المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158)

158- وكما أن الله رفع شأن الكعبة بجعلها قبلة الصلاة ، رفع أمر الجبلين اللذين يُشَارِفانِهَا وهما «الصفا » «والمروة » فجعلهما من مناسك الحج ، فيجب بعد الطواف السعي بينهما سبع مرات ، وقد كان منكم من يرى في ذلك حرجاً لأنه من عمل الجاهلية ، ولكن الحق أنه من معالم الإسلام ، فلا حرج على من ينوى الحج أو العمرة أن يسعى بين هذين الجبلين ، وليأت المؤمن من الخير ما استطاع فإن الله عليم بعمله ومثيبه عليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158)

158

( إن الصفا والمروة من شعائر الله ، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) . .

هناك عدة روايات عن سبب نزول هذه الآية ، أقربها إلى المنطق النفسي المستفاد من طبيعة التصور الذي أنشأه الإسلام في نفوس المجموعة السابقة إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار . . الرواية التي تقول : إن بعض المسلمين تحرجوا من الطواف بالصفا والمروة في الحج والعمرة ، بسبب أنهم كانوا يسعون بين هذين الجبلين في الجاهلية ، وأنه كان فوقهما صنمان هما أساف ونائلة . فكره المسلمون أن يطوفوا كما كانوا يطوفون في الجاهلية .

قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عاصم بن سليمان : قال سألت أنسا عن الصفا والمروة قال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية . فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) . . وقال الشعبي : كان أساف على الصفا ، وكانت نائلة على المروة ، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية .

ولم يرد تحديد لتاريخ نزول هذه الآية . والأرجح أنها نزلت متأخرة عن الآيات الخاصة بتحويل القبلة . ومع أن مكة قد أصبحت دار حرب بالنسبة للمسلمين ، فإنه لا يبعد أن بعض المسلمين كانوا يتمكنون أفرادا من الحج ومن العمرة . وهؤلاء هم الذين تحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة . . وكان هذا التحرج ثمرة التعليم الطويل ، ووضوح التصور الإيماني في نفوسهم ، هذا الوضوح الذي يجعلهم يتحرزون ويتوجسون من كل أمر كانوا يزاولونه في الجاهلية . إذ أصبحت نفوسهم من الحساسية في هذه الناحية بحيث تفزع من كل ما كان في الجاهلية ، وتتوجس أن يكون منهيا عنه في الإسلام . الأمر الذي ظهر بوضوح في مناسبات كثيرة . .

كانت الدعوة الجديدة قد هزت أرواحهم هزا وتغلغلت فيها إلى الأعماق ، فأحدثت فيها انقلابا نفسيا وشعوريا كاملا ، حتى لينظرون بجفوة وتحرز إلى ماضيهم في الجاهلية ؛ ويحسون أن هذا شطر من حياتهم قد انفصلوا عنه انفصالا كاملا ، فلم يعد منهم ، ولم يعودوا منه ؛ وعاد دنسا ورجسا يتحرزون من الإلمام به !

وإن المتابع لسيرة هذه الفترة الأخيرة في حياة القوم ليحس بقوة أثر هذه العقيدة العجيب في تلك النفوس . يحس التغير الكامل في تصورهم للحياة . حتى لكأن الرسول [ ص ] قد أمسك بهذه النفوس فهزها هزة نفضت عنها كل رواسبها ، وأعادت تأليف ذراتها على نسق جديد ؛ كما تصنع الهزة الكهربية في تأليف ذرات الأجسام على نسق آخر غير الذي كان !

وهذا هو الإسلام . . هذا هو : انسلاخا كاملا عن كل ما في الجاهلية ، وتحرجا بالغا من كل أمر من أمور الجاهلية ، وحذرا دائما من كل شعور وكل حركة كانت النفس تأتيها في الجاهلية . حتى يخلص القلب للتصور الجديد بكل ما يقتضيه . . فلما أن تم هذا في نفوس الجماعة المسلمة أخذ الإسلام يقرر ما يريد الإبقاء عليه من الشعائر الأولى ، مما لا يرى فيه بأسا . ولكن يربطه بعروة الإسلام بعد أن نزعه وقطعه عن أصله الجاهلي . فإذا أتاه المسلم فلا يأتيه لأنه كان يفعله في الجاهلية ؛ ولكن لأنه شعيرة جديدة من شعائر الإسلام ، تستمد أصلها من الإسلام .

