المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

7- واذكروا - أيها المؤمنون - نعمة الله عليكم ، بهدايتكم إلى الإسلام ، وحافظوا على تنفيذ عهده الذي عاهدكم عليه حين بايعتم رسوله - محمداً - على السمع والطاعة ، واتقوا الله بالمحافظة على هذه العهود ، فإنه سبحانه عليم بخفيات قلوبكم ، فمجازيكم عليها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

ويعقب على أحكام الطهارة ، وعلى ما سبقها من الأحكام بتذكير الذين آمنوا بنعمة الله عليهم بالإيمان ، وبميثاق الله معهم على السمع والطاعة ، وهو الميثاق الذي دخلوا به في الإسلام - كما تقدم - كما يذكرهم تقوى الله ، وعلمه بما تنطوي عليه الصدور :

( واذكروا نعمة الله عليكم ، وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم : سمعنا وأطعنا ، واتقوا الله ، إن الله عليم بذات الصدور ) . .

وكان المخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعرفون - كما قدمنا - قيمة نعمة الله عليهم بهذا الدين . إذ كانوا يجدون حقيقتها في كيانهم ، وفي حياتهم ، وفي مجتمعهم ، وفي مكانهم من البشرية كلها من حولهم . ومن ثم كانت الإشارة - مجرد الإشارة - إلى هذه النعمة تكفي ، إذ كانت توجه القلب والنظر إلى حقيقة ضخمة قائمة في حياتهم ملموسة .

كذلك كانت الإشارة إلى ميثاق الله الذي واثقهم به على السمع والطاعة ، تستحضر لتوها حقيقة مباشرة يعرفونها . كما كانت تثير في مشاعرهم الاعتزاز حيث تقفهم من الله ذي الجلال موقف الطرف الآخر في تعاقد مع الله ، وهو أمر هائل جليل في حسن المؤمن ، حين يدرك حقيقته هذه ويتملاها . .

ومن ثم يكلهم الله في هذا إلى التقوى . إلى إحساس القلب بالله ، ومراقبته في خطراته الخافية :

( واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) . .

والتعبير( بذات الصدور ) تعبير مصور معبر موح ، نمر به كثيرا في القرآن الكريم . فيحسن أن ننبه إلى مافيه من دقة وجمال وإيحاء . وذات الصدور : أي صاحبة الصدور ، الملازمة لها ، الملاصقة بها . وهي كناية عن المشاعر الخافية ، والخواطر الكامنة ، والأسرار الدفينة . التي لها صفة الملازمة للصدور والمصاحبة . وهي على خفائها وكتمانها مكشوفة لعلم الله ، المطلع على ذات الصدور . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

عطف على جملة { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } [ المائدة : 6 ] الآية الواقعة تذييلاً لقوله : { يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } [ المائدة : 6 ] الآية .

والكلام مرتبط بما افتتحت به السورة من قوله : { أوفوا بالعقود } لأنّ في التذكير بالنعمة تعريضاً بالحثّ على الوفاء .

ذكّرهم بنعم مضت تذكيراً يقصد منه الحثّ على الشكر وعلى الوفاء بالعهود ، والمراد من النّعمة جنسها لا نعمة معيّنة ، وهي ما في الإسلام من العزّ والتمكين في الأرض وذهاب أحوال الجاهلية وصلاح أحوال الأمّة .

والميثاق : العهد ، وواثق : عاهد . وأطلق فعل وَاثق على معنى الميثاق الّذي أعطاه المسلمون ، وعلى وعد الله لهم ما وعدهم على الوفاء بعهدهم . ففي صيغة { واثقكم } استعمال اللّفظ في حقيقته ومجازه .

و { إذ } اسم زمان عُرّف هنا بالإضافة إلى قول معلوم عند المخاطبين .

والمسلمون عاهدوا الله في زمن الرّسول صلى الله عليه وسلم عدّة عهود : أوّلها عهد الإسلام كما تقدّم في صدر هذه السورة . ومنها عهد المسلمين عندما يلاقون الرّسول عليه الصلاة والسلام وهو البيعة أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه في معروف ، وهو عين العهد الذي ذكره القرآن في سورة الممتحنة عند ذكر بيعة النساء المؤمنات ، كما ورد في الصّحيح أنّه كان يبايع المؤمنين على مثل ذلك ، ومنها بيعة الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحجّ سنة ثلاث عشرة من البعثة قبل الهجرة . وكانوا ثلاثة وسبعين رجلاً التقَوا برسول الله بعد الموسم في العقبة ومعهم العبّاس بن عبد المطلب ، فبايعوا على أن يمنعوا رسول الله كما يمنعون نساءهم وأبناءهم ، وعلى أنّهم يأوونه إذا هاجر إليهم . وقد تقدّم هذه البيعةَ بيعتان إحداهما سنة إحدى عشرة من البعثة ، بايعة نَفَر من الخزرج في موسم الحجّ . والثّانية سنة اثنتي عشرة من البعثة ، بايع اثنا عشر رجلاً من الخزرج في موسم الحجّ بالعقبة ليبلّغوا الإسلام إلى قومهم . ومن المواثيق ميثاق بيعة الرضوان في الحديبية تحت الشجرة سنة ستّ من الهجرة ، وفي كلّ ذلك واثقوا على السمع والطاعة في المنشط والمَكْرَه .

ومعنى { سمعنا وأطعنا } الاعتراف بالتّبليغ ، والاعتراف بأنّهم سمعوا ما طُلب منهم العهد عليه . فالسمع أريد به العلم بما واثقوا عليه ، ويجوز أن يكون { سمعنا } مجازاً في الامتثال ، { وأطعنا } تأكيداً له . وهذا من استعمال سَمِع ، ومنه قولهم : بايَعوا على السمع والطّاعة . وقال النّابغة يذكر حالة من لدغته حيّة فأخذوا يرقونه :

تَنَاذَرَهَا الرّاقُون من سُوء سمعها

أي من سوء طاعتها للرقية ، أي عدم نجاح الرقية في سمّها . وعقّب ذلك بالأمر بالتّقوى ؛ لأنّ النعمة تستحقّ أن يشكر مُسديها . وشكر الله تَقواه .

وجملة { إنّ الله عليم بذات الصدور } تذييل للتحذير من إضمار المعاصي ومن توهّم أنّ الله لا يعلم إلاّ ما يبدو منهم . وحرف ( إنّ ) أفاد أنّ الجملة علّة لما قبلها على الأسلوب المقرّر في البلاغة في قول بشّار :

إنّ ذاك النجَاح في التبكير