وقوله : كَلاّ يقول عزّ ذكره : ليس الأمر كما ظنوا وأمّلُوا من هذه الاَلهة التي يعبدونها من دون الله ، في أنها تنقذهم من عذاب الله ، وتنجيهم منه ، ومن سوء إن أراده بهم ربّهم . وقوله : سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ يقول عزّ ذكره : ولكن سيكفر الاَلهة في الاَخرة بعبادة هؤلاء المشركين يوم القيامة إياها ، وكفرهم بها قيلهم لربهم : تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ، فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك ، وتبرّأوا منهم ، وذلك كفرهم بعبادتهم . وأما قوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وتكون آلهتهم عليهم عونا ، وقالوا : الضدّ : العون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا يقول : أعوانا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : عونا عليهم تخاصمهم وتكذّبهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : أوثانهم يوم القيامة في النار .
وقال آخرون : بل عنى بالضدّ في هذا الموضع : القُرَناء . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا يقول : يكونون عليهم قرناء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قرناء في النار ، يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ضِدّا قال : قرناء في النار .
وقال آخرون : معنى الضدّ ههنا : العدوّ . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : أعداء .
وقال آخرون : معنى الضدّ في هذا الموضع : البلاء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : يكونون عليهم بلاء .
الضدّ : البلاء ، والضدّ في كلام العرب : هو الخلاف ، يقال : فلان يضادّ فلانا في كذا ، إذا كان يخالفه في صنيعه ، فيفسد ما أصلحه ، ويصلح ما أفسده ، وإذ كان ذلك معناه ، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع يتبرّؤون منهم ، وينتفعون يومئذٍ ، صاروا لهم أضدادا ، فوصفوا بذلك .
وقد اختلف أهل العربية في وجه توحيد الضدّ ، وهو صفة لجماعة . فكان بعض نحويّي البصرة يقول : وحد لأنه يكون جماعة ، وواحدا مثل الرصد والأرصاد . قال : ويكون الرّصَد أيضا لجماعة . وقال بعض نحويي الكوفة وحّد ، لأن معناه عونا ، وذكر أن أبا نهيك كان يقرأ ذلك ، كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك الأزدي يقرأ : كَلاّ سَيَكْفُرُون يعني الاَلهة كلها أنهم سيكفرون بعبادتهم .
{ كلا } ردع وإنكار لتعززهم بها . { سيكفرون بعبادتهم } ستجحد الآلهة عبادتهم ويقولون ما عبدتمونا لقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } أو سينكر الكفرة لسوء العاقبة أنهم عبدوها لقوله تعالى : { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } { ويكونون عليهم ضدا } يؤيد الأول إذا فسر الضد بضد العز ، أي ويكونون عليهم ذلا ، أو بضدهم على معنى أنها تكون معونة في عذابهم بأن توقد بها نيرانهم ، أو جعل الواو للكفرة أي يكونون كافرين بهم بعد أن كانوا يعبدونها وتوحيده لوحدة المعنى الذي به مضادتهم ، فإنهم بذلك كالشيء الواحد ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام " وهم يد على من سواهم " . وقرىء { كلا } بالتنوين على قلب الألف نونا في الوقف قلب ألف الإطلاق في قوله :
*** أقلي اللوم عاذل والعتابن ***
أو على معنى كل هذا الرأي كلا وكلا على إضمار فعل يفسره ما بعده أي سيجحدون { كلا سيكفرون بعبادتهم } .
