المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

100- وكما تذبذبوا في العقيدة والإيمان ، تذبذبوا كذلك فيما يبرمونه من عهود ، فكانوا كلما عاهدوا المسلمين وغيرهم عهداً نبذه فريق منهم . لأن معظمهم لا يؤمن بحرمة عهد ولا بقداسة ميثاق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

75

ثم يلتفت إلى المسلمين - وإلى الناس عامة - منددا بهؤلاء اليهود ، كاشفا عن سمة من سماتهم الوبيئة . . إنهم جماعة مفككة الأهواء - رغم تعصبها الذميم - فهم لا يجتمعون على رأي ، ولا يثبتون على عهد ، ولا يستمسكون بعروة . ومع أنهم متعصبون لأنفسهم وجنسهم ، يكرهون أن يمنح الله شيئا من فضله لسواهم ، إلا أنهم - مع هذا - لا يستمسكون بوحدة ، ولا يحفظ بعضهم عهد بعض ، وما من عهد يقطعونه على أنفسهم حتى تند منهم فرقة فتنقض ما أبرموا ، وتخرج على ما أجمعوا :

( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ؟ بل أكثرهم لا يؤمنون ) . .

وقد أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل ، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد ، وأخيرا نبذ فريق منهم عهدهم الذي أبرموه مع النبي [ ص ] أول مقدمه إلى المدينة ؛ وهو العهد الذي وادعهم فيه بشروط معينة ، بينما كانوا هم أول من أعان عليه أعداءه ؛ وأول من عاب دينة ، وحاول بث الفرقة والفتنة في الصف المسلم ، مخالفين ما عاهدوا المسلمين عليه . .

وبئس هي من خلة في اليهود ! تقابلها في المسلمين خلة أخرى على النقيض ، يعلنها رسول الله [ ص ] في قوله " المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم " . . يسعى بذمتهم أدناهم ، فلا يخيس أحد بعهده إذا عاهد ، ولا ينقض أحد عقده إذا أبرم ، ولقد كتب أبو عبيدة - رضي الله عنه - وهو قائد لجيش عمر - رضي الله عنه - وهو الخليفة يقول : إن عبدا أمن أهل بلد بالعراق . وسأله رأيه . فكتب إليه عمر : إن الله عظم الوفاء ، فلا تكونون أوفياء حتى تفوا . . فوفوا لهم وانصرفوا عنهم . . وهذه سمة الجماعة الكريمة المتماسكة المستقيمة . وذلك فرق ما بين أخلاق اليهود الفاسقين وأخلاق المسلمين الصادقين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

{ أو كلما عاهدوا عهدا } الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا ، وقرئ بسكون الواو على أن التقدير إلا الذين فسقوا ، { أو كلما عاهدوا } ، وقرئ " عوهدوا " و " عهدوا " { نبذه فريق منهم } نقضه ، وأصل النبذ الطرح ، لكنه يغلب فيما ينسى ، وإنما قال فريق لأن بعضهم لم ينقض { بل أكثرهم لا يؤمنون } رد لما يتوهم من أن الفريق هم الأقلون ، أو أن من لم ينبذ جهارا فهم مؤمنون به خفاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ( 100 )

قال سيبويه : الواو واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام( {[1006]} ) ، وقال الأخفش : هي زائدة ، وقال الكسائي : هي «أو » وفتحت تسهيلاً ، وقرأها قوم «أوْ » ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل( {[1007]} ) ، وكما يقول القائل : لأضربنك فيقول المجيب : أوْ يكفي الله( {[1008]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا كله متكلف ، واو في هذا المثل متمكنة في التقسيم ، والصحيح قول سيبويه وقرىء «عهدوا عهداً » وقرأ الحسن وأبو رجاء «عوهدوا » و { عهداً } مصدر ، وقيل : مفعول بمعنى أعطوا عهداً ، والنبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه النبيذ والمنبوذ ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ويقع على اليسير والكثير من الجمع ، ولذلك فسرت كثرة النابذين بقوله : { بل أكثرهم } لما احتمل الفريق أن يكون الأقل( {[1009]} ) ، و { لا يؤمنون } في هذا التأويل حال من الضمير في { أكثرهم } ، ويحتمل الضمير العود على الفريق ، ويحتمل العود على جميع بني إسرائيل وهو أذم( {[1010]} ) لهم ، والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي مصحف ابن مسعود «نقضه فريق »( {[1011]} ) .


[1006]:- أي كما دخلت على الفاء في نحو: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)، وعلى ثم في نحو: (أثم إذا ما وقع) الآية. والتقدير هنا: (أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا؟) الخ، أو (أينكرون فسقهم وكلما عاهدوا عهدا؟) الخ. والاستفهام إنكاري. وهذا هو الصحيح في مثل هذا التركيب.
[1007]:- دل على كونها بمعنى (بل) ما بعدها، وهو قوله تعالى: (بل أكثرهم لا يؤمنون)، ترقيا إلا الأغلظ فالأغلظ.
[1008]:- يأتي على الأثر أن أو في هذا المثال متمكنة في التقسيم وهو كذلك، فهي ليست كما في الآية، والله أعلم.
[1009]:- يعني أن الفريق يقع على القليل والكثير، ولما احتمل أن يكون النابذون للعهد أقلية بين ذلك بقوله تعالى: [بل أكثرهم لا يؤمنون]، فكان النابذون للعهد هم الأكثر، وكان النقض لعهد الله كفرا.
[1010]:- أي أشد وأكثر ذما لهم، من عوده على الفريق.
[1011]:- هي قراءة مخالفة لسواد المصحف، فالأولى حملها على التفسير. قاله أبو (ح).