تحدثت هذه السورة الكريمة عن بعث الناس وحسابهم ، وعن القيامة وأهوالها ، ثم طمأنت الرسول صلى الله عليه وسلم على جمع القرآن في صدره ، ووجهت الردع إلى من يحبون العاجلة ويذرون الآخرة ، ووازنت بين وجوه المؤمنين الناضرة ، ووجوه الكافرين الباسرة ، وتحدثت كذلك عن حال المحتضر ، وما كان من تقصيره في الواجبات حتى كأنه يظن أن لا حساب عليه ، وختمت بالأدلة التي توجب الإيمان بالبعث .
1 - أقسم وأؤكد القسم بيوم القيامة - وهو الحق الثابت - وأقسم وأؤكد القسم بالنفس التي تلوم صاحبها على الذنب والتقصير ، لتبعثن بعد جمع ما تفرق من عظامكم ، أيحسب الإنسان - بعد أن خلقناه من عدم - أن لن نجمع ما بلى وتفرق من عظامه ؟ .
قوله تعالى : " لا أقسم بيوم القيامة " قيل : إن " لا " صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة ؛ لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حكم كلام واحد ؛ ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى ، كقوله تعالى : " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون{[15599]} " [ الحجر : 6 ] . وجوابه في سورة أخرى : " ما أنت بنعمة ربك بمجنون{[15600]} " [ القلم : 2 ] . ومعنى الكلام : أقسم بيوم القيامة ، قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة ، ومثله قول الشاعر :
تذكرت ليلَى فاعترتني صَبَابَةٌ *** فكاد صميمُ القلبِ لا يَتَقَطَّعُ
وحكى أبو الليث السمرقندي : أجمع المفسرون أن معنى " لا أقسم " : أقسم . واختلفوا في تفسير : " لا " قال بعضهم : " لا " زيادة في الكلام للزينة ، ويجري في كلام العرب زيادة ( لا ) كما قال في آية أخرى : " قال ما منعك أن تسجد " [ ص : 75 ] . يعني أن تسجد ، وقال بعضهم : " لا " : رد لكلامهم حيث أنكروا البعث ، فقال : ليس الأمر كما زعمتم .
قلت : وهذا قول الفراء . قال الفراء : وكثير من النحويين يقولون " لا " صلة ، ولا يجوز أن يبدأ بجحد ثم يجعل صلة ؛ لأن هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه ، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالرد عليهم ( في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ{[15601]} ) وذلك كقولهم لا والله لا أفعل " فلا " رد لكلام قد مضى ، وذلك كقولك : لا والله إن القيامة لحق ، كأنك أكذبت قوما أنكروه . وأنشد غير الفراء لامرئ القيس :
فلا وأبيك ابنةَ العامري *** لا يَدَّعِي القومَ أني أَفِرّْ
ألا نادت أمامةُ باحتمال *** لتُحزنني فلا بِكِ ما أبالي
وفائدتها توكيد القسم في الرد . قال الفراء : وكان من لا يعرف هذه الجهة يقرأ " لأقسم " بغير ألف ، كأنها لام تأكيد دخلت على أقسم ، وهو صواب ؛ لأن العرب تقول : لأقسم بالله وهي قراءة الحسن وابن كثير والزهري وابن هرمز " بيوم القيامة " أي بيوم يقوم الناس فيه لربهم ، ولله عز وجل أن يقسم بما شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.