وهنا نجد مثالا من هذا المنهج التربوي العميق . إذ يبدأ القرآن بتقرير أن الصفا والمروة من شعائر الله :

( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) . .

فإذا أطوف بهما مطوف ، فإنما يؤدي شعيرة من شعائر الله ؛ وإنما يقصد بالطواف بينهما إلى الله . ولقد انقطع ما بين هذا الطواف الجديد وطواف الجاهلية الموروث ؛ وتعلق الأمر بالله - سبحانه - لا بأساف ونائلة وغيرهما من أصنام الجاهلية !

ومن ثم فلا حرج ولا تأثم . فالأمر غير الأمر ، والاتجاه غير الاتجاه :

( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . .

وقد أقر الإسلام معظم شعائر الحج التي كان العرب يؤدونها ، ونفى كل ما يمت إلى الأوثان وإلى أوهام الجاهلية ، وربط الشعائر التي أقرها بالتصور الإسلامي الجديد ، بوصفها شعائر إبراهيم التي علمه ربه إياها ]وسيأتي تفصيل هذا عند الكلام على فريضة الحج في موضعه من سياق السورة[ . . فأما العمرة فكالحج في شعائرها فيما عدا الوقوف بعرفة دون توقيت بمواقيت الحج . وفي كلا الحج والعمرة جعل الطواف بين الصفا المروة من شعائرهما .

ثم يختم الآية بتحسين التطوع بالخير إطلاقا :

( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) . .

فيلمح إلى أن هذا الطواف من الخير ، وبذلك ينفي من النفوس كل حرج ، ويطيب القلوب بهذه الشعائر ، ويطمئنها على أن الله يعدها خيرا ، ويجازي عليها بالخير . وهو يعلم ما تنطوي عليه القلوب من نية وشعور .

ولا بد أن نقف لحظة أمام ذلك التعبير الموحي : ( فإن الله شاكر . . . ) . . إن المعنى المقصود أن الله يرضى عن ذلك الخير ويثيب عليه . ولكن كلمة( شاكر ) تلقي ظلالا ندية وراء هذا المعنى المجرد . تلقي ظلال الرضى الكامل ، حتى لكأنه الشكر من الرب للعبد . ومن ثم توحي بالأدب الواجب من العبد مع الرب . فإذا كان الرب يشكر لعبده الخير ، فماذا يصنع العبد ليوفي الرب حقه من الشكر والحمد ؟ ؟ تلك ظلال التعبير القرآني التي تلمس الحس بكل ما فيها من الندى والرفق والجمال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158)

{ إن الصفا والمروة } هما علما جبلين بمكة . { من شعائر الله } من أعلام مناسكه ، جمع شعيرة وهي العلامة { فمن حج البيت أو اعتمر } الحج لغة القصد ، والاعتمار الزيارة . فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين . { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } كان إساف على الصفا ونائلة على المروة ، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما . فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك فنزلت . والإجماع على أنه مشروع في الحج والعمرة ، وإنما الخلاف في وجوبه . فعن أحمد أنه سنة ، وبه قال أنس وابن عباس رضي الله عنهم لقوله : { فلا جناح عليه } فإنه يفهم منه التخيير وهو ضعيف ، لأن نفي الجناح يدل على الجواز الداخل في معنى الوجوب ، فلا يدفعه . وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه واجب ، يجبر بالدم . وعن مالك والشافعي رحمهما الله أنه ركن لقوله عليه الصلاة والسلام : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " . { ومن تطوع خيرا } أي فعل طاعة فرضا كان أو نفلا ، أو زاد على ما فرض الله عليه من حج أو عمرة ، أو طواف أو تطوع بالسعي إن قلنا إنه سنة . و{ خيرا } نصب على أنه صفة مصدر محذوف ، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه ، أو بتعدية الفعل لتضمنه معنى أتى أو فعل . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ، وأصله يتطوع فأدغم مثل يطوف { فإن الله شاكر عليم } مثيب على الطاعة لا تخفى عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158)

إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ( 158 )

{ الصفا والمروة } : جبيلان بمكة ، و { الصفا } جمع صفاة ، وقيل : هو اسم مفرد جمعه صفى وأصفاء ، وهي الصخرة العظيمة ، قال الراجز : [ الرجز ] ( {[1442]} )

مواقعُ الطَّيرِ على الصَّفى . . . وقيل : من شروط الصفا البياض والصلابة ، و { المروة } واحدة المرو ، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين ، ومنه قول الذي أصاب شاته الموت من الصحابة «فذكيتها بمروة »( {[1443]} ) ، ومنه قيل الأمين : «اخرجني إلى أخي فإن قتلني فمروة كسرت مروة ، وصمصامة قطعت صمصامة »( {[1444]} ) ، وقد قيل في المرو : إنها الصلاب . قال الشاعر( {[1445]} ) : [ الوافر ]

وَتَوَلَّى الأَرْضَ خِفّاً ذَابِلاً . . . فإذَا ما صَادَفَ الْمَرْوَ رَضَخْ

والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى( {[1446]} ) وترق حاشيته ، وفي هذا يقال المرو أكثر ، وقد يقال في الصليب ، وتأمل قول أبي ذؤيب : [ الكامل ]

حتى كأني للحوادث مروة . . . بصفا المشقر كل يوم تقرع( {[1447]} )

وجبيل { الصفا } بمكة صليب ، وجبيل { المروة } إلى اللين ماهق( {[1448]} ) ، فبذلك سميا ، قال قوم : ذكر { الصفا } لأن آدم وقف عليه ، ووقفت حواء على المروة فانثت لذلك .

وقال الشعبي : «كان على الصفا صنم يدعى إسافاً ، وعلى المروة صنم يدعى نائلة » ، فاطرَد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر ، و { من شعائر الله } معناه من معالمه ومواضع عبادته( {[1449]} ) ، وهي جمع شعيرة أو شعارة ، وقال مجاهد : ذلك راجع إلى القول ، أي مما أشعركم الله بفضله ، مأخوذ من تشعرت إذا تحسست( {[1450]} ) ، وشعرت مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد من الثياب ، والشعار مأخوذ من الشعر ، ومن هذه اللفظة هو الشاعر( {[1451]} ) : و { حج } معناه قصد وتكرر ، ومنه قول الشاعر( {[1452]} ) : [ الطويل ]

وأَشْهَدُ مِنْ عوفٍ حلولاً كثيرةً . . . يحجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا

ومنه قول الآخر( {[1453]} ) : [ البسيط ]

يحج مأمومةً في قَعْرِها لجفُ . . . و { اعتمر } زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع ، وال { جناح } الإثم والميل عن الحق والطاعة ، ومن اللفظة الجناح لأنه في شق ، ومنه قيل للخباء جناح لتمايله وكونه كذي أجنحة ، ومنه : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها }( {[1454]} ) [ الأنفال : 61 ] ، و { يطوف } أصله يتطوف( {[1455]} ) سكنت التاء وأدغمت في الطاء .

وقرأ أبو السمال «أن يطاف » وأصله يطتوف تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فجاء يطتاف أدغمت التاء بعد الإسكان في الطاء على مذهب من أجاز إدغام الثاني في الأول ، كما جاء في مدكر ، ومن لم يجز ذلك قال قلبت طاء ثم أدغمت الطاء في الطاء ، وفي هذا نظر لأن الأصلي أدغم في الزائد وذلك ضعيف( {[1456]} ) .

وروي عن ابن عباس وأنس بن مالك وشهر بن حوشب أنهم قرؤوا «أن لا يتطوف » وكذلك في مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب «أن لا يطوف »( {[1457]} ) ، قيل : «أن لا يطوف » بضم الطاء وسكون الواو( {[1458]} ) .

وقوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما .

وقوله { فلا جناح } ليس المقصد منه إباحة الطواف لمن شاء ، لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم ، وإنما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج ، وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب ، واختلف في كيفية ذلك( {[1459]} ) فروي أن الجن كانت تعرف وتطوف بينهما في الجاهلية فكانت طائفة من تهامة لا تطوف بينهما في الجاهلية لذلك ، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف( {[1460]} ) .

وروي عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك في الأنصار وذلك أنهم كانوا يهلون لمناة التي كانت بالمشلل حذو قديد ويعظمونها فكانوا لا يطوفون بين إساف ونائلة إجلالاً لتلك ، فلما جاء الإسلام تحرجوا فنزلت هذه الآية( {[1461]} ) ، وروي عن الشعبي أن العرب التي كانت تطوف هنالك كانت تعتقد ذلك السعي إجلالاً لإساف ونائلة ، وكان الساعي يتمسح بإساف فإذا بلغ المروة تمسح بنائلة وكذلك حتى تتم أشواطه ، فلما جاء الإسلام كرهوا السعي هنالك إذ كان بسبب الصنمين( {[1462]} ) .

واختلف العلماء في السعي بين الصفا والمروة( {[1463]} ) فمذهب مالك والشافعي أن ذلك فرض ركن من أركان الحج لا يجزي تاركه أو ناسيه إلا العودة ، ومذهب الثوري وأصحاب الرأي أن الدم يجزيء تاركه وإن عاد فحسن ، فهو عندهم ندب ، وروي عن أبي حنيفة : إن ترك أكثر من ثلاثة أشواط فعليه دم ، وإن ترك ثلاثة فأقل فعليه لكل شوط إطعام مسكين ، وقال عطاء ليس على تاركه شيء لا دم ولا غيره ، واحتج عطاء بما في مصحف ابن مسعود «أن لا يطوف بهما » وهي قراءة خالفت مصاحف الإسلام ، وقد أنكرتها عائشة رضي الله عنها في قولها( {[1464]} ) لعروة حين قال لها «أرأيت قول الله : { فلا جناح أن يطوف بهما } ؟ فما نرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما » قالت : «يا عروة( {[1465]} ) كلا لو كان ذلك لقال : فلا جناح عليه ألا يطوف بها » .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وأيضاً فإن ما في مصحف ابن مسعود يرجع إلى معنى أن يطوف وتكون «لا » زائدة صلة في الكلام( {[1466]} ) ، كقوله { ما منعك ألا تسجد } [ الأعراف : 12 ] ، وكقول الشاعر( {[1467]} ) : [ البسيط ]

ما كان يرضى رسولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ . . . والطِّيبانِ أبو بَكْرٍ ولا عمرُ

أي وعمر وكقول الآخر( {[1468]} ) : [ الرجز ]

وما ألومُ البِيضَ أَنْ لا تَسْخَرَا . . . ومذهب مالك وأصحابه في العمرة أنها سنة إلا ابن حبيب فإنه قال بوجوبها ، وقرأ قوم من السبعة وغيرهم «ومن يطوع » بالياء من تحت على الاستقبال والشرط ، والجواب في قوله { فإن } ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم «تطوع » على بابه في المضي ، ف { من } على هذه القراءة بمعنى الذي ، ودخلت الفاء في قوله { فإن } للإبهام الذي في { من } ، حكاه مكي ، وقال أبو علي : يحتمل «تطوع » أن يكون في موضع جزم و { من } شرطية ، ويحتمل أن تكون { من } بمعنى الذي والفعل صلة لا موضع له من الإعراب ، والفاء مؤذنة أن الثاني وجب لوجوب الأول ، ومن قال بوجوب السعي قال : معنى { تطوع } أي زاد براً بعد الواجب ، فجعله عاماً في الأعمال ، وقال بعضهم : معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة ، ومن لم يوجب السعي قال : المعنى من تطوع بالسعي بينهما ، وفي قراءة ابن مسعود «فمن تطوع بخير » ومعنى { شاكر } أي يبذل الثواب والجزاء( {[1469]} ) ، { عليم } بالنيات والأعمال لا يضيع معه لعامل بر ولا غيره عمل .


