الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158)

قوله : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ) [ 157 ] .

إلى قوله : ( لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) [ 163 ] .

الصفا والمروة جبلان متحاذيان( {[4908]} ) بمكة معروفان ، ولذلك دخلت الألف واللام فيهما للتعريف( {[4909]} ) .

وجمع الصَّفَا أَصْفَاء كَرَحَا وأَرْحَاء . ويجوز في جمعه : صُفِيٌّ وصِفِيٌّ( {[4910]} ) ، كَعَصَا وَعُصِيُّ وعِصِيٌّ( {[4911]} ) .

وجمع مَرْوَة مَرْو [ كَتَمْرَةٍ وَثَمْرٍ ]( {[4912]} ) ، وإن شئت مَرَوَاتٍ كَتَمَرَاتٍ( {[4913]} ) .

والصفا في اللغة الحجارة الصلبة التي لا تنبت شيئاً( {[4914]} ) .

والمروة الحصاة الصغيرة .

وقوله : ( مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ) .

أي : من معالم الله التي جعلها لعباده( {[4915]} ) مشعراً يعبدونه عندها إما بالدعاء وإما بالصلاة ، وإما بأداء ما افترض عليهم من العمل عندهما .

وقيل : شعائر الله( {[4916]} ) من أعلام الله التي تدل على طاعته من موقف ومشعر ومذبح ، والواحدة شعيرة من " شَعَرْتُ بِهِ " ( {[4917]} ) .

وكان مجاهد يرى أن الشعائر( {[4918]} ) جمع شعيرة من إشعار الله تعالى عباده ما يجب عليهم من طاعته ، قال : " أَشْعَرْتُهُ بِكَذَا " ، أي : أعلمته به( {[4919]} ) . وقال الطبري( {[4920]} ) : " إنما أعلم الله عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر( {[4921]} ) الحج التي سنّها الله تعالى لهم ، وأمر بها خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ( {[4922]} ) سأله أن يريه مناسك الحج ، وهو [ خبر يراد به ]( {[4923]} ) الأمر لأن الله سبحانه قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين باتباع ملة إبراهيم( {[4924]} ) .

ثم قال : ( فَمَن حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَّطَّوَّفَ بِهِمَا ) [ 157 ] .

هذه الآية نزلت في سبب أقوام( {[4925]} ) من المؤمنين قالوا في سبب أصنام كانوا يطوفون بها في الجاهلية قبل الإسلام تعظيماً لها : كيف [ نطوف بها ، وقد ]( {[4926]} ) علمنا أن تعظيم( {[4927]} ) الأصنام وجميع ما كانوا يعبدون من دون( {[4928]} ) الله( {[4929]} ) عز وجل/شرك بالله سبحانه ؟ فلا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله عز وجل . فأنزل الله تعالى في ذلك ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَّطَّوَّفَ بِهِمَا ) من أول الآية( {[4930]} ) .

والجناح الإثم ، مأخوذ من قولهم : " جَنَحَ عَلَيْهِ " إذا مال ، و( {[4931]} ) " جَنَحَ عَنِ الحَقّ " إذا مال عنه( {[4932]} ) . ومنه سمي جناح الطائر لأنه مائل في ناحية ، وقوله ( وَاضْمُمِ اِلَيْكَ جَنَاحَكَ )( {[4933]} ) : معناه يدك لأنها( {[4934]} ) في موضع الجناح( {[4935]} ) . والهاء في ( عَلَيْهِ ) تعود على ( مَنْ ) . و " من " تصلح للحاج أو( {[4936]} ) المعتمر .

قال السدي : " ليس عليه إثم ، ولكن له أجر " ( {[4937]} ) .

قال الشعبي( {[4938]} ) : " كان على الصفا في الجاهلية صنَم يسمى " إِسافٌ " ، وعلى( {[4939]} ) المروة وثن( {[4940]} ) يسمى " نَائِلَةٌ " ، فكانوا في الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوَثنَين . فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام امتنع المسلمون من الطواف بالصفا/والمروة لأجل الصنمين ، فأنزل الله عز وجل ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ ) الآية( {[4941]} ) .

وذُكر الصفا لأن الصنم/الذي كان عليه مذكر –يعني إسافاً( {[4942]} )- وأُنِثَ المروة لأن الوثن التي كانت عليه مؤنثة –يعني( {[4943]} ) نائلة( {[4944]} )- .

وقال أنس بن( {[4945]} ) مالك : " كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة لأنهما من شعائر الجاهلية حتى نزلت هذه الآية " ( {[4946]} ) .

