المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

28- ليعلم الله - وعلمه كائن ومحيط - أن الأنبياء قد أبلغوا رسالات ربهم ، وقد علم تفصيلا بما عندهم ، وعلم عدد الموجودات كلها ، لا يغيب عنه شيء منها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) . . والله يعلم . ولكن المقصود هو أن يقع منهم البلاغ فيتعلق به علمه في عالم الواقع .

( وأحاط بما لديهم ) . . فما من شيء في نفوسهم وفي حياتهم ومن حولهم ، إلا وهو في قبضة العلم لا يند منه شيء . .

( وأحصى كل شيء عددا ) . . لا يقتصر على ما لدى الرسل ؛ بل يحيط بكل شيء إحصاء وعدا ، وهو أدق الإحاطة والعلم !

/خ28

ختام السورة:

وبهذا الإيقاع الهائل الرهيب تختم السورة ، التي بدأت بالروعة والرجفة والانبهار بادية في مقالة الجن الطويلة المفصلة ، الحافلة بآثار البهر والرجفة والارتياع !

وتقرر السورة التي لا تتجاوز الثماني والعشرين آية ، هذا الحشد من الحقائق الأساسية التي تدخل في تكوين عقيدة المسلم ، وفي إنشاء تصوره الواضح المتزن المستقيم ، الذي لا يغلو ولا يفرط ، ولا يغلق على نفسه نوافذ المعرفة ، ولا يجري - مع هذا - خلف الأساطير والأوهام !

وصدق النفر الذي آمن حين سمع القرآن ، وهو يقول : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ) . .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

/ت26

{ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } أرسل مع الوحي ملائكةً قُدَّامه وخَلْفه . . هم ملائكةٌ حَفَظَه ، يحفظون الوحيَ من الكهنة والشياطين ، حتى لا يزيدوا أو ينقصوا الرسالاتِ التي يحملها . . . واللَّه يعلم ذلك ، وأحاط عِلْمُه به .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

25

المفردات :

أحاط بما لديهم : علمه علما تامّا .

وأحصى كل شيء عددا : ضبط كل شيء معدودا محصورا .

التفسير :

28- ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا .

يعلم الله سبحانه وتعالى علم مشاهدة وواقع ، كما علمه غبيا وأزلا في علمه القديم ، أن الرّسل عليهم السلام قد أبلغوا رسالات ربهم كما طلب منهم ، وألزموا العباد الحجة بهذا البلاغ ، وقد أحاط سبحانه وتعالى بما عند الرسل من الملائكة ، وبما عند الرسل من البشر ، ظاهرا وباطنا من الأحكام والشرائع ، وبما يسره لهم من الحفظ وتأمين وصول الرسالات سالمة من كل تغيير أو تبديل ، وأحاط علمه سبحانه وتعالى بكل شيء في الوجود ، فهو عالم علما كاملا بكل شيء قي الكون ، وذلك مثل القطر والمطر والرمال وورق الأشجار وماء البحار ، وبالأفراد والجماعات والأمم وسائر المخلوقات .

وأورد القرطبي عدة آراء في تفسير هذه الآية ، من بينها ما يأتي :

لقد أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بحفظ الوحي ، ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ بالحقّ والصدق ، أو ليعلم أن جبريل ومن معه قد أبلغوا إليه رسالة ربه .

وقال الزجاج : ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته ، كقوله تعالى : ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين . ( آل عمران : 142 ) .

أي : ليعلم الله ذلك علم مشاهدة كما علمه غيبا .

وقال مجاهد : ليعلم من كذّب الرسل أن المرسلين قد بلّغوا رسالات ربهم .