وقوله { كلا } زجر ، وردع ، وهذا المعنى لازم ل { كلا } فإن كان القول المردود منصوصاً عليه بان المعنى ، وإن لم يكن منصوصاً عليه فلا بد من أمر مردود يتضمنه القول كقوله عز وجل { كلا إن الإنسان ليطغى }{[8039]} [ العلق : 6 ] فإن قوله { علم الإنسان ما لم يعلم }{[8040]} [ العلق : 5 ] يتضمن مع ما قبله أن الإنسان يزعم من نفسه ويرى أن له حولاً ما ولا يتفكر جداً في أن الله علمه ما لم يعلم وأنعم عليه بذلك وإلا كان معمور جهل ، وقرأ الجمهور «كلا » على ما فسرناه ، وقرأ أبو نهيك «كَلاً » بفتح الكاف والتنوين حكاه عنه أبو الفتح وهو نعت ل { آلهة } وحكى عنه أبو عمرو الداني «كُلاً » بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه سيكفرون تقديره يرفضون أو ينكرون أو يجحدون أو نحوه ، واختلف المفسرون في الضمير الذي في { سيكفرون } وفي { بعبادتهم } فقالت فرقة : الأول للكفار والثاني للمعبودين والمعنى أنه سيجيء يوم القيامة من الهول على الكفار والشدة ما يدفعهم الى جحد الكفر وعبادة الأوثان ، وذلك كقوله تعالى حكاية عنهم { والله ربنا ما كنا مشركين }{[8041]} [ الأنعام : 23 ] وقالت فرقة : الأول للمعبودين والثاني للكفار والمعنى أن الله تعالى يجعل للأصنام حياة تنكر بها ومعها عبادة الكفار وأن يكون لها من ذلك ذنب ، وأما المعبود من الملائكة وغيرهم فهذا منهم بين . وقوله { ضداً } معناه يجيئهم منهم خلاف ما كانوا أملوه فيؤول ذلك بهم الى ذلة ضد ما أملوه من العز وهذه الصفة عامة ، وقال قتادة { ضداً } معناه قرناء{[8042]} ، وقال ابن عباس : معناه أعواناً ، وقال الضحاك : أعداء ، وقال ابن زيد : بلاء ، وقيل غير هذا مما لفظ القرآن أعم منه وأجمع للمعنى المقصود ، والضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد ، وحكى الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ «كل » بالرفع ورفعها بالابتداء{[8043]} .
الضميران في قوله : { سيكفرون ويَكونون يجوز أن يَكونا عائدين إلى آلهة ، أي سينكر الآلهةُ عبادةَ المشركين إيّاهم ، فعبر عن الجحود والإنكار بالكفر ، وستكون الآلهة ذُلاّ ضد العزّ .
والأظهر أن ضمير { سيكفرون } عائد إلى المشركين ، أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة فيكون مقابل قوله { واتخذوا من دون الله آلهة } . وفيه تمام المقابلة ، أي بَعد أن تكلفوا جعلهم آلهةً لهم سيكفرون بعبادتهم ، فالتعبير بفعل { سيكفرون } يرجح هذا الحمل لأن الكفر شائع في الإنكار الاعتقادي لا في مطلق الجحود ، وأن ضمير { يكونون } للآلهة وفيه تشتيت الضمائر . ولا ضير في ذلك إذ كان السياق يُرجع كلاً إلى ما يناسبه ، كقول عباس بن مرداس :
عُدنا ولولا نحن أحدق جمعهم *** بالمسلمين وأحرزوا ما جَمّعوا
أي : وأحرز جَمْع المشركين ما جمّعه المسلمون من الغنائم .
ويجوز أن يكون ضميرا { سيكفرون } و{ يكونون } راجعين إلى المشركين . وأن حرف الاستقبال للحصول قريباً ، أي سيكفر المشركون بعبادة الأصنام ويدخلون في الإسلام ويكونون ضداً على الأصنام يهدمون هياكلها ويلعنونها ، فهو بشارة للنبيء بأن دينه سيظهر على دين الكفر . وفي هذه المقابلة طباق مرتين .
والضد : اسم مصدر ، وهو خلاف الشيء في الماهية أو المعاملة . ومن الثاني تسمية العدو ضدّاً . ولكونه في معنى المصدر لزم في حال الوصف به حالة واحدة بحيث لا يطابق موصوفه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"كَلاّ" يقول عزّ ذكره: ليس الأمر كما ظنوا وأمّلُوا من هذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله، في أنها تنقذهم من عذاب الله، وتنجيهم منه، ومن سوء إن أراده بهم ربّهم.
