المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

15- أيها الذين صدقوا بالحق وأذعنوا له ، إذا التقيتم بالذين كفروا في الميدان ، وهم زاحفون عليكم بكثرتهم ، فلا تفروا منهم وتجعلوا ظهوركم أمام سيوفهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

15

والمعنى : يا أيها الذين آمنوا إذا واجهتم الذين كفروا( زحفاً ) أي متدانين متقاربين متواجهين ؛ فلا تفروا عنهم ، إلا أن يكون ذلك مكيدة حرب ، حيث تختارون موقعاً أحسن ، أو تدبرون خطة أحكم ؛ أو أن يكون ذلك انضماماً إلى فئة أخرى من المسلمين ، أو إلى قواعد المسلمين ، لتعاودوا القتال . . وأن من تولى ، وأعطى العدو دبره يوم الزحف فقد استحق ذلك العقاب : غضباً من الله ومأوى في جهنم . .

وقد وردت بعض الأقوال في اعتبار هذا الحكم خاصاً بأهل بدر ، أو بالقتال الذي يكون رسول الله [ ص ] حاضره . ولكن الجمهور على أنها عامة ، وأن التولي يوم الزحف كبيرة من السبع الموبقات . كما روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - [ ص ] : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يا رسول الله وما هن ? قال : " الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " . .

وقد أورد الجصاص في " أحكام القرآن " تفصيلا لا بأس من الإلمام به قال :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَآأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلّوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلَىَ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } . .

يعني تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا في القِتالِ زَحْفا يقول : متزاحفا بعضكم إلى بعض ، والتزاحف : التداني والتقارب . فَلا تُوَلّوهُمُ الأدْبارَ يقول : فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم ، ولكن اثبتوا لهم فإن الله معكم عليهم . وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ يقول : ومن يولهم منكم ظهره إلا مُتَحَرّفا لِقتَالٍ يقول : إلا مستطردا لقتال عدوّه بطلب عورة له يمكنه إصابتها فيكرّ عليه أو مُتَحَيّزا إلى فِئَةٍ أو إلا أن يوليهم ظهره متحيزا إلى فئة ، يقول : صائرا إلى حيز المؤمنين الذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم ويرجعون به معهم إليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : إلاّ مُتَحَرّفا لِقِتالٍ أوْ مُتَحيّزا إلى فِئَةٍ قال : المتحرّف : المتقدّم من أصحابه ليرى غرّة من العدوّ فيصيبها . قال : والمتحيز : الفارّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكذلك من فرّ اليوم إلى أميره أو أصحابه . قال الضحاك : وإنما هذا وعيد من الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفرّوا ، وإنما كان النبيّ عليه الصلاة والسلام فئتهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرّفا لِقِتالٍ أوْ مُتَحَيّزًا إلى فِئَةٍ أما المتحرّف يقول : إلاّ مستطردا ، يريد العودة . أوْ مُتَحيّزا إلى فِئَةٍ قال : المتحيز إلى الإمام وجنده إن هو كرّ فلم يكن له بهم طاقة ، ولا يعذر الناس وإن كثروا أن يولوا عن الإمام .

واختلف أهل العلم في حكم قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرّفا لِقِتالٍ أوْ مُتَحَيّزًا إلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ومَأْوَاهُ جَهَنّمُ هل هو خاصّ في أهل بدر ، أم هو في المؤمنين جميعا ؟ فقال قوم : هو لأهل بدر خاصة ، لأنه لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوّه وينهزموا عنه فأما اليوم فلهم الانهزام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن أبي نضرة ، في قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : ذاك يوم بدر ، ولم يكن لهم أن ينحازوا ، ولو انحاز أحد لم ينحز إلاّ إليّ . قال أبو موسى : يعني إلى المشركين .

حدثنا إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد ، عن داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قوله عزّ وجلّ : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ثم ذكر نحوه ، إلاّ أنه قال : ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ، ولم يكن يومئذٍ مسلم في الأرض غيرهم .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن مفضل ، قال : حدثنا داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : نزلت في يوم بدر : وَمَنْ يُوَلهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ .

