المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

48- وهو الذي سخر الرياح فتسوق السحب وتبشر الناس بالمطر الذي هو رحمة منه لهم ، ولقد أنزلنا من السماء ماء طاهراً مُطهراً مزيلا للأنجاس والأوساخ{[158]} .


[158]:{وأنزلنا من السماء ماء طهورا}: في هذه الآية الكريمة: يمن الله على البشر بإنزال الماء طاهرا إليهم من السماء، وتتضمن الآية الإشارة إلي أن ماء المطر عند بدء تكوينه يكون في أعلى درجات النقاء، وعلى الرغم من أن حمله بعد ذلك ما في الجو من أجسام وذرات فإنه يكون في أعلى درجات الطهارة.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

45

ثم ظاهرة الرياح المبشرة بالمطر وما يبثه من حياء :

وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ، وأنزلنا من السماء ماء طهورا ، لنحيي به بلدة ميتا ، ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا . .

والحياة على هذه الأرض كلها تعيش على ماء المطر إما مباشرة ، وإما بما ينشئه من جداول وأنهار على سطح الأرض . ومن ينابيع وعيون وآبار من المياه الجوفية المتسربة إلى باطن الأرض منه ، ولكن الذين يعيشون مباشرة على المطر هم الذين يدركون رحمة الله الممثلة فيه إدراكا صحيحا كاملا . وهم يتطلعون إليه شاعرين بأن حياتهم كلها متوقفة عليه ، وهم يترقبون الرياح التي يعرفونها تسوق السحب ، ويستبشرون بها ؛ ويحسون فيها رحمة الله - إن كانوا ممن شرح الله صدورهم للإيمان .

والتعبير يبرز معنى الطهارة والتطهير : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا )وهو بصدد ما في الماء من حياة . ( لنحيي به بلدة ميتا ، ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا )فيلقي على الحياة ظلا خاصا . ظل الطهارة . فالله سبحانه أراد الحياة طاهرة نقية وهو يغسل وجه الأرض بالماء الطهور الذي ينشى ء الحياة في الموات ويسقي الأناسي والأنعام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم ، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات ، أي : بمجيء السحاب بعدها ، والرياح أنواع ، في صفات كثيرة من التسخير ، فمنها ما يثير السحاب ، ومنها ما يحمله ، ومنها ما يسوقه ، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشِّرا ، ومنها ما يكون قبل ذلك يَقُمّ الأرض ، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر ؛ ولهذا قال : { وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } أي : آلة يتطهر بها ، كالسَّحُور والوقود{[21544]} وما جرى مجراه . فهذا أصح ما يقال في ذلك . وأما من قال : إنه فعول

بمعنى فاعل ، أو : إنه مبني للمبالغة أو التعدي ، فعلى كل منهما{[21545]} إشكالات من حيث اللغة والحكم ، ليس{[21546]} هذا موضع بسطها ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، حدثني حُمَيد الطويل ، عن ثابت البناني قال : دخلت مع أبي العالية في يوم مطير ، وطرق البصرة قذرة ، فصلى ، فقلت له ، فقال : { وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } قال : طهره ماء السماء .

وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا وُهَيب{[21547]} عن داود ، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : { وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [ قال : أنزله الله ماءً طاهراً ]{[21548]} لا ينجسه شيء .

وعن أبي سعيد قال : قيل : يا رسول الله ، أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ - وهي بئر يُلقَى فيها النَّتَن ، ولحوم الكلاب - فقال : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " رواه الشافعي ، وأحمد وصححه ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي{[21549]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا معتمر ، سمعت أبي يحدث عن سَيَّار ، عن خالد بن يزيد ، قال : كان عند عبد الملك بن مروان ، فذكروا الماء ، فقال خالد بن يزيد : منه من السماء ، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فَيُعْذِبه الرعد والبرق . فأما ما كان من البحر ، فلا يكون له نبات ، فأما النبات فمما كان من السماء .

وروي عن عكرمة قال : ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة . وقال غيره : في البر بُر ، وفي البحر دُرّ .


[21544]:- في أ : "والوجود".
[21545]:- في أ : "منها".
[21546]:- في ف ، أ : "وليس".
[21547]:- في أ : "وهب".
[21548]:- زيادة من ف ، أ.
[21549]:- الأم للشافعي (1/9) والمسند (3/15) وسنن أبي داود برقم (66) وسنن الترمذي برقم (66) وسنن النسائي (1/174).