السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي تسع وثلاثون آية ، ومائة وسبع وتسعون كلمة ، وستمائة واثنان وخمسون حرفاً .

{ بسم الله } الذي له الجلال والكمال { الرحمن } الذي عمّ بنعمة الإيجاد أهل الهدى والضلال { الرحيم } الذي سدد أهل العناية في الأفعال والأقوال .

واختلف في لا في قوله تعالى : { لا أقسم } على أوجه :

أحدها : أنها نافية لكلام المشركين المنكرين للبعث أي : ليس الأمر كما زعموا ثم ابتدأ أقسم { بيوم القيامة } قال القرطبي : إن القرآن جاء بالردّ على الذين أنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالردّ عليهم كقولك : لا والله لا أفعل فلا ردّ لكلام قد مضى كقولك : لا والله إن القيامة لحق كأنك أكذبت قوماً أنكروه .

الثاني : أنها مزيدة مثلها في { لئلا يعلم أهل الكتاب } [ الحديد : 29 ] .

واعترضوا هذا بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله . وأجيب : بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض يدل على ذلك أنه قد يجيء ذكر الشيء في سورة ويذكر جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] وجوابه في سورة أخرى { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم : 2 ] وإذا كان كذلك كان أوّل هذه السورة جارياً مجرى الوسط ، وردّ هذا بأنّ القرآن في حكم السورة الواحدة في عدم التناقض لا أن تقرن سورة بما بعدها ، فذلك غير جائز .

الثالث : قال الزمخشري : إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم ، قال امرؤ القيس :

لا وأبيك ابنة العامريّ *** لا يدّعي القوم أني أفر

وفائدتها : توكيد القسم ، ثم قال الزمخشري بعد أن ذكر وجه الزيادة والاعتراض : والجواب كما تقدّم والوجه أن يقال : هي للنفي ، والمعنى في ذلك : أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له يدل عليه قوله تعالى : { فلا أقسم بمواقع النجوم 75 وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } [ الجمعة : 75 76 ] فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام ، يعني أنه يستأهل فوق ذلك . قال بعضهم : قول الزمخشري : والوجه أن يقال إلى آخره تقرير لقوله : إدخال لا النافية فيه على فعل القسم مستفيض إلى آخره . وحاصل كلامه يرجع إلى أنها نافية وأنّ النفي متسلط على فعل القسم بالمعنى الذي شرحه ، وليس فيه نفع لفظاً ولا معنى ، وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بغير ألف بعد اللام والهمزة مضمومة والباقون بالألف ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر وعن قراءة الباقين بالمدّ .