وقرأ الجماعة : ليعلم . بفتح الياء ، وتأويله ما ذكرناه ، وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد ويعقوب بضم الياء ، أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغواxii .

i في ظلال القرآن 29/151 .

ii إن هذا المال خضرة حلوة :

رواه البخاري في الجهاد ( 2842 ) وابن ماجه في الفتن ( 3995 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال : ( إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض ) ، ثم ذكر زهرة الدنيا فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، أو يأتي الخير بالشر ؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم قلنا : يوحى إليه ، وسكت الناس كأن على رءوسهم الطير ، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء فقال : ( أين السائل آنفا أو خير هو ) ثلاثا ( إن الخير لا يأتي إلا بالخير وإنه كلما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر كلما أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت ، وإن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المال لمن أخذه بحقه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة ) .

iii أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا :

رواه مسلم في الزكاة ( 1052 ) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ) ، قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول الله ؟ قال : ( بركات الأرض ) . قالوا : يا رسول الله وهل يأتي الخير بالشر ؟ قال : ( لا يأتي الخير إلا بالخير ، لا يأتي الخير إلا بالخير ، لا يأتي الخير إلا بالخير ، إن كل ما أنبت الربيع يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها تأكل حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس ثم اجترت وبالت وثلطت ثم عادت فأكلت ، إذ هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ) .

iv ما الفقر أخشى عليكم :

رواه البخاري ( 3158 ، 4015 ) ومسلم ( 2961 ) وأحمد ( 18436 ) والترمذي ( 2462 ) من حديث عمرو بن عوف .

v التفسير المنير ، أ . د وهبة الزحيلي ، الجزء 29 ص175 .

vi أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :

رواه البخاري في الأذان ( 812 ) ومسلم في الصلاة ( 490 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر ) .

vii من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد :

رواه مسلم في المساجد ( 568 ) وأبو داود في الصلاة ( 473 ) وابن ماجة في المساجد ( 767 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا ) . ورواه النسائي في المساجد ( 717 ) من حديث جابر قال : جاء رجل ينشد ضالة في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا وجدت ) .

viii اعملوا فكل ميسر لما خلق له :

رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4949 ) ، في التوحيد ( 7551 ) ، ومسلم في القدر ( 2647 ، 2649 ) ، والترمذي في القدر ( 2126 ) ، وفي التفسير ( 3111 ) ، وأبو داود في السنة ( 4709 ) ، وابن ماجة في المقدمة ( 78 ، 91 ) ، وفي التجارات ( 2142 ) ، وأحمد ( 20 ، 622 ، 1352 ) ، من حديث علي ، وعمر ، وعمران بن الحصين ، وأبي حميد ، وسراقة ، وأبي بكر الصديق .

ix ما المسئول عنها بأعلم من السائل .

رواه البخاري في الإيمان ( 50 ) وفي التفسير ( 4777 ) ومسلم في الإيمان ( 9 ، 10 ) والنسائي في الإيمان ( 4991 ) وابن ماجة في المقدمة ( 23 ) وفي الفتن ( 4044 ) من حديث أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس فأتاه جبريل فقال : ما الإيمان ؟ قال : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث ) . قال : ما الإسلام : قال : ( الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ) . قال : ما الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . قال : متى الساعة ؟ قال : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله عنده علم الساعة . . . } الآية . ثم أدبر فقال : ( ردوه ) ، فلم يروا شيئا فقال : ( هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم ) . قال أبو عبد الله : جعل ذلك كله من الإيمان . ورواه مسلم في الإيمان ( 8 ) وأحمد في مسنده ( 185 ) وأبو داود في السنة ( 4695 ) والترمذي في الإيمان ( 2610 ) وابن ماجة في المقدمة ( 23 ) من حديث عمر بن الخطاب قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) . قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) . قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، قال : فأخبرني عن الساعة ، قال : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) ، قال : فأخبرني عن أماراتها قال : ( أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ) ، قال : ثم انطلق فلبث مليا ثم قال لي : ( يا عمر ، أتدري من السائل ) ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .

x أنت مع من أحببت :

