الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

قرىء : «الريح » و «الرياح نشرا » : إحياء . ونشرا : جمع نشور ، وهي المحيية . ونشرا : تخفيف نشر ، وبشرا تخفيف بشر : جمع بشور وبشرى . و { بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } استعارة مليحة ، أي : قدام المطر { طَهُوراً } بليغاً في طهارته . وعن أحمد بن يحيى هو ما كان طاهراً في نفسه مطهراً لغيره ، فإن كان ما قاله شرحاً لبلاغته في الطهارة كان سديداً . ويعضده قوله تعالى : { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } [ الأنفال : 11 ] وإلاّ فليس «فعول » من التفعيل في شيء . والطهور على وجهين في العربية : صفة ، واسم غير صفة ؛ فالصفة قولك : ماء طهور ، كقولك : طاهر ، والاسم قولك لما يتطهر به : طهور ، كالوضوء والوقود ، لما يتوضأ به وتوقد به النار . وقولهم : تطهرت طهوراً حسناً ، كقولك : وضوءا حسناً ، ذكره سيبويه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة إلاّ بطهور " أي : طهارة .

فإن قلت : ما الذي يزيل عن الماء اسم الطهور ؟ قلت : تيقن مخالطة النجاسة أو غلبتها على الظنّ ، تغير أحد أوصافه الثلاثة أو لم يتغير . أو استعماله في البدن لأداء عبادة عند أبي حنيفة وعند مالك بن أنس رضي الله عنهما : ما لم يتغير أحد أوصافه فهو طهور .

فإن قلت : فما تقول في قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن بئر بضاعة فقال : " الماء طهور لا ينجسه شيء إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " ؟ قلت : قال الواقدي : كان بئر بضاعة طريقاً للماء إلى البساتين .