الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وآياتها أربعون

إدخال «لا » النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم قال امرؤ القيس :

لاَ وَأَبِيك ابْنَةَ الْعَامِرِيّ *** لاَ يَدَّعِى الْقَوْمُ أَنِّي أفِرّ

وقال غوثة بن سلمى :

أَلاَ نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمالِ *** لِتَخْزُنَني فَلاَ بِكِ ما أُبَالِي

وفائدتها توكيد القسم ، وقالوا إنها صلة مثلها في { لئلا يعلم أهل الكتاب } [ الحديد : 29 ] وفي قوله :

في بئْرِ لاحورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ ***

اعترضوا عليه بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله ، وأجابوا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض ، والاعتراض صحيح ؛ لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام ، ولكن الجواب غير سديد . ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته . والوجه أن يقال : هي للنفي . والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له يدلك عليه قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم ( 75 ) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( 76 ) } [ الواقعة : 75 - 76 ] ، فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إنّ إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام ؛ يعني أنه يستأهل فوق ذلك . وقيل إن «لا » نفي لكلام وردّ له قبل القسم ، كأنهم أنكروا البعث فقيل : لا ، أي ليس الأمر على ما ذكرتم ، ثم قيل : أقسم بيوم القيامة .

فإن قلت : قوله تعالى : { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ النساء : 65 ] والأبيات التي أنشدتها : المقسم عليه فيها منفي ، فهلا زعمت أنّ «لا » التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له ، وقدّرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفياً ، كقوله : { لآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ( 1 ) } ، لا تتركون سدى ؟ قلت : لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ ، ولكنه لم يقصر . ألا ترى كيف لقي { لا أُقْسِمُ بهذا البلد } [ البلد : 1 ] ، بقوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان } [ التين : 4 ] ، وكذلك { فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم } [ الواقعة : 75 ] ، بقوله : ( إنه لقرآن كريم ) وقرىء : «لأقسم » على أنّ اللام للابتداء . وأقسم خبر مبتدأ محذوف ، معناه : لأنا أقسم . قالوا : ويعضده أنه في الإمام بغير ألف .