الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة القيامة {[1]}

مكية {[2]}

- قوله : ( لا أقسم بيوم القيامة ) إلى آخرها .

من النحويين من قال : " لا " زائدة كزيادتها في قوله : ( ما منعك إلا تسجد {[71712]} ) . ولم يمتنع {[71713]} أن تزاد في أول الكلام ، لأن القرآن كله كسورة واحدة {[71714]} وقد صح عن ابن عباس وغيره أنه قال : إن الله جل ذكره أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان في ليلة القدر . ثم نزل متفرقا من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم {[71715]} . وقد قال الفراء : " لا " لا تزاد ( إلا في النفي ) {[71716]} ، وخالفه غيره فأجاز زيادتها في غير نفي . وقيل : [ إن {[71717]} " لا " من قوله : ( لا [ أقسم ] ) {[71718]} : جواب {[71719]} ، ثم استأنف فقال : أقسم بيوم القيامة {[71720]} . وكذلك هي زائدة [ بلا ] {[71721]} اختلاف في قوله : ( ولا أقسم بالنفس ) لأنها متوسطة بلا اختلاف ، ولأنها بعد نفي . هذا على قول من جعله أيضا قسما ثانيا {[71722]} . ومن جعله غير قسم جعل " لا " النافية . وهو قول الحسن {[71723]} . وقد قرأ قنبل {[71724]} عن ابن كثير : " لأقسم " بغير ألف بعد اللام {[71725]} ، وهو غلط عند الخليل وسيبويه لأنها لام عند {[71726]} قسم تلزمها النون المشددة {[71727]} .

قال ابن جبير : " ( لا أقسم بيوم القيامة ) معناه : أقسم بيوم القيامة " {[71728]} .

وقال أبو بكر ابن عياش {[71729]} : ( لا ) تأكيد للقسم, بولك : لا, والله {[71730]} .

وحكي عن بعض الكوفيين أن : ( لا ) رد لكلام قد مضى من {[71731]} المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار . ثم ابتدأ القسم فقال : ( أقسم بيوم القيامة ) . وكان يقول : كل يمين قبلها رد لكلام فلا بد من تقدم " لا " ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدا واليمين تستأنف . قال : ألا ترى أنك تقول مبتدءا : والله إن الرسول لحق ؟ فإذا قلت : لا, والله إن الرسول لحق, فكأنك كذبت {[71732]} قوما أنكروه {[71733]} . وقيل : " لا " تنبيه بمعنى " ألا " . كما قال امرؤ القيس :

لا وأبيك ابنة العامر [ أي ] {[71734]} *** لا يدعي القوم أني [ أفر ] {[71735]}

يريد : ألا .

قال ابن عباس : قوله : ( ولا أقسم بالنفس ) ( هو أيضا ) {[71736]} قسم . أقسم ربنا بما شاء من خلقه {[71737]} . وهو قول قتادة {[71738]} . وهو اختيار الطبري, فتكون " لا " الأولى رد لكلام تقدم, و " لا " الثانية زائدة {[71739]} . وقال الحسن : ( ولا أقسم بالنفس ) ليس بقسم . والمعنى : ولست أقسم بالنفس اللوامة {[71740]} . فتكون " لا " الأولى [ ردا ] {[71741]} لكلام تقدم أو زائدة ، و " لا " الثانية نافية غير زائدة .