رواه البخاري في المناقب ( 3688 ) ومسلم في البر والصلة ( 2639 ) من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال : متى الساعة ؟ قال : ( وماذا أعددت لها ) ؟ قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( أنت مع من أحببت ) قال أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنت مع من أحببت ) . قال أنس : فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم .

xi تفسير القرطبي ، المجلد الثامن ، ص7008 .

xii تفسير القرطبي ، المجلد الثامن ، ص ( 7009 ، 7010 ) دار الغد العربي ، العباسية القاهرة .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ ليعلم أن قد أبلغوا . . } أي أخبرنا صلى الله عليه وسلم بحفظنا الوحي ؛ ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ بالحق والصدق ، وأنه حفظ كما حفظوا من الجن . { وأحاط لما لديهم } أي وقد أحاط الله بكل ما عند الرسل والملائكة ، وعلم عدد الأشياء كلها ، فلم يخف عليه شيء منها .

والله أعلم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ } وقد عَلِمَ تفصيلاً بما عندهم ، { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً } فعلم عدد الموجودات كلّها ، لا يغيبُ عنه شيءٌ منها .

وهكذا انتهت هذه السورة الكريمة بردّ كل شيء إليه تعالى ، وأنه يراقب كل شيء حتى رسُله الكرام .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ لِيَعْلَمَ } متعلق بيسلك وعلة له والضمير لمن أي لأجل أن يعلم ذلك المرتضى الرسول ويصدق تصديقاً جازماً ثابتاً مطابقاً للواقع { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ } أي الشأن قد أبلغ إليه الرصد وهو من قبيل بنوا تميم قتلوا زيداً فإن المبلغ في الحقيقة واحد معهم وهو جبريل عليه السلام كما هو المشهور من أنه المبلغ من بين الملائكة عليهم السلام إلى الأنبياء { رسالات رَبّهِمْ } وهي الغيوب المظهر عليها كما هي من غير اختطاف ولا تخليط وعلى هذا فليكن { من } مبتدأ وجملة أنه يسلك خبره وجيء بالفاء لكونه اسم موصول وقوله تعالى : { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي بما عند الرصد { وأحصى كُلَّ شيء } أي مما كان ومما سيكون { عَدَدًا } أي فرداً فرداً حال من فاعل يسلك بتقدير قد أو بدونه جيء به لمزيد الاعتناء بأمر علمه تعالى بجميع الأشياء وتفرده سبحانه بذلك على أتم وجه بحيث لا يشاركه سبحانه في ذلك الملائكة الذين هم وسائط العلم فكأنه قيل لكن المرتضى الرسول يعلمه الله تعالى بواسطة الملائكة بعض الغيوب مما له تعلق ما برسالته والحال أنه تعالى قد أحاط علماً بجميع أحوال أولئك الوسائط وعلم جل وعلا جميع الأشياء بوجه جزئي تفصيلي فأين الوسائط منه تعالى أو حال من فاعل أبلغوا جيء به للإشارة إلى أن الرصد أنفسهم لم يزيدوا ولم ينقصوا فيما بلغوا كأنه قيل ليعلم الرسول أن قد أبلغ الرصد إليه رسالات ربه في حال أن الله تعالى قد علم جميع أحوالهم وعلم كل شيء فلو أنهم زادوا أو نقصوا عند الإبلاغ لعلمه سبحانه فما كان يختارهم للرصدية والحفظ هذا ما سنح لذهني القاصر في تفسير هذه الآيات الكريمة ولست على يقين من أمره بيد أن الاستدلال بقوله سبحانه { فلا يظهر } [ الجن : 26 ] الخ على نفي كرامة الأولياء بالاطلاع على بعض الغيوب لا يتم عليه لأن قوله تعالى : { فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً } في قوة قضية سالبة جزئية لدخول ما يفيد العموم في حيز