فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

{ وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } قرئ { الريح } ، وقرىء : { بشراً } بالباء الموحدة وبالنون . وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُوراً } أي يتطهر به كما يقال : وضوء للماء الذي يتوضأ به . قال الأزهري : الطهور في اللغة الطاهر المطهر ، والطهور ما يتطهر به . قال ابن الأنباري : الطهور بفتح الطاء الاسم ، وكذلك الوضوء والوقود ، وبالضم المصدر ، هذا هو المعروف في اللغة ؛ وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر ، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة . وروي عن أبي حنيفة أنه قال : الطهور هو الطاهر ، واستدل لذلك بقوله تعالى : { وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] يعني : طاهراً ، ومنه قول الشاعر :

خليليّ هل في نظرة بعد توبة *** أداوي بها قلبي عليّ فجور

إلى رجح الأكفال غيد من الظبي *** عذاب الثنايا ريقهنّ طهور

فوصف الريق بأنه طهور ، وليس بمطهر ، ورجح القول الأوّل ثعلب ، وهو راجح لما تقدّم من حكاية الأزهري لذلك عن أهل اللغة . وأما وصف الشاعر للريق بأنه طهور ، فهو على طريق المبالغة ، وعلى كل حال ، فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره ، قال الله تعالى : { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } [ الأنفال : 11 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«خلق الماء طهوراً » .

/خ54