تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة [ القيامة وهي مكية ]{[1]}

الآيتان 1و2 : قوله تعالى : { لا أقسم بيوم القيامة }{ ولا أقسم بالنفس اللوامة } اختلف في تأويله .

فمنهم من قال{[22736]} : أقسم الله تعالى بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة ، وذكر ذلك عن الحسن ، ويكون معناه : لأقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة .

لكن ذكر عنه أنه يقول في قوله تعالى : { لا أقسم بهذا البلد }{ وأنت حل بهذا البلد }{ ووالد وما ولد }[ البلد : 1و2و3 ] : إن القسم يقع على البلد والوالد ، وهو آدم عليه السلام{ وما ولد } على جملة أولاده .

فإذا كان القسم جائزا بالوالد والمولود جميعا كانت النفس/ 615 – أ/ اللوامة داخلة في جملة[ الوالد والمولود ]{[22737]} وقد أقسم بالنفس اللّوّامة عنده ، فلا معنى للردّ{[22738]} ههنا .

ثم موقع{ لا } في قوله : { لا أقسم } تأويله يذكر في قوله : { لا أقسم بهذا البلد } في سورة ، يذكر[ فيها البلد .

ومنهم من ذكر ]{[22739]} أن القسم وقع بها جميعا ، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه .

ثم صرف بعض أهل التأويل معنى القسم إلى قوله تعالى : { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه }[ الآية : 3 ] وجعله موضع القسم .

فإن كان على هذا ، فالإشكال عليه أن يقول قائل : كيف أكد أمر البعث وجمع العظام بالقسم بيوم القيامة ، وقد جرى من القول الذي احتج عليهم بهذه الآية الإنكار بيوم القيامة ، فكأنه أكد القسم بشيء جرى به الإنكار ؟ .

والجواب عن هذا من وجهين :

أحدهما : أن يكون القسم منصرفا إلى الحكمة التي توجب القول بالبعث ؛ إذ قد بينا في غير موضع أنه بالبعث ما خرج خلق هذا العالم مخرج الحكمة ، لولا البعث لكان خلقه عبثا باطلا كقوله عز وجل : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون }[ المؤمنون : 115 ] كأنه قال : { لا أقسم بحكمته الداعية إلى كون القيامة كذا أن يكون كذا .

[ والثاني ]{[22740]} : جائز أن يكون القسم في الحقيقة بالدلائل والبراهين التي من تفكر ، وأمعن النظر فيها حمله ذلك على القول بالبعث .

وإذا كان محتملا صحّ القسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ، لأن التفكر بالنفس اللوامة والاعتبار بها يدعو إلى القول بالبعث .

ثم العادة جرت على القسم بالأشياء التي عظم خطرها ، وجلّ قدرها في القلوب ، وجلالة خطرها تكون بأحد وجهين : إما بما كثرت منافعها ، فيكون خطرها مشاهدا معروفا[ وإما ]{[22741]} بعظم خطرها بالدلائل والأخبار .

فالسماوات والأرضون قد عرف الخلق جلالة أقدارها بالعيان بما كثرت منافع الخلق بها ، وعظم يوم القيامة بما جلّ خطره في القلوب ، وثبت القول بكونه بالدلالات والبراهين .

ثم قد وصفنا أن الله تعالى أقسم بأشياء لتأكيد ما يعرف بيانه ، ويجب القول به ، لولا القسم لما{[22742]} أمعن النظر فيه ، فأعملت فيه الروية . لذلك استقام القسم ، والله أعلم .

واختلف في النفس اللوامة : قال بعضهم : النفس اللوّامة ، هي النفس الكافرة ، تلوم ربها في تضييق العيش عليها ، وتشكو ربها[ من الفقر ]{[22743]} والإقتار عليها مع كثرة نعمه عليها وإحسانه إليها .

ومنهم من صرف التأويل إلى كل نفس مؤمنة كانت أو كافرة ؛ فهي تلوم غيرها لتعاطيها أشياء قد تعاطت نفسها مثلها ، وامتحنت بها . والحق على كل أحد ألا يلوم أخاه بما تعاطى فعلا ، أتى هو ذلك الفعل عينه أو مثله{[22744]} . أنشئت كذلك اللوامة كما قال الله عز وجل : { إن الإنسان خلق هلوعا }{ إذا مسه الشر جزوعا }[ المعارج : 19و20 ] .

ومنهم من ذكر أن هذا يكون في الآخرة ، والكافر إذا أيقن بالعذاب وما حلّ به من نقمة الله تعالى والذم{[22745]} على ما فرط في جنب الله ، أدركته{[22746]} الحسرة ، فعند ذلك يلوم نفسه .

والمؤمن إذا عاين الثواب يلوم نفسه لما أمسك عن المعصية ، وتاب ، وأطال المقام في المحراب ، وأبصر بالعاملين بالطاعة حسن المآب ، يلوم{[22747]} نفسه بما شد منه ، وغاب ، عند كمال القوة وعنفوان الشباب ، ويقول{[22748]} : كيف لم أزدد في العمل لأزداد في الثواب .

ومنهم من خص الكافر في الآخرة باللوم على نفسه ، وهذا أظهر لأن المسلم إذا أكرم بالثواب فشكره لذلك يشغله عن اللوم على نفسه ، فلا يتفرغ له ، ولأن الله تعالى يضاعف له من الحسنات ، ويعطيه من الدرجات زيادة على ما استوجبه بعمله فضلا وإنعاما . فكيف يلوم نفسه بتقصيرها في العمل ، وهو يعلم أن ما وصل إليه من الكرامات لم ينل جملتها بعمله بل بفضل الله تعالى وبكرمه ، والله أعلم .


[1]:- في ط ع: سمح.
[22736]:في الأصل و م: ذكر.
[22737]:في الأصل و م: المولود.
[22738]:في الأصل و م: بالرد.
[22739]:من م، ساقطة من الأصل.
[22740]:في الأصل و م: و.
[22741]:في الأصل و م: أو.
[22742]:في الأصل و م: لو.
[22743]:من م، ساقطة من الأصل.
[22744]:في الأصل و م: مثلها.
[22745]:في الأصل و م. يذم.
[22746]:في الأصل و م: وأدركته.
[22747]:في الأصل و م: والعاصين.
[22748]:في الأصل و م: وقال.