وقال عروة : " قلت لعائشة رضي الله عنها –وأنا يومئذ حديث السن- : أرأيت قول الله عز وجل : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَّطَّوَّفَ بِهِمَا ) ، فما أُرى على أحد شيئاً أن لا يطوف( {[4947]} ) بهما " . قالت عائشة : كلا ، لو كانت كما تقول كانت : " فلا جناح عليه ألا( {[4948]} ) يطوف بهما " إنما نزلت هذه الآية في الأنصار ؛ كانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد( {[4949]} ) ، وكانوا يتحرجون أن( {[4950]} ) يطوفوا بين الصفا والمروة . فلما جاء الإسلام ، سألوا [ رسول الله( {[4951]} ) ] صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله [ جل ذكره( {[4952]} ) ] : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ ) الآية( {[4953]} ) . وهو قول مجاهد وابن زيد( {[4954]} ) .

وعن ابن عباس أنه( {[4955]} ) قال : " كان في الجاهلية شياطين تعزف( {[4956]} ) الليل بين الصفا والمروة ، وكانت بينهما آلهة . فلما جاء الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله : لا نطوف( {[4957]} ) بين الصفا والمروة فإنه شرك/كنا نضعه في الجاهلية ، فأنزل الله : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَّطَّوَّفَ بِهِمَا ) " ( {[4958]} ) .

وقال قتادة : " كان حي تهامة في الجاهلية لا يسعون بين الصفا والمروة ، فأخبرهم الله عز وجل أن الصفا والمروة من شعائر الله( {[4959]} ) " .

والحج في اللغة القصد . يقال : " حججت إليه " بمعنى قصدت/إليه( {[4960]} ) . وقيل : الحج التكرر في الإتيان مرة بعد مرة . فمن أكثر الاختلاف إلى شيء فهو حاج . فعلى هذا إنما قيل للحجاج حاج لأنه يتكرر إلى البيت وقت الدخول ووقت الإفاضة وفي غير ذلك( {[4961]} ) .

وقيل للمعتمر معتمر ، لأنه إذا طاف انصرف بعد زيارته . فمعنى الاعتمار الزيارة ، وكل من زار إنساناً( {[4962]} ) فهو له معتمر ، يقال : " اعْتَمَرْتُ فُلاَناً " ، أي : قصدته( {[4963]} ) .

والطواف بين الصفا والمروة عند مالك والشافعي فرض ؛ فمن نسي ذلك رجع وسعى ، وإن بَعُد ، فإن كان قد أصاب النساء ، فعليه عمرة وهدي مع تمام سعيه إذا رجع( {[4964]} ) . ومذهب الثوري وأبي حنيفة( {[4965]} ) وأبي يوسف( {[4966]} ) أن يجزيه دم إن نسي السعي بينهما ، ولا عودة عليه إلا أن يشاء ذلك( {[4967]} ) .

وقال عطاء : " هو تطوع ولا شيء عليه إذا نسي ذلك " . واحتج بأن في( {[4968]} ) قراءة ابن عباس : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَّطَّوَّفَ بِهِمَا )( {[4969]} ) . وكذلك هي في مصحف ابن( {[4970]} ) مسعود( {[4971]} ) .

وكذلك روي عن أنس بن( {[4972]} ) مالك أنه قال : " هو تطوع " ( {[4973]} ) . وروي ذلك عن مجاهد( {[4974]} ) .

والعمل على القول الأول الأول لإجماع المصاحف المعمول عليها ، المجتمع على ما فيها من إسقاط " لا " منها كلها( {[4975]} ) . وإيجابها عن ابن عباس أشهر وأوضح( {[4976]} ) . والإسناد عن أنس ضعيف( {[4977]} ) .

وجميع من( {[4978]} ) قرأ على مجاهد من الأئمة المشهورين لم ينقل عنه إلا بغير " لا " . وقد روى جابر عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[4979]} ) أنه( {[4980]} ) : " لَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا فِي حَجَّتِهِ قَالَ : " إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ ، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ " ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى( {[4981]} ) عَلَيْهِ " ( {[4982]} ) .

ثم قال : ( وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) [ 157 ] . أي : شاكر( {[4983]} ) له على تطوعه ، عليم بما تطوع .

وقال ابن زيد : " معناه : فمن تطوع خيراً فاعتمر ، فإن الله شاكر عليم ، والعمرة/تطوع ، والحج فرض " ( {[4984]} ) .