السلب وأكثر استعمالاته لسلب العموم وصرح به فيما هنا في شرح المقاصد لا لعموم السلب وهو سلب جزئي فلا ينافي الإيجاب الجزئي كان يظهر بعض الغيب على ولي على نحو ما قال بعض أهل السنة في قوله تعالى { لا تدركه الأبصار } [ الأنعام : 103 ] ولا يرد أن الاستثناء يقتضي أن يكون المرتضى الرسول مظهراً على جميع غيبه تعالى بناءً على أن الاستثناء من النفي يقتضي إيجاب نقيضه للمستثنى ونقيض السالبة الجزئية الموجبة الكلية مع أنه سبحانه لا يظهر أحداً كائناً من كان على جميع ما يعلمه عز وجل من الغيب وذلك لانقطاع الاستثناء المصرح به ابن عباس وكذا لا يرد أن الله تعالى نفي إظهار شيء من غيبه على أحد إلا على الرسول فيلزم أن لا يظهر سبحانه أحداً من الملائكة على شيء منه لأن الرسول هنا ظاهر في الرسول البشري لقوله تعالى : { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ } [ الجن : 27 ] الخ وذلك ليس إلا فيه كما لا يخفي على من علم حكمة ذلك ويلزم أن لا يظهر أيضاً أحداً من الأنبياء الذين ليسوا برسل بناءً على إرادة المعنى الخاص من الرسول هنا وذلك لما ذكرنا أولاً وكذا لا يرد أنه يلزم أن لا يظهر المرتضى الرسول على شيء من الغيوب التي لا تتعلق برسالته ولا يخل الإظهار عليها بالحكمة التشريعية إذ لا حصر للبعض المظهر فيما يتعلق بالرسالة وإنما أشير إلى المتعلق بها لاقتضاء المقام لذلك وكون كل غيب يظهر عليه الرسول لا يكون إلا متعلقاً برسالته محل توقف وللمفسرين ههنا كلام لا بأس بذكره بما له وما عليه حسب الإمكان ثم الأمر بعد ذلك إليك فنقول لما كان مذهب أكثر أهل السنة القول بكرامة الولي بالاطلاع على الغيب وكان ظاهر قوله تعالى { عالم الغيب فلا يظهر } [ الجن : 26 ] الخ دالاً على نفيها ولذا قال الزمخشري : إن في هذا إبطال الكرامات أي في الجملة وهي ما كان من الإظهار على الغيب لأن الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله تعالى الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط انتهى أنجدوا وأتهموا وأيمنوا وأشأموا في تفسير الآية على وجه لا ينافي مذهبهم ولا يتم عليه استدلال المعتزلي على مذهبه فقال الإمام ليس في قوله تعالى على غيبه صيغة عموم فيكفي العمل بمقتضاه أن لا يظهر تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه فنحمله على وقت وقوع القيامة فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد فلا يبقى في الآية دلالة على أنه سبحانه لا يظهر شيئاً من الغيوب لأحد ويؤكد ذلك وقوع الآية بعد قوله تعالى : { قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } [ الجن : 25 ] والمراد به وقوع يوم القيامة ثم قال فإن قيل إذا حملتم ذلك على القيامة فكيف قال سبحانه إلا من ارتضى من رسول مع أنه لا يظهر هذا الغيب لأحد من رسله قلنا بل يظهره عند القرب من إقامة القيامة وكيف لا وقد قال تعالى { يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً } [ الفرقان : 25 ] ولا شك أن الملائكة يعلمون في ذلك الوقت وأيضاً يحتمل أن يكون هذا الاستثناء منقطعاً كأنه قيل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه المخصوص وهو قيام القيامة أحداً ثم قيل إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مردة الإنس والجن انتهى وتعقب بأن في غيبه ما يدل على العموم كما سمعت أولاً والسياق لا يأباه اللهم إلا أن يطعن في ذلك وأيضاً ظاهر جوابه الأول عن القيل كون المراد بالرسول في