه ، قال أبو علي : فهذا يقوي أن المراد بمسح الرجلين الغسل ، ومن الدليل على أن مسح الرجلين يراد به الغسل ، أن الحد قد وقع فيهما ب { إلى } كما وقع في الأيدي وهي مغسولة ولم يقع في الممسوح حد .
قال القاضي أبو محمد : ويعترض هذا التأويل بترك الحد في الوجه ، فكان الوضوء مغسولين ُحَّد أحدهما وممسوحين حَُّد أحدهما ، وقال الطبري رحمه الله : إن مسح الرجلين هو بإيصال الماء إليهما ثم يمسح بيديه بعد ذلك فيكون المرء غاسلاً ماسحاً ، قال : ولذلك كره أكثر العلماء للمتوضىء أن يدخل رجليه في الماء دون أن يمر يديه .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وقد جوز ذلك قوم منهم الحسن البصري وبعض فقهاء الأمصار . وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين على أن الفرض في الرجلين الغسل وأن المسح لا يجزىء . وروي ذلك عن الضحاك وهو يقرأ بكسر اللام{[4473]} .
والكلام في قوله { إلى الكعبين } كما تقدم في قوله { إلى المرافق } واختلف اللغويون في { الكعبين } فالجمهور على أنهما العظمان الناتئان في جنبي الرجل . وهذان هما حد الوضوء بإجماع فيما علمت ، واختلف هل يدخلان في الغسل أم لا كما تقدم في المرفق . وقال قوم الكعب هو العظم الناتىء في وجه القدم حيث يجتمع شراك النعل .
قال القاضي أبو محمد : ولا أعلم أحداً جعل حد الوضوء إلى هذا ولكن عبد الوهاب في التلقين جاء في ذلك بلفظ فيه تخليط وإبهام .
قال الشافعي رحمه الله لم أعلم مخالفاً في أن { الكعبين } هما العظمان في مجمع مفصل الساق ، وروى الطبري عن يونس عن أشهب عن مالك قال : الكعبان اللذان يجب الوضوء إليهما هما العظمان الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب وليس الكعب بالظاهر في وجه القدم .
قال القاضي أبو محمد : ويظهر ذلك من الآية من قوله في الأيدي { إلى المرافق } أي في كل يد مرفق ولو كان كذلك في الأرجل لقيل إلى الكعوب فلما كان في كل رجل كعبان خصا بالذكر ، وألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء واختلف العلماء في ذلك فقال ابن أبي سلمة وابن وهب ذلك من فروض الوضوء في الذكر والنسيان ، وقال ابن عبد الحكم ليس بفرض مع الذكر ، وقال مالك هو فرض مع الذكر ساقط مع النسيان ، وكذلك تتضمن ألفاظ الآية الترتيب واختلف فيه ، فقال الأبهري : الترتيب سنة ، وظاهر المذهب أن التنكيس{[4474]} للناسي مجزىء ، واختلف في العامد فقيل : يجزىء ويرتب في المستقبل ، وقال أبو بكر القاضي وغيره : لا يجزىء لأنه عابث .
وقوله تعالى : { وإن كنتم جنباً } الجنب مأخوذ من جنب امرأة في الأغلب ، ومن المجاورة والقرب قيل { والجار الجنب } [ النساء : 36 ] ويحتمل الجنب أن يكون من البعد إذ البعد جنابة ومنه تجنبت الشيء إذا بعدت عنه ، فكأنه جانب الطهارة وعلى هذا يحتمل أن يكون { الجار الجنب } [ النساء : 36 ] هو البعيد الجوار ويكون مقابلاً للصاحب بالجنب و «اطهروا » أمر بالاغتسال بالماء ، ولذلك رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن مسعود وغيرهما أن الجنب لا يتيمم البتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء ، وقال جمهورالناس : بل هذه العبارة هي لواجد الماء ، وقد ذكر الجنب أيضاً بعد في أحكام عادم الماء بقوله تعالى : { أو لامستم النساء } إذ الملامسة هنا الجماع ، والطهور بالماء صفته أن يعم الجسد بالماء وتمر اليد مع ذلك عليه ، هذا ينغمس الرجل في الماء دون تدلك ، وقد تقدم في سورة النساء تفسير قوله عز وجل : { وإن كنتم مرضى } إلى قوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وقراءة من قرأ «من الغيط » .
وقوله تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } الإرادة صفة ذات وجاء الفعل مستقبلاً مراعاة للحوادث التي تظهر عن الإرادة فإنها تجيء مؤتنفة ، من تطهير المؤمنين وإتمام النعم عليهم ، وتعدية ( أراد ) وما تصرف منه بهذه اللام عرف في كلام العرب ، ومنه قول الشاعر :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما *** تمثل لي ليلى بكل سبيل{[4475]}
قال سيبويه وسألته رحمه الله عن هذا فقال ، المعنى إرادتي لأنسى ، ومن ذلك قول قيس بن سعد :
أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود{[4476]}
ويحتمل أن يكون في الكلام مفعول محذوف تتعلق به اللام ، وما قال الخليل لسيبويه أخصر وأحسن ، ويعترض هذا الاحتمال في المفعول المحذوف بأن من تصير زائدة في الواجب وينفصل بأن قوة النفي الذي في صدر الكلام يشفع لزيادة [ من ] وإن لم يكن النفي واقعاً على الفعل الواقع على الحرج ، ولهذا نظائر ، والحرج : الضيق ، والحرجة : الشجر الملتف المتضايق ، ومنه قيل يوم بدر في أبي جهل إنه كان في مثل الحرج من الرماح ، ويجري مع معنى هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم«دين الله يسر »{[4477]} وقوله «بعثت بالحنيفية السمحة »{[4478]} وجاء لفظ الآية على العموم والشيء المذكور بقرب هو أمر التيمم والرخصة فيه وزوال الحرج في تحمل الماء أبداً ولذلك قال أسيد : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر .
وقوله تعالى : { ولكن يريد ليطهركم } الآية ، إعلام بما لا يوازى بشكر من عظيم تفضله تبارك وتعالى ، و { لعلكم } : ترجّ في حق البشر ، وقرأ سعيد بن المسيب «يطْهركم » بسكون الطاء وتخفيف الهاء .