وقوله: "سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ" يقول عزّ ذكره: ولكن سيكفر الآلهة في الآخرة بعبادة هؤلاء المشركين يوم القيامة إياها، وكفرهم بها قيلهم لربهم: تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون، فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك، وتبرّأوا منهم، وذلك كفرهم بعبادتهم.
وأما قوله: "وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: وتكون آلهتهم عليهم عونا، وقالوا: الضدّ: العون...
وقال آخرون: بل عنى بالضدّ في هذا الموضع: القُرَناء...
وقال آخرون: معنى الضدّ ههنا: العدوّ...
وقال آخرون: معنى الضدّ في هذا الموضع: البلاء... الضدّ: البلاء.
والضدّ في كلام العرب: هو الخلاف، يقال: فلان يضادّ فلانا في كذا، إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه، ويصلح ما أفسده، وإذ كان ذلك معناه، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع يتبرّؤون منهم، وينتفعون يومئذٍ، صاروا لهم أضدادا، فوصفوا بذلك...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 81].
{واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا} فإن كان على حقيقة العز فهو في القادة منهم والمتبوعين الذين عبدوا تلك الأصنام ليتعززوا بذلك، ولا يذلوا، وتدوم لهم الرئاسة التي كانت لهم في الدنيا. فظنوا أنهم إن آمنوا تذهب تلك الرئاسة والمأكلة عنهم. ويحتمل قوله: {ليكونوا لهم عزا} أي نصرا ومنعة. فإن كان هذا فهو في الرؤساء منهم والأتباع في الدنيا والآخرة. أما ما طمعوا بعبادتهم الأصنام فهو النصر في الآخرة، وهو كقولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] وقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] طمعوا بعبادتهم الأصنام النصر والشفاعة في الآخرة. وأما في الدنيا فقد ظنوا أن آلهتهم التي اتخذوها، وعبدوها، تنصرهم في الدنيا حين قالوا: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود: 54].
فكيف ما كان فقد رد الله تعالى عليهم ما طمعوا: عزا كان أو نصرا. يقول: {كلا} لأنهم أذلوا أنفسهم لخشب وحنوا ظهورهم لها، فكفى بذلك ذلا وصغارا. وقوله تعالى: {سيكفرون بعبادتهم} قال الحسن: سيكفر عباد الأصنام في الدنيا، ومن عبدوها في الآخرة أنهم ما كفروا وما عبدوها كقوله: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23]. ينكرون في الآخرة أن يكونوا أشركوا فيه غيره، أو عبدوا دونه. وقال غيره من أهل التأويل: سيكفر المعبودون بالعابدين، ويتبرؤون منهم، وهو كقوله: {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} [يونس: 28] وقوله: {فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون} [النحل: 86] ونحوه. وقوله تعالى: {ويكونوا عليهم ضدا} قال بعضهم: {ضدا} أي عونا. وتأويل العون هو أن تُلقى الأصنام معهم في النار، فيحرقون فيها معهم، فيزداد لهم عذابا، فكانت عونا على إحراقهم، فعلى هذا يخرج. وقول من يقول: الضد البلاء هو أن يكونوا بلاء عليهم على ما ذكرنا، وهو ما قال: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الآية [الأنبياء: 98] فإذا صاروا حصبا كانوا بلاء وعونا على إحراقهم. وقال بعضهم: {ويكونون عليهم ضدا} أي قرناء النار؛ يخاصم بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض، ويكذب بعضهم بعضا، فذلك كله {ويكونون عليهم ضدا} ما طمعوا منها لأنهم عبدوها في الدنيا رجاء أن يكونوا لهم شفعاء في الآخرة ونصراء، فكانوا لهم على ضد ذلك أعداء. قال ابن عباس: {ويكونون عليهم ضدا} أي حسرة، وكله واحد...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{كَلاَّ} ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة... {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} أي سيجحدون كلا سيكفرون بعبادتهم... {سَيَكْفُرُونَ} للآلهة، أي: سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون: والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون. قال الله تعالى: {وَإِذَا رَءا الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} [النحل: 86] أو للمشركين: أي ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا قد عبدوها. قال الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23].
