المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

8- وإذا حضر قسمة التركة بعض الأقارب الذين لا يرثون من اليتامى والمساكين فأكرموهم بإعطائهم شيئاً من هذه التركة تطييباً لنفوسهم ، ونزعاً للحسد من قلوبهم ، ويحسن أن يشفع هذا العطاء بلين القول وحسن الاعتذار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

8

ما لكم فئتين في شأن المنافقين . والله أوقعهم فيما هم فيه بسبب سوء نيتهم وسوء عملهم ؟ وهي شهادة من الله حاسمة في أمرهم . بأنهم واقعون في السوء بما أضمروا وبما عملوا من سوء .

ثم استنكار آخر :

( أتريدون أن تهدوا من أضل الله ؟ ) . .

ولعله كان في قول الفريق . . المتسامح ! ! . . ما يشير إلى إعطائهم فرصة ليهتدوا ، ويتركوا اللجلجة ! فاستنكر الله هذا في شأن قوم استحقوا أن يوقعهم الله في شر أعمالهم وسوء مكاسبهم .

ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا . .

فإنما يضل الله الضالين . أي يمد لهم في الضلالة حين يتجهون هم بجهدهم ونيتهم إلى الضلالة . وعندئذ تغلق في وجوههم سبل الهداية ؛ بما بعدوا عنها ، وسلكوا غير طريقها ؛ ونبذوا العون والهدى ، وتنكروا لمعالم الطريق !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

وقوله : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا ]{[6647]} } قيل : المراد : وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث واليتامى والمساكين فَلْيَرْضَخْ لهم من التركة نصيب ، وأن ذلك كان واجبا في ابتداء الإسلام . وقيل : يستحب{[6648]} واختلفوا : هل هو منسوخ أم لا ؟ على قولين ، فقال البخاري : حدثنا أحمد بن حُمَيد أخبرنا عُبَيدُ الله{[6649]} الأشجعي ، عن سُفْيان ، عن الشَّيْباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } قال : هي مُحْكَمَة ، وليست بمنسوخة . تابعه سَعيد عن ابن عباس .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا عَبَّاد بن العَوَّام ، عن الحجاج ، عن الحَكَم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس قال : هي قائمة يعمل بها .

وقال الثوري ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد في هذه الآية ، قال : هي واجبة على أهل الميراث ، ما طابت به أنفسهم . وهكذا روي عن ابن مسعود ، وأبي موسى ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وأبي العالية ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، وسعيد بن جُبَير ، ومكحول ، وإبراهيم النَّخَعي ، وعطاء بن أبي رباح ، والزهري ، ويحيى بن يَعْمَرَ : إنها واجبة .

وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ ، عن يونس بن عُبَيد ، عن محمد بن سيرين قال : ولي عبيدة وصية ، فأمر بشاة فذبحت ، فأطعم أصحاب هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي .

وقال مالك ، فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع ، عن الزهري : أن عروة أعْطى من مال مصعب حين قسم ماله . وقال الزهري : وهي محكمة .

وقال مالك ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد قال : هو حق واجب ما طابت به الأنفس .

ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم :

قال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جُرَيج{[6650]} أخبرني ابن أبي مُلَيكة : أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، والقاسم بن محمد أخبراه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حَية قالا فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه . قالا وتلا { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى } قال القاسم : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أصاب ، ليس ذلك له ، إنما ذلك إلى الوصية ، وإنما هذه الآية في الوصية يزيد الميت [ أن ]{[6651]} يوصي لهم . رواه ابن أبي حاتم{[6652]} .

ذكر من قال : إن هذه الآية منسوخة بالكلية :

قال سفيان الثوري ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } قال : منسوخة .