الآية الرسول الملكي ويأباه ما بعد من قوله تعالى : { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ } [ الجن : 27 ] الخ على أن علم الملائكة بوقت الساعة يوم تشقق السماء ليس من الإظهار على الغيب بل هو من إظهار الغيب وإبرازه للشهادة كإظهار المطر عند نزوله وما في الأرحام عند وضعه إلى غير ذلك وأيضاً الانقطاع على الوجه الذي ذكره بعيد جداً إذ فيه قطع المناسبة بين السابق واللاحق بالكلية اللهم إلا أن يقال مثله لا يضر في المنقطع وقيل إن الإظهار على الغيب بمعنى الاطلاع عليه على أتم وجه بحيث يحصل به أعلى مراتب العلم والمراد عموم السلب ولا يضر في ذلك دخول ما يفيد العموم في حيز النفي لأن القاعدة أكثرية لا مطردة لقوله تعالى : { والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [ الحديد : 23 ] وقوله سبحانه : { والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [ البقرة : 276 ] وقد نص على ذلك العلامة التفتازاني فيكون المعنى فلا يظهر على شيء من غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه سبحانه يظهره على شيء من غيبه بأن يسلك الخ ولا يرد كرامة الولي إذ ليست من الإظهار المذكور إذ لا يحصل له أعلى مراتب العلم بالغيب الذي يخبر به وإنما يحصل له ظنون صادقة أو نحوها وكذا شأن غيره من أرباب الرياضات من الكفرة وغيرهم وتعقب بأن من الصوفية من قال كالشيخ محيي الدين قدس سره بنزول الملك على الولي وإخباره إياه ببعض المغيبات أحياناً ويرشد إلى نزوله عليه قوله تعالى : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا } [ الأحقاف : 13 ] الآية وكون ما يحصل له إذ ذاك ظن أو نحوه لا علم كالعلم الحاصل للرسول بواسطة الملك لا يخلو عن بحث بل قد يحصل له بواسطة الإلهام والنفث في الروع نحو ما يحصل للرسول وأيضاً يلزم أن لا يظهر الملك على الغيب إذ الرسول المستثنى رسول البشر على ما هو الظاهر والتزام أنه لا يظهر بالمعنى السابق ويظهر بواسطته مما لا وجه له أصلاً وأيضاً يلزم أن ما يحصل للنبي غير الرسول بالمعنى الأخص المتبادر هنا ليس بعلم بالمعنى المذكور وهو كما ترى وقيل المراد بالغيب في الموضعين الجنس والإظهار عليه على ما سمعت وكذا عدم ورود الكرامة والبحث فيه كالبحث في سابقه وزيادة وقال صاحب الكشف في الرد على الزمخشري الغيب إن كان مفسراً بما فسره في قوله تعالى { يؤمنون بالغيب } [ البقرة : 3 ] فالآية حجة عليه لأنه جوز هنالك أن يعلم بإعلامه تعالى أو بنصبه الدليل وهذا الثاني أعني القسم العقلي تنفيه الآية وترشد إلى أن تهذيب طرق الأدلة أيضاً بواسطة الأنبياء عليهم السلام والعقل غير مستقل وأهل السنة عن آخرهم على أن الغيب بذلك المعنى لا يطلع عليه إلا رسول أو آخذ منهم وليس فيه نفي الكرامة أصلاً وإن أراد الغائب عن الحس في الحال مطلقاً فلا بد من التخصيص بالاتفاق فليس فيه ما ينفيها أيضاً وإن فسر بالمعدوم كما ذكره في قوله تعالى { عالم الغيب والشهادة } [ الأنعام : 73 ] فلا بد أيضاً من التخصيص وكذلك لو فسر بما غاب عن العباد أو بالسر على أن ظاهر الآية أنه تعالى عالم كل غيب وحده لا يظهر على غيبه المختص به وهو ما يتعلق بذاته تعالى وصفاته عز وجل بدلالة الإضافة إلا رسولاً وهو كذلك فإن غيبه تعالى لا يطلع عليه إلا بالإعلام من رسول ملكي أو بشري ولا كل غيبه تعالى الخاص مطلع عليه بل بعضه وأقل القليل منه فدل المفهوم على أن غير هذا النوع الخاص من الغيب لا منع من اطلاع الله تعالى