فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القيامة

هي أربعون آية وهي مكية بلا خلاف . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال : نزلت سورة القيامة ، وفي لفظ سورة { لا أقسم } بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : أنزلت سورة { لا أقسم } بمكة .

قوله : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة } قال أبو عبيدة وجماعة المفسرين : إن «لا » زائدة ، والتقدير : أقسم . قال السمرقندي : أجمع المفسرون أن معنى { لا أقسم } : أقسم ، واختلفوا في تفسير «لا » ، فقال بعضهم : هي زائدة ، وزيادتها جارية في كلام العرب كما في قوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] يعني : أن تسجد ، و { لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب } [ الحديد : 29 ] ومن هذا قول الشاعر :

تذكرت ليلى فاعترتني صبابة *** وكاد صميم القلب لا يتقطع

وقال بعضهم : هي ردّ لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال : ليس الأمر كما ذكرتم ، أقسم بيوم القيامة ، وهذا قول الفرّاء ، وكثير من النحويين ، كقول القائل : لا والله ، فلا ردّ لكلام قد تقدّمها ، ومنه قول الشاعر :

فلا وأبيك ابنة العامري *** لا يدّعى القوم أني أفر

وقيل : هي للنفي ، لكن لا لنفي الإِقسام ، بل لنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه ، كأن معنى لا أقسم بكذا : لا أعظمه بإقسامي به حقّ إعظامه ، فإنه حقيق بأكثر من ذلك . وقيل : إنها لنفي الإِقسام لوضوح الأمر ، وقد تقدّم الكلام على هذا في تفسير قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم } [ الواقعة : 75 ] . وقرأ الحسن وابن كثير في رواية عنه والزهري وابن هرمز : «لأقسم » بدون ألف على أن اللام لام الابتداء ، والقول الأوّل هو أرجح هذه الأقوال ، وقد اعترض عليه الرازي بما لا يقدح في قوّته ، ولا يفتّ في عضد رجحانه ، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه ، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته .

/خ25