{عَلَيْهِمْ ضِدّاً} في مقابلة {لَهُمْ عِزّاً} والمراد ضدّ العز وهو الذل والهوان، أي: يكونون عليهم ضداً لما قصدوه وأرادوه، كأنه قيل: ويكونون عليهم ذلاً، لا لهم عزاً أو يكونون عليهم عوناً، والضدّ: العون. يقال من أضدادكم: أي أعوانكم وكأن العون سمي ضداً لأنه يضادّ عدوّك وينافيه بإعانته لك عليه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما بين أنه لا يعزه مال ولا ولد، وكان نفع الأوثان دون ذلك بلا شك، نفاه بقوله: {كلاًّ} بأداة الردع، لأن ذلك طلب للعز من معدن الذل من العبيد الذين من اعتز لهم ذل، فإنهم مجبولون على الحاجة، ومن طلب العز للدنيا طلبه من العبيد لا محالة، فاضطر قطعاً -لبنائهم على النقص- إلى ترك الحق واتباع الباطل، فكانت عاقبة أمره الذل وإن طال المدى، فإن الله تعالى ربما أمهل المخذول إلى أن ينتهي في خذلانه إلى أن يستحق لباس الذل؛ ثم بين سبحانه ذلك بما يكون منهم يوم البعث فقال: {سيكفرون} أي الآلهة بوعد لا خلف فيه وإن طال الزمان {بعبادتهم} أي المشركين، فيقولون لهم
{ما كنتم إياناً تعبدون} [يونس: 28]
{إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} [البقرة: 166] {ويكونون عليهم} أي الكفار؛ ووحد إشارة إلى اتفاق الكلمة بحيث إنهم لفرط تضامنهم كشيء واحد فقال: {ضداً} أي أعداء فيكسبونهم الذل، وكذا يفعل الكفار مع شركائهم ويقولون {والله ربنا ما كنا مشركين} فيقع بينهم العداوة كما قال تعالى
{ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً} [العنكبوت: 25].
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الضميران في قوله: {سيكفرون ويَكونون يجوز أن يَكونا عائدين إلى آلهة، أي سينكر الآلهةُ عبادةَ المشركين إيّاهم، فعبر عن الجحود والإنكار بالكفر، وستكون الآلهة ذُلاّ ضد العزّ.
والأظهر أن ضمير {سيكفرون} عائد إلى المشركين، أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة فيكون مقابل قوله {واتخذوا من دون الله آلهة}. وفيه تمام المقابلة، أي بَعد أن تكلفوا جعلهم آلهةً لهم سيكفرون بعبادتهم، فالتعبير بفعل {سيكفرون} يرجح هذا الحمل لأن الكفر شائع في الإنكار الاعتقادي لا في مطلق الجحود، وأن ضمير {يكونون} للآلهة وفيه تشتيت الضمائر. ولا ضير في ذلك إذ كان السياق يُرجع كلاً إلى ما يناسبه...
ويجوز أن يكون ضميرا {سيكفرون} و {يكونون} راجعين إلى المشركين. وأن حرف الاستقبال للحصول قريباً، أي سيكفر المشركون بعبادة الأصنام ويدخلون في الإسلام ويكونون ضداً على الأصنام يهدمون هياكلها ويلعنونها، فهو بشارة للنبيء بأن دينه سيظهر على دين الكفر. وفي هذه المقابلة طباق مرتين.
والضد: اسم مصدر، وهو خلاف الشيء في الماهية أو المعاملة. ومن الثاني تسمية العدو ضدّاً. ولكونه في معنى المصدر لزم في حال الوصف به حالة واحدة بحيث لا يطابق موصوفه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{سيكفرون بعبادتهم} يعود إلى العابدين، ويكون المعنى أنهم في يوم القيامة يوم يحتاجون إلى النصير، ويعتزون بالولي يكفرون بعبادة الأوثان التي كانوا يرجون منها النصرة والعزة في الدنيا، إذ تتبين حالهم ويتكشف أمرهم، ويرون أنها لا تملك من أمرها شيئا، ويظهر الصبح، وينجلي الحق {ويكونون عليهم ضدا}، أي يكون العابدون ضدا عليهم ولا يكونون معهم...