غير الرسول عليه فهذا ظاهر الآية دون تعسف ثم لو سلم فالثاني إما مستغرق وإذا قال سبحانه لا يطلع على جميعه أحداً إلا من ارتضى من رسول لم يدل على أنه لا يجوز اطلاع غير الرسول على البعض وأما مطلق ينزل على الكامل منه فيرجع إلى ما اخترناه وتعاضد دلالتا تشريف الإضافة والإطلاق فلا وجه لتعليقه بهذه الآية ومنه يظهر أن الاستدلال من الآية على إبطال الكهانة والتنجيم غير ناهض وإن كان إبطالهما حقاً لأنكره فضلاً عن تكفير من قال بدلالته على حياة أو موت لأنه كفر بهذه الآية كما نقله شيخنا الطيبي عن الواحدي والزجاج وصاحب المطلع انتهى وبحث فيه بأن حمل غيبه على الغيب الخاص بمعنى ما يتعلق بذاته تعالى وصفاته عز وجل مما لا يناسب السياق وبأن ظاهر ما قرره على احتمال الاستغراق يقتضي على تقدير اتصال الاستثناء وإيجاب ضد ما نفي للمستثنى أن يظهر الرسول على جميع غيبه تعالى إلى ما يظهر بالتأمل وذكر العلامة البيضاوي أولاً ما يفهم منه على ما قيل حمل غيبه على العموم مع الاختصاص أي عموم الغيب المخصوص به علمه تعالى وحمل { فلا يظهر } [ الجن : 26 ] على سلب العموم وحمل الرسول على الرسول البشري واعتبار الاستثناء منقطعاً على أن المعنى فلا يظهر على جميع غيبه المختص به علمه تعالى أحداً إلا من ارتضى من رسول فيظهره على بعض غيبه حتى يكون إخباره به معجزة فلا يتم الاستدلال بالآية على نفي الكرامة وفسر الاختصاص بأنه لا يعلمه بالذات ولكنه علماً حقيقياً يقينياً بغير سبب كاطلاع الغير إلا هو سبحانه وأما علم غيره سبحانه لبعضه فليس علماً للغيب إلا بحسب الظاهر وبالنسبة لبعض البشر وقيل أراد بالغيب المخصوص به تعالى ما لم ينصب عليه دليل ولا يقدح في الاختصاص علم الغير به بإعلامه تعالى إذ هو إضافي بالنسبة إلى من لم يعلم وقال ثانياً في الجواب عن الاستدلال ولعله أراد الجواب عند القوم ما نصه وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير توسط وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقياً من الملائكة أي بالنفث في الروع ونحوه وحاصله أن الاستدلال إنما يتم أن لو تحقق كون المراد بالرسول رسول البشر والملك جميعاً أو رسول البشر فقط وبالإظهار الإظهار بواسطة أولاً والكل ممنوع إذ يجوز أن يخص الرسول برسول الملك وأن يراد بالإظهار الإظهار بلا واسطة ويكون المعنى فلا يظهر بلا واسطة على غيبه الأرسل الملائكة ولا ينافي ذلك إظهار الأولياء على غيبه لأنه لا يكون إلا بالواسطة وهو جواب بمنع المقدمتين وإن كان يكفي فيه منع أحدهما كما فعل الإمام والتفتازاني في شرح المقاصد وتعقب بأن رسل البشر قد يطلعون بغير واسطة أيضاً وفي قصة المعراج وتكليم موسى عليه السلام ما يكفي في ذلك على أنه قد قيل عليه بعد ما قيل وأغرب ما قيل في هذا المقام كون إلا في قوله تعالى : { إِلاَّ مَنِ ارتضى } [ الجن : 27 ] للعطف والمعنى فلا يظهر على غيبه أحد ولا من ارتضى من رسول وحاله لا يخفي ثم إن تفسير قوله تعالى : { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ } الخ بما سمعت هو الذي عليه جمهور المفسرين وكانت الحفظة الذين ينزلون مع جبريل عليه السلام على نبينا صلى الله عليه وسلم على ما أخرج ابن المنذر وجماعة عن ابن جبير أربعة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية من القرآن إلا ومعها أربعة من الملائكة يحفظونها حتى يؤدونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ عالم الغيب الآية وقد يكون مع الوحي أكثر