وتأويل الكلام عند الطبري : لا ، ما الأمر . كما تقولون : أيها الناس . كأنه ( يقدر ) {[71742]} جواب القسم محذوفا . كأنه قال : ( لا ) {[71743]}, ما الأمر, كما تقولون : إن الله لا يبعث أحدا, أقسم بيوم القيامة ما الأمر كما تقولون {[71744]} . ودل على ذلك {[71745]} قوله : ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) {[71746]}, وقوله ( أيحسب الإنسان أن لن [ نجمع {[71747]} ] عظامه ) {[71748]}, أي : ا يحسب أن لن يبعث بعد موته ؟ ! ( الم يك نطفة من مني تمنى ثم كان علقة فخلف فسوى فجعل منه الزوجين الذكر و الأنثى أليس ذالك بقادر على أن يحيى الموتى, ( على خلاف ) {[71749]} ظنهم أنهم لا يبعثون . فالمعنى {[71750]} : ما الأمر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم, أقسم بيوم القيامة . قال : والمعروف في كلام الناس : إذا قال الرجل : " لا, والله ما فعلت " أن قولهم " لا " {[71751]}رد الكلام . وقولهم : " والله " : ابتداء يمين فكذلك ( لا أقسم بيوم القيامة ) {[71752]} .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[71712]:- الأعراف: 12.
[71713]:- أ: ولم يمنع.
[71714]:- حكاه النحاس في إعرابه: 5/78 عن علي بن سليمان. والزجاج في معانيه: 5/251 عن بعض المفسرين. وقال الخازن في هذا القول: "فيه ضعف لأن القرآن في حكم السورة الواحدة في عدم التناقض لا أن تقرن سورة بما بعدها، فذلك غير جائز". تفسير الخازن 7/151.
[71715]:- أخرجه الحاكم في المستدرك 2/222 مقدمة كتاب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه أو أن يحدث منه في الأرض شيئا أحدثه". قال: هذا حديث صحيح الإسناد. وانظر البرهان للزركشي: 1/228-29.
[71716]:- انظر معاني الفراء: 3/207.
[71717]:- م: لان.
[71718]:- ساقط من م.
[71719]:- أ: جوابا.
[71720]:- هو قول الفراء في معانيه: 3/207 وحكاه الزجاج في معانيه: 5/251 عن بعض النحويين وانظر إعراب ابن الأنباري 2/476.
[71721]:- م: فلا.
[71722]:- وهو قول ابن عباس وقتادة في جامع البيان: 29/173.
[71723]:- جامع البيان 29/173 والمحتسب 2/341.
[71724]:- هو محمد بن عبد الرحمن بن خالد أبو عمر المخزومي المكي الملقب بقنبل شيخ القراء بالحجاز، أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد النبال وروى عنه القراءة عرضا أبو ربيعة محمد بن إسحاق (ت: 291ﻫ) انظر الغاية لابن الجزري: 2/165.
[71725]:- السبعة: 661 وهي أيضا رواية القواس عن ابن كثير انظر الغاية لابن مهران: 283، والمبسوط 453. وذكرها أبو طاهر في العنوان: 200 عن ابن كثير ولم يخصص رواية عنه. وهي قراءة الحسن والأعرج في إعرابه النحاس 5/77 والمحرر 16/171 وقراءة ابن عباس وأبي عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن محيصن أيضا في زاد المسير 8/416.
[71726]:- ث، أ: لام قسم.
[71727]:- انظر الكتاب: 3/104 وإعراب النحاس 5/77: وإعراب مكي 2/776.
[71728]:- جامع البيان: 29/173 والدر: 8/342.
[71729]:- هو أبو بكر بن عياش بن سالم الاسدي الكوفي الحناط المقرئ قال السيوطي "اختلف في اسمه على أقوال، والصحيح أن اسمه كنيته" طبقات الحفاظ: 114 وكان زاهدا متعبدا، روى عن الأعمش وحميد الطويل، وعنه أحمد وابن المبارك (ت: 193ﻫ). انظر صفة الصفوة: 3/164 والغاية لابن الجزري 1/325.
[71730]:- جامع البيان 29/173 والمعالم 7/151.
[71731]:- أ: مضى من كلام المشركين.
[71732]:- أ: فكأنك خاطبت.
[71733]:- هذا كلام الفراء في معانيه 3/207 وحكاه الطبري في جامع البيان 29/173 عن بعض نحويي الكوفة.
[71734]:- ساقط من جميع النسخ.
[71735]:- م: أمر، وانظر ديوان امرئ القيس ص 154.
[71736]:- ساقط من أ.
[71737]:- انظر جامع البيان 29/173 والدر 8/342.
[71738]:- انظر جامع البيان 29/173 والدر 8/342..
[71739]:- جامع البيان 29/173. 74.
[71740]:- جامع البيان 29/173. 74.
[71741]:- م: رد.
[71742]:- ساقط من أ.
[71743]:- ساقط من أ.
[71744]:- جامع البيان 29/173. 74.
[71745]:- أي على ما ذهب إليه الطبري.
[71746]:- القيامة 4.
[71747]:- م: نجمح.
[71748]:-القيامة 3.
[71749]:-ساقط من أ.
[71750]:- أي عند الطبري.
[71751]:- أ: أن قولهم لرد.
[71752]:- انظر كلام الطبري في جامع البيان 29/174، وفي ما ساقه مكي زيادة ليست في أصل كلام الطبري، وقد حصرتها بين عارضتين.