يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون( 6 )
{ وجوهكم } ما واجه من بدن الإنسان من تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن طولا ، ومن الأذن إلى الأذن عرضا .
{ الكعبين } العظمين الناتئين البارزين من جانبي الساق ، ففي كل رجل كعبان .
{ المرافق } المواصل ، واحدها مرفق ، وهو موصل الذراع في العضد .
{ جنبا } ذوي جنابة بسبب الجماع أو خروج المني .
{ فاطهروا } فتطهروا بالاغتسال وتعميم البدن بالماء .
{ الغائط } الأحداث الخارجة من المخرجين- القبل والدبر- سميت الأحداث بذلك لأن مكانها إذ ذاك كان الغيطان ليغيبوا فيها عن أعين الناس .
{ لامستم } جامعتم ، أو التقى جلدكم ومس شيئا من جلد المرأة .
{ فتيمموا }فاقصدوا . { صعيدا طيبا } ما صعد على وجه الأرض طاهرا .
{ يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } عهد الله تعالى إلى أهل الإيمان كلما أرادوا القيام إلى الصلاة ولم يكونوا على طهر أن يتوضؤوا فيغسلوا وجوههم- واحدها وجه-وهو العضو من الإنسان الذي يواجه من يقابله ، والذي يحده من أعلى : منابت شعر الرأس ومن أسفل ملتقى عظام الفكين ، وحده عرضا ما بين الأذنين- ويغسلوا أيديهم من أصابع الكفين إلى عظم المرفقين- المفصلين اللذين يصلان الذراع بالعضد ؛ وأن يمسحوا بالماء بعض رءوسهم ، ويغسلوا أرجلهم حتى العظمتين البارزتين على جانبي كل من الساقين ؛ وهذه آية الوضوء ؛ قال ابن عطية : لكن من حيث كان الوضوء متقررا عندهم مستعملا ، فكأن الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته ، وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم ؛ قال القرطبي ؛ ومضمون هذه الآية داخل فيما أمر به من الوفاء بالعقود وأحكام الشرع ، وفيما ذكر من إتمام النعمة ؛ فإن هذه الرخصة من إتمام النعم ؛ وأورد النيسابوري في تفسير الآية ثمانيا وستين مسألة ؛ ومما نقل ابن كثير : فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ، ولكن هو في حق المحدث واجب ، وفي حق المتطهر ندب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد ، فقال له عمر : يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله ، قال : " إني عمدا فعلته يا عمر " رواه مسلم وأهل السنن ، . . أما مشروعيته استحبابا فقد دلت السنة على ذلك ، فعن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، قال : قلت : فأنتم كيف كنتم تصنعون ؟ قال : كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث ؛ وقد رواه البخاري وأهل السنن ؛ . . . ، ويستحب أن يغسل كفيه قبل إدخالهما في الإناء ، ويتأكد ذلك عند القيام من النوم ، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " ؛ . . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه في الصحاح وغيرها أنه كان إذا توضأ تمضمض واستنشق ؛ . . . وقوله : { وأيديكم إلى المرافق } أي : مع المرافق ، كما قال تعالى : ( . . ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا )( {[1692]} ) ؛ ويستحب للمتوضئ أن يشرع في العضد فيغسله مع ذراعيه ، لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أمتي يُدْعُونَ يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " . . .
ثم اختلفوا في أنه هل يستحب تكرار مسح الرأس . . . أو إنما يستحب مسحة واحدة . . . لحديث حمران بن أبان قال : رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما ، ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم مسح برأسه ، ثم قدمه اليمنى ثلاثا ، ثم قدمه اليسرى ثلاثا مثل ذلك ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم قال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين . ا ه .
{ وإن كنتم جنبا فاطهروا } ما تقدم من الآية الكريمة بين طهور من أحدث حدثا أصغر يكفيه الوضوء ، وأما من صار جنبا لإنزاله المني ، أو جماعه للمرأة فقد أحدث حدثا أكبر فعليه أن يتطهر بالاغتسال الذي هو تعميم البدن بالماء ؛ ويتحتم هذا إذا حل وقت الصلاة ؛ ويلحق بالجنب الحائض والنفساء إذا انقطع الحيض والنفاس وحل وقت الصلاة ؛ { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } روى البخاري عن عائشة قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا ، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة ، وقال : حبست الناس في قلادة ، فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، وقد أوجعني ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت { يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم . . } إلى آخر الآية ، فقال أسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم ؛ وعن ابن مسعود : المريض الذي قد أرخص له في التيمم هو الكسير والجريح ؛ وأولها ابن جرير فقال : وإن كنتم جرحى أو بكم قروح أو كسر أو علة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة وأنتم مقيمون غير مسافرين فتيمموا ، . . . وإن كنتم مسافرين وأنتم أصحاء جنب فتيمموا . . أو جاء أحد منكم من الغائط قد قضى حاجته وهو مسافر صحيح فليتيمم . . عن ابن عباس : الملامسة الجماع ، ولكن الله كريم يكني عما شاء ؛ . { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } فإن لم تجدوا أيها المؤمنون إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم مرضى مقيمون ، أو على سفر أصحاء ، أو قد جاء منكم من قضاء حاجته ، أو جامع أهله في سفره ماء . . فتعمدوا واقصدوا وجه الأرض طيبا يعني طاهرا نظيفا غير قذر ولا نجس جائزا لكم حلالا . . فاضربوا بأيديكم الصعيد الذي تيممتموه . . بأيديكم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مما علق بأيديكم منه ا ه .
{ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } ربنا المعبود الذي لا إله سواه إنما يريد بنا اليسر ولا يريد أن يجعل علينا في شريعته السمحة ما فيه ضيق ومشقة ، فجعل تراب الأرض لنا طهورا ؛ { ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } ليطهركم من الأحداث والأنجاس ، وينقيكم من الخطايا والذنوب ، وليتم النعمة بالهداية إلى الحق ، والنعيم في جنة الخلد ؛ { لعلكم تشكرون } نعمته ، فتظفروا بثواب الشاكرين في الدنيا ويوم الدين ؛ وهكذا فالطهارة شرط لصحة الصلاة ، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور " ، وروى كذلك عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض والصوم جنة والصبر ضياء والصدقة برهان والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.