من ذلك ففي بعض الأخبار أنه نزل مع سورة الأنعام سبعون ألف ملك وجاء في شأن آية الكرسي ما جاء وقال ابن كمال لاحت دقيقة بخاطري الفاتر قلما يوجد مثلها في بطون الدفاتر وهي أن المراد { من بين يديه } [ الجن : 27 ] في الآية القوى الظاهرة ومن خلفه القوى الباطنة ولذلك قال سبحانه : { يَسْلُكُ } الخ أي يدخل حفظة من الملائكة يحفظون قواه الظاهرة والباطنة من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم من تينك الجهتين ولو كان المراد حفظة من الجوانب كي لا يقربه الشياطين عند إنزال الوحي فتلقى غير الوحي أو تسمعه فتلقيه إلى الكهنة فتخبر به قبل إخبار الرسول كما ذهب إليه صاحب التيسير وغيره لما كان نظم الكلام على الوجه المذكور فإن عبارة يسلك وتخصيص الجهتين المذكورتين إنما يناسب ما ذكرناه لا ما ذكروه انتهى ولا يخفي أنه نحو من الإشارة ولعل التعبير بيسلك على تفسير الجمهور لتصوير الجهات التي تأتي منها الشياطين بالثغور الضيقة والمسالك الدقيقة وفي ذلك من الحسن ما فيه وذهب كثير إلى أن ضمير ليعلم لله تعالى وضمير أبلغوا إما للرصد أو لمن ارتضى والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الضميرين قبل باعتبار لفظها والمعنى أنه تعالى يسلكهم ليعلم أن الشأن قد أبلغوا رسالات ربهم علماً مستتبعاً للجزاء وهو أن يعلمه تعالى موجوداً حاصلاً بالفعل كما في قوله تعالى { حتى يعلم المجاهدين } [ محمد : 31 ] فالغاية في الحقيقة هو الإبلاغ والجهاد وإيراد علمه تعالى لإبراز اعتنائه تعالى بأمرهما والإشعار بترتب الجزاء عليهما والمبالغة في الحث عليهما والتحذير عن التفريط فيهما وقوله تعالى : { وَأَحَاطَ } الخ إما عطف على { لا يظهر } [ الجن : 26 ] أو حال من فاعل يسلك جىء به لدفع التوهم وتحقيق استغنائه تعالى في العلم بالإبلاغ عما ذكر من سلك الرصد على الوجه المذكور أو عطف كما زعم بعض على مضمر لأن ليعلم متضمن معنى علم فصار المعنى قد علم ذلك وأحاط الخ وجوز أن يكون ضمير يعلم للرسول الموحى إليه وضمير أبلغوا للرصد النازلين إليه بالوحي وروي عن ابن جبير ما يؤيده أو للرسل سواء وأحاط الخ عطف على أبلغوا أو على لا يظهر وعن مجاهد ليعلم من كذب وأشرك أن الرسل قد أبلغوا وفيه من البعد ما فيه وعليه لا يقع هذا العلم على ما في «البحر » إلا في الآخرة وقيل ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا وقيل ليعلم الجن أن الرسل قد أبلغوا ما أنزل إليهم ولم يكونوا هم المتلقين باستراق السمع وكلا القولين كما ترى ونصب عدداً عند جمع على أنه تمييز محول عن المفعول به والأصل أحصى عدد كل شيء إلا أنه قال أبو حيان في كونه ثابتاً من «لسان العرب » خلاف وأنت تعلم أن التحويل في مثله تقديري وجوز أن يكون حالاً أي معدوداً محصوراً ولا يضر تنكير صاحبها للعموم وأن يكون نصباً على المصدر بمعنى إحصاء فتأمل جميع ذلك والله تعالى الموفق لسلوك أحسن المسالك وقرئ عالم بالنصب على المدح وعلم فعلاً ماضياً الغيب بالنصب وقرأ ابن عباس وزيد بن علي ليعلم بالبناء للمفعول والزهري وابن أبي عبلة ليعلم بضم الياء وكسر اللام من الإعلام أي ليعلم الله تعالى من شاء أن يعلمه أن قد أبلغوا الخ وقرأ أبو حيوة رسالة بالإفراد وقرأ ابن أبي عبلة وأحيط وأحصى كل بالبناء للمفعول في الفعلين ورفع كل على النيابة والفاعل هو الله عز وجل فهو سبحانه المحيط بالأحوال علماً والمحصي لكل شيء عدداً .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

