116- وإن هذا المصير المؤلم لمن هم كذلك ، لأنهم أعداء الإسلام ، ومثله مثل من أشرك بالله ، وإن كل ذنب قابل للغفران إلا الشرك بالله ، وعبادة غيره ، ومعاندة رسوله في الحق ، فإن الله من شأنه المغفرة إلا أن يشرك به في عبادته ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وإن من يشرك بالله في عبادته وولائه فقد تاه عن الحق وبَعُدَ عنه كثيراً ، لأنه أفسد عقله ونفسه .
ويعلل النص هذا المصير البائس السيء ، بأن مغفرة الله - سبحانه - تتناول كل شيء . . إلا أن يشرك به . . فهذه لا مغفرة لمن مات عليها :
( إن الله لا يغفر أن يشرك به . ويغفر ما دون ذلك - لمن يشاء - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) . .
والشرك بالله - كما أسلفنا في هذا الجزء عند تفسير مثل هذه الآية من قبل - يتحقق باتخاذ آلهة مع الله اتخاذا صريحا على طريقه الجاهلية العربية وغيرها من الجاهليات القديمة - كما يتحقق بعدم إفراد الله بخصائص الألوهية ؛ والاعتراف لبعض البشر بهذه الخصائص . كإشراك اليهود والنصارى الذي حكاه القرآن من أنهم ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله ) ولم يكونوا عبدوهم مع الله . ولكن كانوا فقط اعترفوا لهم بحق التشريع لهم من دون الله . فحرموا عليهم وأحلوا لهم . فاتبعوهم في هذا . ومنحوهم خاصية من خصائص الألوهية ! فحق عليهم وصف الشرك . وقيل عنهم إنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد ( وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا ) . فيقيموا له وحده الشعائر ، ويتلقوا منه وحده الشرائع والأوامر .
ولا غفران لذنب الشرك - متى مات صاحبه عليه - بينما باب المغفرة مفتوح لكل ذنب سواه . . عندما يشاء الله . . والسبب في تعظيم جريمة الشرك ، وخروجها من دائرة المغفرة ، أن من يشرك بالله يخرج عن حدود الخير والصلاح تماما ؛ وتفسد كل فطرته بحيث لا تصلح أبدا :
( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا ) . .
ولو بقي خيط واحد صالح من خيوط الفطرة لشده إلى الشعور بوحدانية ربه ؛ ولو قبل الموت بساعة . . فأما وقد غرغر - وهو على الشرك - فقد انتهى أمره وحق عليه القول :
ثم أوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به ، وقد مضى تفسير مثل هذه الآية وما يتصل بها من المتعقد والبعد في صفة الضلال ، مقتض بعد الرجوع إلى المحجة البيضاء وتعذره{[4281]} وإن بقي غير مستحيل .
استئناف ابتدائي ، جعل تمهيداً لما بعده من وصف أحوال شركهم . وتعقيب الآية السابقة بهذه مشير إلى أنّ المراد باتّباع غير سبيل المؤمنين اتّباع سبيل الكفر من شرك وغيره ، فعقّبه بالتحذير من الشرك ، وأكّده بأنّ للدلالة على رفع احتمال المبالغة أو المجاز . وتقدّم القول في مثل هذه الآية قريباً . غير أنّ الآية السابقة قال فيها { ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } [ النساء : 48 ] وقال في هذه { فقد ضل ضلالاً بعيداً } وإنّما قال في السابقة { فقد افترى إثماً عظيماً } لأنّ المخاطب فيها أهل الكتاب بقوله : { يأيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم } [ النساء : 47 ] فنبّهوا على أنّ الشرك من قبيل الافتراء تحذيراً لهم من الافتراء وتفظيعاً لجنسه . وأمّا في هذه الآية فالكلام موجه إلى المسلمين فنبّهوا على أنّ الشرك من الضلال تحذيراً لهم من مشاقة الرسول وأحوال المنافقين فإنها من جنس الضلال . وأكِّدَ الخبر هنا بحرف ( قَدْ ) اهتماماً به لأنّ المواجه بالكلام هنا المؤمنون ، وهم لا يشكّون في تحقّق ذلك .
والبعيد أريد به القويّ في نوعه الذي لا يرجى لصاحبه اهتداء ، فاستعير له البعيد لأنّ البعيد يُقصي الكائن فيه عن الرجوع إلى حيث صدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.