{ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان في لسانه لثغة ، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ، حين خُيّر بينها وبين التمرة أو الدرّة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، فحصل فيه شدة في التعبير ؛ ولهذا قال : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي . وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [ طه : 27 - 32 ] أي : يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد . ولهذا قال : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا [ يُصَدِّقُنِي ] }{[22314]} ، أي : وزيرًا ومعينًا ومقويًّا لأمري ، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل ؛ لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ؛ ولهذا قال : { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ } .
وقال محمد بن إسحاق : { رِدْءًا يُصَدِّقُنِي } أي : يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم [ عني ]{[22315]} .
{ وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا } معينا وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء ، وقرأ نافع " ردا " بالتخفيف { يصدقني } بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة . { إني أخاف أن يكذبون } ولساني لا يطاوعني عند المحاجة ، وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب ، وقرأ عاصم وحمزة { يصدقني } بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا} يعني: عونا لكي {يصدقني} وهارون يومئذ بمصر، لكي يصدقني فرعون {إني أخاف أن يكذبون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا، يقول: أحسن بيانا عما يريد أن يبينه "فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا "يقول: عونا. "يصدّقني": أي يبين لهم عني ما أخاطبهم به... وقيل: إنما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه، لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخبر، كانت النفس إلى تصديقهما أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد... وقال آخرون: معنى ذلك: كيما يصدقني... وقوله: "إنّي أخافُ أنْ يُكَذّبُونِ" يقول: إني أخاف أن لا يصدقون على قولي لهم إني أرسلت إليكم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: تصديق أخيه ما الفائدة فيه؟ قلت: ليس الغرض بتصديقه أن يقول له: صدقت، أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق، ويبسط القول فيه، ويجادل به الكفار، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة، فذلك جار مجرى التصديق المفيد، كما يصدّق القول بالبرهان. ألا ترى إلى قوله: «وَأَخِي هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِي»، وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك، لا لقوله: صدقت، فإنّ سحبان وباقلا يستويان فيه، أو يصل جناح كلامه بالبيان، حتى يصدّقه الذي يخاف تكذيبه، فأسند التصديق إلى هرون، لأنه السبب فيه إسناداً مجازياً. ومعنى الإسناد المجازي: أن التصديق حقيقة في المصدّق، فإسناده إليه حقيقة وليس في السبب تصديق، ولكن استعير له الإسناد لأنه لابس التصديق بالتسبب كما لابسه الفاعل بالمباشرة. والدليل على هذا الوجه قوله: {إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ}.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
الفصاحة: بسط اللسان في إيضاح المعنى المقصود، ومقابله: اللكن...
و {أفصح}: يدل على أنه فيه فصاحة، ولكن أخوه أفصح.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تسبب عن ذلك طلب الإعانة بشخص فيه كفاية وله عليه شفقة، وكان أخوه هارون أحق الناس بهذا الوصف، كان التقدير: فأرسل معي أخي هارون -إلى آخره، غير أنه قدم ذكره اهتماماً بشأنه فقال: {وأخي هارون} والظاهر أن واوه للحال من ضمير موسى عليه الصلاة والسلام، أو عاطفة على مقول القول، والمعنى أنه يخاف أن يفوت مقصود الرسالة إما بقتله أو لعدم بيانه، فاكتفى بالتلويح في الكفاية من الأول، لأنه لا طاقة لأحد غير الله بها، وصرح بما يكفي من الثاني، فكأن التقدير: إني أخاف أن يقتلون فيفوت المقصود، ولا يحمني من ذلك إلا أنت، وإن لساني فيه عقدة، وأخي- إلى آخره؛ وزاد في تعظيمه بضمير الفصل فقال: {هو أفصح مني لساناً} أي من جهة اللسان للعقدة التي كانت حصلت له من وضع الجمرة في فيه وهو طفل في كفالة فرعون {فأرسله} أي بسبب ذلك {معي ردءاً} أي معيناً، من ردأت فلاناً بكذا، أي جعلته له قوة وعاضداً، وردأت الحائط -إذا دعمته بخشب أو كبش يدفعه أن يسقط؛ وقراءة نافع بغير همز من الزيادة.
ولما كان له عليه من العطف والشفقة ما يقصر الوصف عنه، نبه على ذلك بإجابة السؤال بقوله: {يصدقني} أي بأن يلخص بفصاحته ما قتله وبينته، ويقيم الأدلة عليه حتى يصير كالشمس وضوحاً، فيكون- مع تصديقه لي بنفسه -سبباً في تصديق غيره لي... ثم علل سؤاله هذا، وبين أنه هو المراد، لا أن يقول له: صدقت، فإن قوله لهذه اللفظة لا تعلق له بالفصاحة حتى يكون سبباً للسؤال فيه، بقوله مؤكداً لأجل أن من كان رسولاً عن الله لا يظن به أن يخاف: {إني أخاف أن يكذبون}.
ولما كان ما رأى من الأفعال، وسمع من الأقوال، مقتضياً للأمن من أن يكذبوه، وكان عالماً بما هم عليه من القساوة والكبر، أشار إلى ذلك بالتأكيد، أي وإذا كذبوني عسرت عليّ المحاججة على ما هو عادة أهل الهمم عند تمالؤ الخصوم على العناد، والإرسال موجب لكلام كثير وحجاج طويل، وقريب من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى بإنذار قومه
" إذن يثلغوا رأسي فيجعلوه خبزة "وكأن مراد السادة القادة عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام الاستعلام عن الأمر هل يجري على العادة أو لا؟ فإن كان يجري على العادة وطنوا أنفسهم على الموت، وإلا ذكر لهم الأمر الخارق فيكون بشارة لهم، ليمضوا في الأمر على بصيرة، ويسيروا فيه على حسب ما يقتضيه من السيرة.
وكان بإمكان موسى أن يطلب من ربه أن يستعين بأخيه هارون، فيكون هارون من باطن موسى، لكنه أحب لأخيه أن يشاركه في رسالته، وأن ينال هذا الفضل وهذه الرفعة، فقال: {فأرسله معي ردءا يصدقني} يعني: معينا لي حتى لا يكذبني الناس، فيكون رسولا مثلي بتكليف من الله.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.