بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُم مِّنۡهُۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (6)

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة } يعني إذا أردتم أن تقوموا إلى الصلاة وأنتم محدثون ، ويقال : إذا قمتم من نومكم إلى الصلاة { فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق } يعني : مع المرافق { وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين } يعني مع الكعبين . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم ، وفي رواية أبي بكر { وَأَرْجُلَكُمْ } بكسر اللام وقرأ الباقون بالنصب ، فمن قرأ بالنصب فإنه جعله نصباً لوقوع الفعل عليه وهو الغسل ، يعني واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين . ومن قرأ بالكسر جعله كسراً لدخول حرف الخفض وهو الباء ، فكأنه قال : وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، يعني إذا كان عليه خفان ، وقد ثبت ذلك بالسنة . ويقال : صار كسراً بالمجاورة كما قال في آية أخرى { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] قرأ بعضهم بالكسر بالمجاورة ، فهذه الأربعة التي ذكرت في الآية من فرائض الوضوء ، وما سوى ذلك آداب وسنن . فإن قيل : الآية إذا قرئت بقراءتين فالله تعالى قال بهما جميعاً أو بإحداهما ؟ قيل له : هذا على وجهين : إن كان لكل قراءة معنى غير المعنى الآخر ، فالله تعالى قال بهما جميعاً ، وصارت القراءتان بمنزلة الآيتين ، وإن كانت القراءتان معناهما واحد ، فالله تعالى قال لإحداهما ، ولكنه رخص بأن يقرأ بهما جميعاً .

ثم قال تعالى : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا } قد يوصف الجمع بصفة الواحد كقوله { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً } وكقوله : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلك ظَهِيرٌ } قوله : { فاطهروا } معناه فتطهروا إلا أن التاء أدغمت في الطاء لأنهما من مكان واحد فإذا ، أدغمت فيها سكن أول الكلمة وزيدت ألف الوصل للابتداء . ثم قال : { وَإِنْ كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الغائط أَوْ لامستم النساء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } يعني من الصعيد . ثم قال : { مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ } يقول : لا يكلفكم في دينكم من ضيق { ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ } يعني : يطهركم من الأحداث والجنابة { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } بما أنعم من الرخص { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لكي تشكروا الله لما رخص لكم ولم يضيق عليكم .