فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا } جمع بشور ، وقرئ نشرا بالنون { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي متفرقة قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر ، وهذه استعارة مليحة ، والمراد بالرياح الجنس ، وهي الصبا والجنوب والشمال ، بخلاف الدبور ، فإنها ريح العذاب التي بها عاد . والشمال تأتي من ناحية الشام والجنوب تقابلها وهي اليمانية ، والصبا تأتي من مطلع الشمس وهي القبول أيضا ، والدبور تأتي من ناحية المغرب ، والريح مؤنثة على الأكثر فيقال هي الريح . وقد تذكر على معنى الهواء فيقال : هو الريح وهب الريح نقله أبو زيد وقال ابن الأنباري : إنها مؤنثة لا علامة فيها ، وكذلك سائر أسمائها إلا الإعصار فإنه مذكر ، قد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف .

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا } وصف الماء به إشعارا بالنعمة وتتيما للمنة بما بعده . فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته . وفيه تنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها ، فبواطنهم أولى بذلك ، قال الأزهري : الطهور في اللغة المطهر ، قال : وفعول في كلام العرب لمعان منها فعول لما يفعل به ، مثل الطهور لما يتطهر به ، والوضوء لما يتوضأ به قال ابن الأنباري : الطهور بفتح الطاء الاسم وكذلك الوضوء والوقود ، وبالضم المصدر ، هذا هو المعروف في اللغة ، وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهورة هو الطاهر المطهر ، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة ، ويدل له ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم أنه قال في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي . {[1323]}

وروي عن أبي حنيفة أنه قال : الطهور هو الطاهر . واستدل لذلك بقوله تعالى { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } يعني طاهرا وعلى كل حال فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره . قال الله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به } وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم { خلق الماء طهورا } وأخرج أهل السنن وأحمد وغيرهم من حديث أبي سعيد قال : قيل يا رسول الله أتتوضأ من بئر قضاعة ، وهي بئر تلقى فيه الحيض ولحوم الكلاب والنتن ، فقال : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " {[1324]} وفي إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفاه الحافظ بن حجر في التلخيص ، وتبعه الشوكاني في شرحه على المنتقى ،


[1323]:أبو داود كتاب الطهارة باب 41. الترمذي كتاب الطهارة 52 النسائي كتاب الطهارة باب 46.
[1324]:أبو داود كتاب الطهارة باب 34 ـ الإمام أحمد 3/ 31 ـ 4/17.