الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158)

قوله تعالى : { إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله }[ البقرة :158 ]

{ الصَّفَا } : جمع صَفَاةٍ ، وهي الصَّخْرة العَظيمة ، { والمَرْوَة } واحدةُ المَرْوِ ، وهي الحجارة الصِّغَار الَّتي فيها لِينٌ ، و{ مِن شَعَائِرِ الله } معناه : معالمه ، ومواضع عبادته ، وقال مجاهدٌ : ذلك راجعٌ إِلى القول ، أي : مما أشعركم اللَّه بفضله ، مأخوذٌ من شَعَرْتُ ، إِذا تحسَّست .

و{ حَجَّ } : معناه : قصد ، وتكرَّر ، و{ اعتمر } : زار وتكرَّر ، مأخوذٌ من عَمَرْتُ الموضعَ ، { والجُنَاحُ } الإِثمُ ، والمَيْلُ عن الحقِّ والطاعةِ ، ومن اللفظةِ الجناح لأنه في شِقٍّ ، ومنه : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا } [ الأنفال : 61 ] و{ يَطَّوَّفَ } أصله يتطوَّف ، فقوله : { إِنَّ الصفا والمروة . . . } الآيةَ ، خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما ، وقوله : { فَلاَ جُنَاحَ } ليس المقصودُ منه إباحة الطوافِ لمن شاءه ، لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيمُ ، وإِنما المقصودُ رفْعُ ما وقع في نفوسِ قومٍ من العربِ من أنَّ الطوَافَ بينهما فيه حرجٌ ، وإِعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غيرُ صوابٍ ، وفي " الصحيح " عن عائشَةَ - رضي اللَّه عنها أنَّ ذَلِكَ فِي الأنْصارِ .

ومذهبُ مالكٍ والشافعيِّ ، أنَّ السعْيَ بينهما فرضٌ ، لا يجزئ تاركه إِلاَّ العودة ، قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه » والدليلُ على ركنيَّته ما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ : ( إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيكُمُ السَّعْيَ ، فاسعوا ) ، صحَّحه الدارقطنيُّ ، ويعضِّده المعنى ، فإنه شعار أي : معلم لا يخلو عنه الحجُّ والعمرة ، فكان ركناً كالطواف ، انتهى .

{ وَمَن تَطَوَّعَ } أي : زاد بِرًّا بعد الواجبِ في جميع الأعمال ، وقال بعضهم معناه : من تطوَّع بحجٍّ أو عمرةٍ بعد حجَّةِ الفريضةِ ، ومعنى { شَاكِرٌ } ، أي : يبذل الثوابَ والجزاءَ ، { عَلِيمٌ } : بالنيات والأعمال ، لا يضيعُ معه لعاملٍ عَمَلٌ .