[4908]:- في ع3: متحديان. وهو تحريف.
[4909]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/225.
[4910]:- في ع1، ع2، ق، ع3: صيفي.
[4911]:- انظر: اللسان 2/455. وقوله: "وعصي" ساقط من ع3.
[4912]:- في ق، ع3: كثمرة وثمر.
[4913]:- في ع3: كثمرات.
[4914]:- انظر: اللسان 2/455.
[4915]:- في ع2: العبادة. وهو تحريف.
[4916]:- سقط من ق.
[4917]:- وهو قول أبي عبيدة. انظر: مجاز القرآن 1/62.
[4918]:- في ع3: الشاعر. وهو تحريف.
[4919]:- انظر: جامع البيان 3/227.
[4920]:- المصدر السابق.
[4921]:- في ق: مشاعر الله.
[4922]:- في ع2، ع3: إذا.
[4923]:- في ق: خير يراد بها. وهو تحريف.
[4924]:- وذلك في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) [النحل: 123].
[4925]:- في ع2: أقوم.
[4926]:- في ق: نطرف بها قد.
[4927]:- في ع3: تعظيماً. وهو تحريف.
[4928]:- سقط "من دون" من ع2، ع3.
[4929]:- سقط لفظ الجلالة من ق.
[4930]:- انظر: معاني الفراء 1/95، وأسباب النزول 47، ولباب النقول 30-31.
[4931]:- سقط من ق.
[4932]:- في ع3: منه.
[4933]:- القصص آية 32.
[4934]:- في ع2، ق: لأنه.
[4935]:- مفردات الراغب 98، واللسان 1/511.
[4936]:- في ع3: و.
[4937]:- انظر: جامع البيان 3/231.
[4938]:- في ع3: الشافعي.
[4939]:- سقط من ع3.
[4940]:- في ق، ع3: صنم.
[4941]:- انظر: أسباب النزول 47-48، والمحرر الوجيز 2/25، وتفسير القرطبي 2/179، وتفسير ابن كثير 1/199.
[4942]:- في ع2، ق: إساف.
[4943]:- في ق: به.
[4944]:- انظر: تفسير القرطبي 2/179. وهذا قول أبي عامر في جامع البيان 3/232.
[4945]:- في ع3: ابن. وهو خطأ.
[4946]:- انظر: تفسير الثوري 53، وأسباب النزول 48، وأحكام ابن العربي 1/46، وتفسير القرطبي 2/178.
[4947]:- في ع1: تطوف. وهو تصحيف.
[4948]:- في ق: أن.
[4949]:- سقطت كلمة (حذو) من الأصل، وما أثبت من صحيح البخاري. المدقق.
[4950]:- في ع3: أو. وهو تحريف.
[4951]:- في ع3: النبي.
[4952]:- في ع3: عز وجل.
[4953]:- انظر: صحيح البخاري 5/153، وسنن أبي داود 2/182، وأسباب النزول 147، وأحكام ابن العربي 1/46-47، ولباب النقول 30-31.
[4954]:- انظر: جامع البيان 3/335، والدر المنثور 1/385.
[4955]:- سقط من ع2، ع3.
[4956]:- في ق: تعرب. وفي ع3: تغرب.
[4957]:- في ع1: تطوف.
[4958]:- انظر: جامع البيان 3/234، والدر المنثور 1/385.
[4959]:- انظر: جامع البيان 3/236، والدر المنثور 1/386.
[4960]:- انظر: مفردات الراغب 106، وتفسير القرطبي 2/181، واللسان 1/569.
[4961]:- انظر: جامع البيان 3/228-229.
[4962]:- في ع3: إنسان. وهو خطأ.
[4963]:- انظر: غريب القرآن 33، واللسان 2/883.
[4964]:- انظر: الموطأ 1/374-375، والأم 2/178، وأحكام ابن العربي 1/48، والمحرر الوجيز 2/28.
[4965]:- هو النعمان بن ثابت الفارسي، أحد الأئمة الأربعة، فقيه مشهور، مناقبه كثيرة. روى عنه زفر وأبو يوسف ومحمد.(ت150هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 168-169، وتقريب التهذيب 2/303، والخلاصة 3/95، والطبقات السنية 1/86.
[4966]:- واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي، مجتهد، فقيه، حافظ. اختص بأبي حنيفة وسمع من عطاء بن السائب وطبقته، وروى عنه ابن حنبل وابن معين. (ت182هـ). انظر: طبقات ابن خياط 328، وتذكرة الحفاظ 292-294.
[4967]:- انظر: أحكام الجصاص 1/96، والمحرر الوجيز 2/28.
[4968]:- سقط من ع3.
[4969]:- انظر: معاني الفراء 1/95، وتفسير القرطبي 2/182. وتوجيه هذه القراءة عند ابن جني أن "لا" قد تكون زائدة كما في قوله تعالى: (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَاب أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّنْ فَضْلِ اللَّهِ..) [الحديد: 27] أي: لكي يعلم أهل الكتاب.." الآية. المحتسب 1/115-116.
[4970]:- في ع2: بن. وهو خطأ.
[4971]:- انظر: جامع البيان 3/241.
[4972]:- في ع3: ابن. وهو خطأ.
[4973]:- انظر: جامع البيان 3/242.
[4974]:- المصدر السابق.
[4975]:- انظر: هذا الحكم في جامع البيان 3/243-345، وتفسير القرطبي 2/182.
[4976]:- في ح: أصح.
[4977]:- وبه قال القرطبي. انظر: تفسيره 2/182.
[4978]:- في ع2: ما.
[4979]:- في ح: عليه السلام.
[4980]:- في ع2، ع3: أنه قال.
[4981]:- في ع3: ورقى.
[4982]:- انظر: الموطأ 1/372، ومسند الحميدي 2/533. وهو حسن صحيح عند الترمذي. انظر: سننه 3/216.
[4983]:- سقط قوله: "أي: شاكر" من ع2.
[4984]:- انظر: جامع البيان 3/248.