( وقالوا أآلهتنا خير أم هو ? )يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى " وإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هيناً ! " .
ولم يذكر صاحب الكشاف من أين استقى روايته هذه . وهي تتفق في عمومها مع رواية ابن إسحاق .
ومن كليهما يتضح الالتواء في الجدل ، والمراء في المناقشة . ويتضح ما يقرره القرآن عن طبيعة القوم وهو يقول : ( بل هم قوم خصمون ) . . ذوو لدد في الخصومة ومهارة . فهم يدركون من أول الأمر ما يقصد إليه القرآن الكريم وما يقصد إليه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيلوونه عن استقامته ، ويتلمسون شبهة في عموم اللفظ فيدخلون منها بهذه المماحكات الجدلية ، التي يغرم بمثلها كل من عدم الإخلاص ، وفقد الاستقامة يكابر في الحق ، ويعمد إلى شبهة في لفظ أو عبارة أو منفذ خلفي للحقيقة ! ومن ثم كان نهي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتشديده عن المراء ، الذي لا يقصد به وجه الحق ، إنما يراد به الغلبة من أي طريق .
قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن عبادة ، عن جعفر ، عن القاسم ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : إن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن . فغضب غضباً شديداً ، حتى كأنما صب على وجهه الخل . ثم قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض . فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل . ثم تلا [ صلى الله عليه وسلم ] ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) " . .
وهناك احتمال في تفسير قوله تعالى : ( وقالوا : أآلهتنا خير أم هو ? )يرشح له سياق الآيات في صدد أسطورتهم على الملائكة . وهو أنهم عنوا أن عبادتهم للملائكة خير من عبادة النصارى لعيسى ابن مريم . بما أن الملائكة أقرب في طبيعتهم وأقرب نسباً - حسب أسطورتهم - من الله سبحانه وتعالى عما يصفون . ويكون التعقيب بقوله تعالى : ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) . . يعني الرد على ابن الزبعري كما سبق . كما يعني أن ضربهم المثل بعبادة النصارى للمسيح باطل . فعمل النصارى ليس حجة لأنه انحراف عن التوحيد . كانحرافهم هم . فلا مجال للمفاضلة بين انحراف وانحراف . فكله ضلال . وقد أشار إلى هذا الوجه بعض المفسرين أيضاً . وهو قريب .
وقوله : { وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } : قال قتادة : يقولون : آلهتنا خير منه . وقال قتادة : قرأ ابن مسعود : " وقالوا أآلهتنا خير أم هذا " ، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقوله : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا } أي : مراء ، وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية ؛ لأنها لما لا يعقل ، وهي قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] . ثم هي خطاب لقريش ، وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد ، ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه ، فتعين أن مقالتهم إنما كانت جدلا منهم ، ليسوا يعتقدون صحتها .
وقد قال{[26099]} الإمام أحمد ، رحمه الله تعالى : حدثنا ابن نمير ، حدثنا حجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلا أورثوا الجدل " ، ثم تلا هذه الآية : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } .
وقد رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، من حديث حجاج بن دينار ، به{[26100]} . ثم قال الترمذي : حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديثه كذا قال .
وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة بزيادة فقال ابن أبي حاتم : حدثنا حميد بن عياش الرملي ، حدثنا مؤمَّل ، حدثنا حماد ، أخبرنا ابن مخزوم ، عن القاسم أبي عبد الرحمن الشامي ، عن أبي أمامة - قال حماد : لا أدري رفعه{[26101]} أم لا ؟ - قال : ما ضلت أمة بعد نبيها إلا كان أول ضلالها التكذيب بالقدر ، وما ضلت أمة بعد نبيها إلا أعطوا الجدل ، ثم قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } {[26102]}
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، عن عباد بن عباد ، عن جعفر ، عن القاسم {[26103]} ، عن أبي أمامة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن ، فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ، ثم قال : " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا{[26104]} الجدل " ، ثم تلا { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }{[26105]}
{ وقالوا أألهتنا خير أم هو } أي آلهتنا خير عندك أم عيسى عليه السلام فإن يكن في النار فلتكن معه ، أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى عليه السلام فإذا أجاز أن يعبد ويكون ابن الله آلهتنا أولى بذلك ، أو آلهتنا خير أم محمد صلى الله عليه وسلم فنعبده وندع آلهتنا . وقرأ الكوفيون " أآلهتنا " بتحقيق الهمزتين وألف بعدهما . { ما ضربوه لك إلا جدلا } ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل . { بل هم قوم خصمون } شداد الخصومة حراص على اللجاج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.