وقال إسماعيل بن مسلم المكي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال في هذه الآية : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى } نسختها الآية التي بعدها : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ }

وقال العَوْفي ، عن ابن عَبَّاس في هذه الآية : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى } كان ذلك قبل أن تَنزل{[6653]} الفرائض ، فأنزل الله بعد ذلك الفرائض ، فأعطى كل ذي حق حقه ، فجعلت الصدقة فيما سَمى المتوفى . رواهن ابن مَرْدُويه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن{[6654]} بن محمد بن الصبَّاح ، حدثنا حَجَّاج ، عن ابن جُرَيج وعثمان بن عطاء عن عَطاء ، عن ابن عباس قوله : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } نسختها آية الميراث ، فجعل لكل إنسان نصيبه مما تَرك الوالدان والأقربون - مما قل منه أو كثر - [ نصيبا مفروضا ]{[6655]}

وحدثنا أسيد بن عاصم ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن همام ، حدثنا{[6656]} قتادة ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : إنها منسوخة ، كانت قبل الفرائض ، كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حَضروا القسمة ، ثم نسخ بعد ذلك ، نسختها المواريث ، فألحق الله بكل ذي حَق حقه ، وصارت الوصية من ماله ، يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء .

وقال مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : هي منسوخة ، نسختها المواريث والوصية .

وهكذا روي عن عكرمة ، وأبي الشعثاء ، والقاسم بن محمد ، وأبي صالح ، وأبي مالك ، وزيد ابن أسلم ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حَيَّان ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن : أنهم قالوا : إنها{[6657]} منسوخة . وهذا مذهب جُمْهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم .

وقد اختار ابن جرير هاهنا قولا غريبا جدًا ، وحاصله : أن معنى الآية عنده { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } أي : وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ } لليتامى والمساكين إذا حضروا { قَوْلا مَعْرُوفًا } هذا مضمون ما حاوله بعد طُول العبارة والتكرار ، وفيه نظر ، والله أعلم .

وقد قال العَوْفي عن ابن عباس : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } وهي قسمة الميراث . وهكذا قال غير واحد ، والمعنى على هذا لا على ما سلكه أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، بل المعنى : أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يَرثون ، واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل ، فإن أنفسهم تتوق{[6658]} إلى شيء منه ، إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهذا يأخذ ، وهم يائسون لا شيء يعطون ، فأمر الله تعالى - وهو الرءوف الرحيم - أن يُرضَخ لهم شيء من الوسَط يكون برا بهم{[6659]} وصدقة عليهم ، وإحسانا إليهم ، وجبرا لكسرهم . كما قال الله تعالى : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ]وذم الذين ينقلون المال{[6660]} خفية ؛ خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة ، كما أخبر عن أصحاب الجنة { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [ القلم : 17 ]أي : بليل . وقال : { فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ . أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ } [ القلم : 23 ، 24 ]{ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ]فمن جَحَد حق الله عليه عاقبه{[6661]} في أعز ما يملكه ؛ ولهذا جاء في الحديث : " ما خالطت الصَّدَقَةُ مالا إلا أفسدته " {[6662]} أي : منعها يكون سبب محاق ذلك المال بالكلية .


[6647]:زيادة من جـ، ر، أ، وفي الأصل: "الآية".
[6648]:في أ: "مستحب".
[6649]:في أ: "عبد الله".
[6650]:في أ: "ابن جرير".
[6651]:زيادة من أ.
[6652]:ورواه الطبري في تفسيره (8/10، 11) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة به.
[6653]:في جـ، أ: "ينزل".
[6654]:في جـ، أ: "الحسين".
[6655]:زيادة من جـ، أ.
[6656]:في جـ، أ: "عن".
[6657]:في أ: "هي".
[6658]:في جـ، ر، أ: "تتشوق".
[6659]:في أ: "لهم".
[6660]:في جـ: "يشتغلون بالمال"، وفي ر، أ: "يستغلون المال".
[6661]:في أ: "عاقبه الله".
[6662]:رواه البزار في مسنده برقم (881) "كشف الأستار" من حديث عائشة، وقال الهيثمي في المجمع (3/64): "فيه عثمان الجمحي قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به".