المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

119- وإن قَسَمَه أن يضل الذين استهواهم بإبعادهم عن الحق ويثير أهواءهم وشهواتهم ، ويجعلهم يتيهون في أوهام وأمانٍ كاذبة يتمنونها ، وإذا صاروا بهذه الأهواء وتلك الأماني تحت سلطانه ، دفعهم إلى أمور غير معقولة ، وحملهم على أن يظنوها عبادة وهي أوهام كاذبة ، فوسوس لهم بأن يقطعوا آذان بعض الإبل ويُغَيِّروا خلق الله فيها ، وإن ما قطع أذنه لا يذبح ولا يعمل ولا يمنع من مرعى ، وكل ذلك بأوامره ، ثم يوسوس لهم بأنه دين ، وأنهم بهذا يتبعونه ، ويتخذونه نصيراً متبعاً من دون الله ، ومن يتخذه نصيراً متبعاً يخسر خسراناً واضحاً ، لأنه يضل عن الحقائق ويهمل عقله ، ويناله الفساد في الدنيا والعذاب في الآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

114

( وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً )

والذي صرح بنيته في إضلال فريق من أبناء آدم ، وتمنيتهم بالأمنيات الكاذبة في طريق الغواية ، من لذة كاذبة ، وسعادة موهومة ، ونجاة من الجزاء في نهاية المطاف ! كما صرح بنيته في أن يدفع بهم إلى أفعال قبيحة ، وشعائر سخيفة ، من نسج الأساطير . كتمزيق آذان بعض الأنعام ، ليصبح ركوبها بعد ذلك حراما ، أو أكلها حراما - دون أن يحرمها الله - ومن تغيير خلق الله وفطرته بقطع بعض أجزاء الجسد أو تغيير شكلها في الحيوان أو الإنسان ، كخصاء الرقيق ، ووشم الجلود . . وما إليها من التغيير والتشويه الذي حرمه الإسلام .

وشعور الإنسان بأن الشيطان - عدوه القديم - هو الذي يأمر بهذا الشرك وتوابعه من الشعائر الوثنية ، يثير في نفسه - على الأقل - الحذر من الفخ الذي نصبه العدو . وقد جعل الإسلام المعركة الرئيسية بين الإنسان والشيطان . ووجه قوى المؤمن كلها لكفاح الشيطان والشر الذي ينشئه في الأرض ؛ والوقوف تحت راية الله وحزبه ، في مواجهة الشيطان وحزبه : وهي معركة دائمة لا تضع أوزارها . لأن الشيطان لا يمل هذه الحرب التي أعلنها منذ لعنه وطرده . والمؤمن لا يغفل عنها ، ولا ينسحب منها . وهو يعلم أنه إما أن يكون وليا لله ، وإما أن يكون وليا للشيطان ؛ وليس هنالك وسط . . والشيطان يتمثل في نفسه وما يبثه في النفس من شهوات ونزوات ؛ ويتمثل في أتباعه من المشركين وأهل الشر عامة . والمسلم يكافحه في ذات نفسه ، كما يكافحه في أتباعه . . معركة واحدة متصلة طوال الحياة .

ومن يجعل الله مولاه فهو ناج غانم . ومن يجعل الشيطان مولاه فهو خاسر هالك :

( ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينًا ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

قوله : { ولأضلنهم } معناه أصرفهم عن طريق الهدى ، { ولأمنينهم } لأسولن لهم .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وهذا لا ينحصر إلى نوع واحد من الأمنية ، لأن كل واحد في نفسه إنما تمنيه بقدر نصبته وقرائن حاله ، ومنه قوله عليه السلام : «إن الشيطان يقول لمن يركب ولا يذكر الله : تغن ، فإن لم يحسن قاله له تمن »{[4283]} ، واللامات كلها للقسم .

