المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

12- وسخرنا لسليمان الريح ، جريها في أول النهار يعدل السير العادي شهرا ، وجريها في آخر النهار يعدل السير شهراً وأسلْنا له معدن النحاس يجرى غزيرا مستمرا ، وسخرنا له من الجن من يعمل أمامه بتسخير ربه ، ومن ينحرف من الجن عن أمرنا لهم بطاعة سليمان نُذقه من عذاب النار المستعرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

10

ذلك ما آتاه الله داود - عليه السلام - فأما سليمان فقد آتاه الله أفضالاُ أخرى :

( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، وأسلنا له عين القطر ، ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه . ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب . وقدور راسيات . اعملوا آل داود شكراً . وقليل من عبادي الشكور ) .

وتسخير الريح لسليمان تتكاثر حوله الروايات ، وتبدو ظلال الإسرائيليات واضحة في تلك الروايات - وإن تكن كتب اليهود الأصلية لم تذكر شيئا عنها - والتحرج من الخوض في تلك الروايات أولى . والاكتفاء بالنص القرآني أسلم . مع الوقوف به عند ظاهر اللفظ لا نتعداه . ومنه يستفاد أن الله سخر الريح لسليمان ، وجعل غدوها أي توجهها غادية إلى بقعة معينة [ ذكر في سورة الأنبياء أنها الأرض المقدسة ] يستغرق شهراً ، ورواحها أي انعكاس اتجاهها في الرواح يستغرق شهراً كذلك . وفق مصلحة تحصل من غدوها ورواحها ، يدركها سليمان - عليه السلام - ويحققها بأمر الله . . ولا نملك أن نزيد هذا إيضاحاً حتى لا ندخل في أساطير لا ضابط لها ولا تحقيق .

( وأسلنا له عين القطر ) . .

والقطر النحاس . وسياق الآيات يشير إلى أن هذا كان معجزة خارقة كإلانة الحديد لداود . وقد يكون ذلك بأن فجر الله له عيناً بركانية من النحاس المذاب من الأرض . أو بأن ألهمه الله إذابة النحاس حتى يسيل ويصبح قابلاً للصب والطرق . وهو فضل من الله كبير .

( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) . .

وكذلك سخر له طائفة من الجن يعملون بأمره بإذن ربه . والجن كل مستور لا يراه البشر . وهناك خلق سماهم الله الجن ولا نعرف نحن من أمرهم شيئاً إلا ما ذكره الله عنهم . وهو يذكر هنا أن الله سخر طائفة منهم لنبيه سليمان - عليه السلام - فمن عصى منهم ناله عذاب الله :

( ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ) . .

ولعل هذا التعقيب - قبل الانتهاء من قصة التسخير - يذكر على هذا النحو لبيان خضوع الجن لله . وكان بعض المشركين يعبدهم من دون الله . وهم مثلهم معرضون للعقاب عندما يزيغون عن أمر الله .

وهم مسخرون لسليمان - عليه السلام - :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

قال الحسن : عقر سليمان الخيل أسفاً على ما فوتته من فضل وقت صلاة العصر فأبدله الله تعالى خيراً منها وأسرع الريح تجري بأمره{[9611]} ، وقرأ جمهور القراء «الريحَ » بالنصب على معنى ولسليمان سخرنا الريح ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والأعرج «الريحُ » بالرفع على تقديره تسخرت الريح أو على الابتداء والخبر في المجرور ، وذلك على حذف مضاف تقديره ولسليمان تسخير الريح ، وقرأ الحسن «ولسليمان تسخير الرياح » وكذلك جمع في كل القرآن ، وقوله تعالى : { غدوها شهر ورواحها شهر } قال قتادة معناه أنها كانت تقطع به في الغدو إلى قرب الزوال مسيرة وتقطع به في الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر ، فروي عن الحسن البصري أنه قال كان يخرج من الشام من مستقره بتدمر التي بنتها له الجن بالصفاح والعمد فَيقيل في اصطخر ويروح منها فيبيت في كابل من أرض خراسان ونحو هذا ، وكانت الأعصار تقل بساطه وتحمله بعد ذلك الرخاء ، وكان هذا البساط من خشب يحمل فيما روي أربعة آلاف فارس وما يشبهها من الرجال والعدد ويتسع بهم ، وروي أكثر من هذا بكثير ولكن عدم صحته مع بعد شبهه أوجب اختصاره .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الجيوش أربعة آلاف »{[9612]} وما كان سليمان ليعدو الخير ، وقرأ ابن أبي عبلة «غدوتها شهر وروحتها شهر »{[9613]} وكان إذا أراد قوماً لم يشعروا به حتى يظلمهم في جو السماء ، وقوله تعالى : { وأسلنا له عين القطر } ، روي عن ابن عباس وقتادة أنه كانت تسيل له باليمن عين جارية من نحاس يصنع له منها جميع ما أحب ، و { القطر } : النحاس ، وقالت فرقة { القطر } الفلز كله النحاس والحديد وما جرى مجراه ، كان يسيل له منه عيون ، وقالت فرقة بل معنى { أسلنا له عين القطر } أذبنا له النحاس عن نحو ما كان الحديد يلين لداود ، قالوا وكانت الأعمال تتأتى منه لسليمان وهو بارد دون نار ، و { عين } على هذا التأويل بمعنى الذات ، وقالوا لم يلن النحاس ولاذاب لأحد قبله ، وقوله { من يعمل } يحتمل أن { من } تكون في موضع نصب على الاتباع لما تقدم بإضمار فعل تقديره وسخرنا من الجن من يعمل ، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على الابتداء والخبر في المجرور ، و { يزغ } معناه يمل أي ينحرف عاصياً ، وقال { عن أمرنا } يقل عن إرادتنا لأنه لا يقع في العالم شيء يخالف الإرادة ، ويقع ما يخالف الأمر ، قال الضحاك وفي مصحف عبد الله «ومن يزغ عن أمرنا » بغير { منهم } ، وقوله تعالى : { من عذاب السعير } قيل عذاب الآخرة ، وقيل بل كان قد وكل بهم ملك وبيده سوط من نار السعير ، فمن عصى ضربه فأحرقه به .


[9611]:في بعض النسخ "الريح يأمره".
[9612]:أخرجه أبو داود في الجهاد، وكذلك ابن ماجه، وأخرجه الدارمي في السير، ولفظه كما في سنن الدارمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خير الأصحاب أربعة، وخير الجيوش أربعة آلاف، وخير السريا أربعمائة، وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة).
[9613]:على وزن(فعلة)، وهي المرة الواحدة من(غدا) و(راح).