اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

قوله تعالى : { وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْرَا } الآية . هذا هو النوع الثالث ، وقد تقدم الكلام على نظيرتها في الأعراف{[36324]} . { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يعني : المطر ، { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً طَهُوراً } قال الزمخشري : فإن قلت : إنزال الماء موصوفاً بالطهارة وتعليله بالإحياء والسقي يؤذن بأن الطهارة شرط في صحة ذلك كما تقول : حملني الأمير على فرس جواد لأصيد عليه الوحش . قلت : لما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصف بالطهارة{[36325]} إكراماً لهم ، وتتميماً للمنّة عليهم{[36326]} .

وطهور : يجوز أن يكون صفة مبالغة منقولاً من ظاهر{[36327]} ، كقوله تعالى : «شَرَاباً طَهُوراً »{[36328]} ، وقال :

إلى رُجَّحِ الأَكْفَالِ غِيدٌ مِنَ الصِّبَا *** عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ{[36329]}

وأن يكون اسم ما يتطهر به{[36330]} كالسحور لما يتسحَّر به ، والفطور لما يتفطَّر به ، قال عليه السلام{[36331]} في البحر : «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ »{[36332]} أراد به المطهر ، فالماء مطهر ، لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة ، كما قال في آية أخرى { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [ الأنفال : 11 ] فثبت أن التطهير مختص بالماء{[36333]} .

( وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة كالخل وماء الورد ، والمرق ، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز رفع الحدث بها{[36334]} . وقال عليه السلام : «التّراب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج » ولو كان معنى الطهور هو الطاهر لكان معناه التراب طاهر للمسلم ، وحينئذ لا ينتظم الكلام ، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعاً »{[36335]} ولو كان الطهور هو الطاهر لكان معناه : طاهر{[36336]} إناء أحدكم ، وحينئذ لا ينتظم الكلام ){[36337]} {[36338]} .

ويجوز أن يكون مصدراً ك ( القبول والولوع ){[36339]} .


[36324]:عند قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} [الأعراف: 57].
[36325]:في الكشاف: وصفه بالطهور.
[36326]:الكشاف 3/100.
[36327]:انظر الكشاف 3/99، البحر المحيط 6/505.
[36328]:من قوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} [الإنسان: 21].
[36329]:البيت من بحر الطويل قاله جميل بن معمر، وهو في ديوانه (93) القرطبي 13/30، البحر المحيط 6/505، اللسان (رجح). رجح: جمع رجاح وراجح، وامرأة رجاح. ورجاح: ثقيلة العجيزة من نسوة رجح. الأكفال: جمع كفل، وهو العجز. غيد: جمع غيداء: وهي المرأة المتثنية من اللين، وقد تغايدت في مشيها. والشاهد فيه قوله: ظهور على وزن فعول. بفتح الفاء صفة مبالغة.
[36330]:انظر الكشاف 3/99، البحر المحيط 6/505.
[36331]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36332]:أخرجه ابن ماجه (صيد) 2/1081، ومالك في الموطأ (صيد) 2/495.
[36333]:انظر البغوي 6/8182.
[36334]:المرجع السابق.
[36335]:أخرجه مسلم (طهارة) 1/234، أبو داود (طهارة) 1/57، وأحمد 2/427، ولغ الكلب في الإناء يلغ ولوغا، أي شرب فيه بأطراف لسانه.
[36336]:في ب: طهروا.
[36337]:انظر الفخر الرازي 24/90.
[36338]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[36339]:عزاه أبو حيان وابن منظور إلى سيبويه. انظر البحر المحيط 6/505، اللسان (طهر).