«والبتك » : القطع{[4284]} ، وكثر الفعل إذ القطع كثير على أنحاء مختلفة ، وإنما كنى عز وجل عن البحيرة والسائبة ونحوه مما كانوا يثبتون فيه حكماً ، بسبب آلهتهم وبغير ذلك{[4285]} ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء { ولآمرنهم } بغير ألف ، وقرأ أبيّ «وأضلهم وأمنيهم وآمرهم » .

واختلف في معنى «تغيير خلق الله » ، فقال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم : أراد : يغيرون دين الله وذهبوا في ذلك إلى الاحتجاج بقوله تعالى : { فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله }{[4286]} أي لدين الله ، والتبديل يقع موضعه التغيير ، وإن كان التغيير أعم منه ، وقالت فرقة : «تغيير خلق الله » هو أن الله تعالى خلق الشمس والنار والحجارة وغيرها من المخلوقات ليعتبر بها وينتفع بها ، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة ، وقال ابن عباس أيضاً وأنس وعكرمة وأبو صالح : من تغيير خلق الله الإخصاء ، والآية إشارة إلى إخصاء البهائم وما شاكله ، فهي عندهم أشياء ممنوعة ، ورخص في إحصار البهائم جماعة إذا قصدت به المنفعة ، إما السمن أو غيره ، ورخصها عمر بن عبد العزيز في الخيل ، وقال ابن مسعود والحسن : هي إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن ، فمن ذلك الحديث : «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والموشمات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق الله »{[4287]} ومنه قوله عليه السلام ، «لعن الله الواصلة والمستوصلة »{[4288]} وملاك تفسير هذه الآية : أن كل تغيير ضار فهو في الآية ، وكل تغيير نافع فهو مباح ، ولما ذكر الله تعالى عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره ، حذره تبارك وتعالى عباده ، بأن شرط لمن يتخذه ولياً جزاء الخسران ، وتصور الخسران إنما هو بأن أخذ هذا المتخذ حظ الشيطان ، فكأنه أعطى حظ الله تبارك وتعالى فيه وتركه من أجله .


[4283]:- لم نعثر على هذا الحديث فيما لدينا من المراجع.
[4284]:- ومنه سيف باتك، أي: قاطع. يقال: بتَكه وبتّكه مخففا ومشددا، وفي يده بِتكة، أي: قطعة، والجمع: بِتك- قال زهير: حتى إذا ما هوت كف الوليد لها طارت وفي كفه من ريشها بتك.
[4285]:- كانوا يشقون أذني الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وجاء الخامس ذكرا، ويحرمون على أنفسهم الانتفاع بها، ولا يمنعونها من مرعى ولا ماء، وقد حرّم الإسلام ذلك، وسيأتي تفسير أوضح له عند قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة}.
[4286]:- من الآية (30) من سورة (الروم).
[4287]:- أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود، وأخرجه مسلم عن عبد الله. والوشم: غرز الجلد بإبرة، ثم ذر النيلج عليه حتى يزرق أثره، ومعنى: تنمصت المرأة: نتفت شعر جبينها بخيط، والمرأة المتفلجة: هي التي تفرق بين أسنانها للزينة.
[4288]:- أخرج أحمد، والبخاري، ومسلم عن عائشة أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت، فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة)- (الدر المنثور) والواصلة: هي التي تضيف إلى شعرها شعرا آخر فيكثر به، والمستوصلة: هي التي تستدعي من يفعل ذلك بها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

معنى { ولأضِلَّنَّهم } إضلالهم عن الحق . ومعنى : { ولأمنّينَّهم } لأعدنَّهم مواعيد كاذبة ، ألقيها في نفوسهم ، تجعلهم يتمنّون ، أي يقدّرون غير الواقع واقعاً ، أغراقاً ، في الخيال ، ليستعين بذلك على تهوين انتشار الضلالات بينهم . يقال : منَّاه ، إذا وعده المواعيد الباطلة ، وأطمعه في وقوع ما يحبّه ممّا لا يقع ، قال كعب :

فلا يغرنك ما منّت وما وعدت

ومِنه سمّي بالتمنّي طلبُ ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر .

ومعنى : { ولآمرنّهم فليبتْكن آذان الأنعام } أي آمرنّهم بأن يبتّكوا آذان الأنعام فليبتّكنها ، أي يأمرهم فيجدهم ممتثلين ، فحذف مفعول أمَرَ استغناء عنه بما رُتّب عليه . والتبتيك : القطع . قال تأبّط شراً :

ويجعلُ عينيه رَبيئَةَ قلبه *** إلى سَلّةٍ من حدّ أخلَقَ باتك

وقد ذكر هنا شيئاً ممّا يأمر به الشيطان ممّا يخصّ أحوال العرب ، إذ كانوا يقطعون آذان الأنعام التي يجعلونها لطواغيتهم ، علامة على أنّها محرّرة للأصنام ، فكانوا يشقّون آذان البحيرة والسائبة والوصيلة ، فكان هذا الشقّ من عمل الشيطان ، إذ كان الباعثُ عليه غرضاً شيطانياً .

وقوله : { ولآمرنّهم فليغيرنّ خلق الله } تعريض بما كانت تفعله أهل الجاهلية من تغيير خلق الله لدواع سخيفة ، فمن ذلك ما يرجع إلى شرائع الأصنام مثل فقء عين الحامي ، وهو البعير الذي حمَى ظهرَه من الركوب لكثرة ما أنْسَل ، ويسيّب للطواغِيت . ومنه ما يرجع إلى أغراض ذميمة كالوشْم إذ أرادوا به التزيّن ، وهو تشويه ، وكذلك وسم الوجوه بالنار .

ويدخل في معنى تغيير خلق الله وضع المخلوقات في غير ما خلقها الله له ، وذلك من الضلالات الخرافية . كجعل الكواكب آلهة . وجعل الكسوفات والخسوفات دلائل على أحوال الناس ، ويدخل فيه تسويل الإعراض عن دين الإسلام ، الذي هو دين الفطرة ، والفطرة خلق الله ؛ فالعدول عن الإسلام إلى غيره تغيير لخلق الله .

وليس من تغيير خلق الله التصرّف في المخلوقات بما أذن الله فيه ولا ما يدخل في معنى الحسن ؛ فإنّ الختان من تغيير خلق الله ولكنّه لفوائد صحيّة ، وكذلك حَلق الشعر لفائدة دفع بعض الأضرار ، وتقليمُ الأظفار لفائدة تيسير العمل بالأيدي ، وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزيّن ، وأمّا ما ورد في السنّة من لعن الواصلات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن فممّا أشكل تأويله .

وأحسب تأويله أنّ الغرض منه النهي عن سمات كانت تعدّ من سمات العواهر في ذلك العهد ، أو من سمات المشركات ، وإلاّ فلو فرضنا هذه مَنهيّاً عنها لَما بلغ النهي إلى حدّ لَعن فاعلات ذلك . وملاك الأمر أن تغيير خلق الله إنّما يكون إنما إذا كان فيه حظّ من طاعة الشيطان ، بأن يجعل علامة لِنحلة شيطانية ، كما هو سياق الآية واتّصال الحديث بها . وقد أوضحنا ذلك في كتابي المسمّى : « النظر الفسيح على مشكل الجامع الصحيح » .

وجملة { ومن يتّخذ الشيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً } تذييل دالّ على أنّ ما دعاهم إليه الشيطان : من تبتيك آذان الأنعام ، وتغيير خلق الله ، إنّما دعاهم إليه لما يقتضيه من الدلالة على استشعارهم بشعاره ، والتديّن بدعوته ، وإلاّ فإنّ الشيطان لا ينفعه أن يبتّك أحد أذن ناقته ، أو أن يغيّر شيئاً من خلقته ، إلاّ إذا كان ذلك للتأثّر بدعوته .