[1442]:- هو الأخيل الطائي أبو المقدام بن عبيد بن الأعثم بن قيس – وأول الرجز: كأن مَتْنِيَّ مِنَ النَّفي... مَوَاقِع الطَّير على الصُّفِيِّ... مِن طول إشرافي على الطّويّ. والنفي: ما تطاير من الماء عند الرشاء على ظهر الماتح – شبه الماء وقد وقع على متن المُسْتَقِي بِذرْق الطائر على الصفي، جمع صفا.
[1443]:- أي بحجارة رقيقة حادّة كالسكين. ومعنى ذكّيتها: ذبحتها - قال تعالى - : [وما أكل السّبع إلا ماذكّيتم].
[1444]:- في تاريخ الخلفاء للسيوطي: أسند الصولي أن الأمين قال لكاتبه: اكتب: من عبد الله محمد أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين، سلام عليك، أما بعد، فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلى هتك الستور، وكشف الحرم، ولست آمنا أن يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد لشتات أُلْفَتِنَا، واختلاف كلمتنا، وقد رضيت أن تكتب لي أمانا لأخرج إلى أخي، فإن تفضل عليّ فأهل لذلك، وإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، ولأن يفترسني السبع أحب إلي من أن ينبحني الكلب ا. هـ.
[1445]:- هو الأعشى قيس بن ميمون، يصف ناقته بالقوة على السير، وفي رواية: وتولّى الأرض خُفّا مُجْمَراً ويقال: أجمر الرجل أو البعير أسرع في السير – وروي أيضا: خُفًّا زائلا. ورضح معناه: دقَّ وكسر، ويقال: رضحه رضحا: دقّه بحجر وكسره، فهو مرضوح ورضيح. يقال: رضح الحصى والنوى.
[1446]:- أي يتطاير شظايا، والشظيّة الفلقة من الشيء.
[1447]:- المُشَقَّر: موضع ببلاد العرب، أو حصن عظيم لعبد قيس، ويروى: بصفا المشرق، وهو سوق بالطائف أو مسجد الحيف بمنى، وخصّه لكثرة مرور الناس به، فهم يقرعون حجارته عند مرورهم.
[1448]:- أبيض اللون.
[1449]:- يعني أنهما من مناسك الحج. قال (ح): وليس الجبلان لذاتهما من شعائر الله، بل ذلك على حذف مضاف، أي أن طواف الصفا والمروة، ومعنى من شعائر الله: معالمه، وإذا قلنا: معنى من شعائر الله: من مواضع عبادته فلا يحتاج إلى حذف مضاف في الأول، بل يكون ذلك في الجر. (البحر المحيط 1-456).
[1450]:- يقال: تحسّست الشيء إذا تطلبته. ورجل حسّاس للأخبار كثير العلم بها.
[1451]:- لأنه مأخوذ من شعرت إذا فطنت وعلمت – لفطنته وعلمه، ومن ثم كان من شروط الشعر القصد، فإذا لم يقصده فكأنه لم يشعر به.
[1452]:- هو المخبل السعدي، وفي رواية بدل (بيت) سِبَّ – والسِّبُّ بالكسر العمامة، والمراد أنهم يترددون إليه مرة بعد أخرى لسؤْدده، والحُلول: جمع حالٍّ بمعنى الجموع الكثيرة.
[1453]:- هو عذار بن درة الطائي، ونص البيت: يحجّ مأمُومةً في قعْرهَـا لَجَــفٌ فاسْتُ الطَّبِيبِ قَذَاها كَالمَغَـاريــدِ جمع مغرود.
[1454]:- من الآية (61) من سورة (الأنفال).
[1455]:- ومثله قراءة (يطَّوع) على أنه فعل مستقبل.
[1456]:- على هذا اقتصر أبو حيان رحمه الله وهو الظاهر.
