سورة التكاثر مكية وآياتها ثمان
هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير ، قائم على شرف عال . يمد بصوته ويدوي بنبرته . يصيح بنوم غافلين مخمورين سادرين ، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة ، وحسهم مسحور . فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ :
( ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر ) . .
أيها السادرون المخمورون . أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون . أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ التّكّاثُرُ * حَتّىَ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ * ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } .
** يقول تعالى ذكره : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم ، وعما ينجيكم من سخطه عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حتى زُرْتُمُ المَقابِرَ } قال : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعدّ من بني فلان ، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ } قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً .
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام يدلّ على أن معناه التكاثر بالمال . ذكر الخبر بذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام الدّستَوائيّ ، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، عن أبيه أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابرَ } قال : «ابنَ آدم ، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبِست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » .
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُنَاني ، عن أنس بن مالك ، عن أُبيّ بن كعب ، قال : كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن : «لو أن لابن آدم واديين من مالٍ ، لتمنى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا التّراب ، ثم يتوب الله على من تاب » ، حتى نزلت هذه السورة : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ } إلى آخرها .
وقوله صلى الله عليه وسلم بعَقِب قراءته : «ألهاكُمُ » : ليس لك من مالك إلا كذا وكذا ، ينبىء أن معنى ذلك عنده : ألهاكم التكاثر : المال .
وهي مكية ، لا أعلم فيها خلافا{[1]} .
«ألهى » معناه : شغل بلذاته ، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء ، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر ، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح : «أألهاكم » على الاستفهام ، و { التكاثر } هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد جملة ، وهذا هجيرى{[11961]} أبناء الدنيا : العرب وغيرهم لا يتخلص منهم إلا العلماء المتقون ، وقد قال الأعشى : [ السريع ]
ولست بالأكثر منهم حصى . . . وإنما العزة للكاثر{[11962]}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت{[11963]} »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.