شرح الكلمات :

{ ليعلم } : أي الله علم ظهور أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم .

{ أحصى كل شيء عددا } : أي أحصى عدد كل شيء .

المعنى :

وذلك ليعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد بلغت رسالات ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى إنه إذا جاءه الوحي كان معه أربعة ملائكة يحمونه من الشياطين حتى لا يسمعوا خبر السماء فيبلغوا أولياءهم من الإِنس ، فتكون فتنة في النار وقوله { وأحاط } أي الله جل جلاله { بما لديهم } اي بما لدى الملائكة والرسل علما { وأحصى كل شيء عددا } أي وأحصى عدد كل شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .

الهداية :

من الهداية :

- بيان إحاطة علم الله بكل شيء وإحصائه تعالى لكل شيء عدَّا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّيَعۡلَمَ أَن قَدۡ أَبۡلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمۡ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} (28)

{ لِيَعْلَمَ } بذلك { أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ } بما جعله لهم من الأسباب ، { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي : بما عندهم ، وما أسروه وأعلنوه ، { وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } وفي هذه السورة فوائد كثيرة : منها : وجود الجن ، وأنهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون ، مجازون بأعمالهم ، كما هو صريح في هذه السورة .

ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن ، كما هو رسول إلى الإنس{[1254]} ، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم .

ومنها : ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق ، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن ، وحسن أدبهم في خطابهم .

ومنها : اعتناء الله برسوله ، وحفظه لما جاء به ، فحين ابتدأت بشائر نبوته ، والسماء محروسة بالنجوم ، والشياطين قد هربت عن أماكنها ، وأزعجت عن مراصدها ، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر ، وأراد بهم ربهم رشدا ، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض ، ما تبتهج به القلوب ، وتفرح به أولو الألباب ، وتظهر به شعائر الإسلام ، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام .

ومنها : شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتراكمهم عليه .

ومنها : أن هذه السورة قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك ، وبينت حالة الخلق ، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة ، لأن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا ، بل ولا يملك لنفسه ، علم أن الخلق كلهم كذلك ، فمن الخطأ والغلط{[1255]}  اتخاذ من هذا وصفه إلها [ آخر ] مع الله . ومنها : أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها ، فلا يعلمها أحد من الخلق ، إلا من ارتضاه الله وخصه{[1256]}  بعلم شيء منها . تم تفسير سورة قل أوحي إلي ، ولله الحمد{[1257]}


[1254]:- في ب: مبعوث إلى الجن كما هو مبعوث إلى الإنس.
[1255]:- في ب: من الخطأ والظلم.
[1256]:- في ب: واختصه.
[1257]:- في ب: تم تفسيرها والحمد لله رب العالمين.