[1457]:- خرجت هذه القراءة على زيادة (لا)، نحو قوله تعالى: [ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك] قال (ح) رحمه الله: ولا يلزم أن تكون زائدة لأن رفع الجناح في فعل الشيء هو رفع في تركه إذ هو تخيير بين الفعل والترك نحو قوله تعالى: [فلا جناح عليهما أن يتراجعا] فعلى هذا تكون (لا) نافية، وتكون قراءة الجمهور فيها رفع الجناح في فعل الطواف نصّا، وفي هذه رفع الجناح في ترك الطواف نصّا، وكلتا القراءتين تدل على التخيير بين الفعل والترك. انتهى. البحر المحيط 1-407،406.
[1458]:- عبارة (ح): وقرأ أبو حمزة: (أنْ يطوف بهما) من طاف يطوف وهي قراءة ظاهرة.
[1459]:- يعني أنه اختلف في كيفية التحرج لاختلاف الروايات، ومجموعها يدل على أن طوائف من العرب تحرَّجوا من السعي بين الصفا والمروة لعدة أسباب فنزلت الآية فيهم كلهم والله أعلم.
[1460]:- رواه السدي كما للواحدي في أسباب النزول.
[1461]:- رواه البخاري ومسلم. وحَذْو: إزاء ومقابل – وقُدَيْد: موضع على الطريق من مكة إلى المدينة.
[1462]:- أقرب الروايات هي التي تقول: إن سبب التحرج هو ما كان في الجاهلية من السعي بينهما لوجود صنمين عليهما فكرهوا أن يطوفوا كما كانوا في الجاهلية، وذلك ما رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك.
[1463]:- قوله تعالى: [فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما] كلام يعطي معنى الإذن، وأما كونه واجبا فمأخوذ من قوله تعالى: [إن الصفا والمروة من شعائر الله] أو من دليل آخر فيكون التنبيه هنا على مجرد الإذن الذي يلزم الواجب من جهة مجرد الإقدام مع قطع النظر عن جواز الترك أو عدمه، مثال ذلك أن يجاب سائل فاتته الظهر مثلا وظن أنه لا يجوز قضاؤها عند الغروب فقيل له: لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت، فالغرض إجابته بمقدار ما يدفع شبهته لا بيان أًصل وجوب الظهر عليه، فرفْعُ الجناح راجع إلى التحرج من الطواف بهما لمكان إسافٍ ونائلة، لا إلى نفس الطواف بهما فإنه من شعائر الله، أي من مناسك الحج المقصودة. ولنا أن نحمله على خصوص السبب فيكون المراد منه الطلب والوجوب، ويكون قوله في الآية: [من شعائر الله] قرينة صارفة للفظ (لا جناح) عن مقتضاه في أًصل الوضع والله أعلم.
[1464]:- لفظ البخاري: عن عروة قال: سألت عائشة رض الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: [فلا جناح عليه أن يطوف بهما] فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة، قالت بيسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أوّلتها عليه – كانت: (لا جناح عليه ألا يطّوّف بهما)، ولكنها أنزلت في الأنصار. كانوا قبل أن يُسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهلّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: [إن الصفا والمروة من شعائر الله] الآية.
[1465]:- تصغير (عروة) للعطف والحنان.
[1466]:- قد لا يقول بذلك عطاء، فهي عنده نافية، ويدل لذلك ما قالته عائشة رضي الله عنها حيث قالت لعروة: لو كانت الآية كما أوّلتها لكانت (ألا يطّوّف بهما).
[1467]:- هو جرير بن عطية. وقد تقدم.
[1468]:- هو أبو النجم العجلي وقد تقدم هذا الرجز وتمامه: ....................... لَمّأ رَأَيْنَ الشَّمَطَ القَفَنْـــدَراَ
[1469]:- يعني أن وصفه تعالى بذلك من باب المجاز والتوسع لأن الله هو المنعم، ولا نعمة لأحد عليه.