حدثني ابن المثنى ، وعليّ بن مسلم الطوسي ، قال ابن المثنى : ثني عبد الصمد ، وقال عليّ : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن داود ، يعني ابن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : يوم بدر . قال أبو موسى : حُدثت أن في كتاب غندر هذا الحديث ، عن داود ، عن الشعبي ، عن أبي سعيد .

حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : إنما كان ذلك يوم بدر لم يكن للمسلمين فئة إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما بعد ذلك ، فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن أبي نضرة : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : هذه نزلت في أهل بدر .

حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : كتبت إلى نافع أسأله ، عن قوله : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ أكان ذلك اليوم أم هو بعد ؟ قال : وكتب إليّ : إنما كان ذلك يوم بدر .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا زيد ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : إنما كان الفرار يوم بدر ، ولم يكن لهم ملجأ يلجئون إليه ، فأما اليوم فليس فرار .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الربيع ، عن الحسن : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : كانت هذه يوم بدر خاصة ، ليس الفرار من الزحف من الكبائر .

قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : كانت هذه يوم بدر خاصة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن الحسن وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : نزلت في أهل بدر .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : ذلكم يوم بدر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : ذلك يوم بدر ، فأما اليوم فإن انحاز إلى فئة أو مصر أحسبه قال : فلا بأس به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن عون ، قال : كتبت إلى نافع وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ؟ قال : إنما هذا يوم بدر .

حدثني المثتى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، قال : ثني يزيد بن أبي حبيب ، قال : أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار ، قال : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرّفا لِقِتالٍ أوْ مُتَحَيّزا إلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ فلما كان يوم أُحد بعد ذلك قال : إنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفا اللّهُ عَنْهُمْ ثم كان حنين بعد ذلك بسبع سنين ، فقال ثُمّ وَلّيتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلكَ عَلى مَنْ يَشاءُ .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد ، أن عمر رضي الله عنه بلغه قتل أبي عبيد ، فقال : لو تحيز إليّ لكنت له فئة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن جرير بن حازم ، قال : ثني قيس بن سعيد ، قال : سألت عطاء بن أبي رباح ، عن قوله : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال : هذه منسوخة بالاَية التي في الأنفال : الاَنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا فإنْ يَكُنْ مِنْكُم مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ قال : وليس لقوم أن يفروا من مثليهم . قال : ونسخت تلك إلاّ هذه العدّة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، قال : لما قتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر ، فقال : يا أيها الناس أنا فئتكم .

قال ابن المبارك ، عن معمر وسفيان الثوري وابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال عمر رضي الله عنه : أنا فئة كلّ مسلم .

وقال آخرون : بل هذه الاَية حكمها عام في كلّ من ولى الدبر عن العدوّ منهزما . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : أكبر الكبائر : الشرك بالله ، والفرار من الزحف لأن الله عزّ وجل يقول : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ . . . فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ المَصِير .

وأولى التأويلين في هذه الاَية بالصواب : عندي قول من قال : حكمها محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر ، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين ، وأن الله حرّم على المؤمنين إذا لقوا العدوّ أن يولوهم الدبر منهزمين ، إلاّ لتحرّف القتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام ، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتال منهزما بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده إلاّ أن يتفضل عليه بعفوه .

وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة ، لما قد بيّنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ وله في غير النسخ وجه إلاّ بحجة يجب التسليم لها من خبر يقطع العذر أو حجة عقل ، ولا حجة من هذين المعنيين تدلّ على نسخ حكم قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرفا لِقِتالٍ أوْ مُتَحَيّزا إلى فِئَةٍ .

وأما قوله : فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ يقول : فقد رجع بغضب من الله ، ومَأْوَاهُ جَهَنّمُ يقول : ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم وبئس المصير ، يقول : وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا } كثيرا بحيث يرى لكثرتهم كأنهم يزحفون ، وهو مصدر زحف الصبي إذا دب على مقعده قليلا قليلا ، سمي به وجمع على زحوف وانتصابه على الحال . { فلا تولّوهم الأدبار } بالانهزام فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقل منكم ، والأظهر أنها محكمة مخصوصة بقوله : { حرض المؤمنين على القتال } الآية ، ويجوز أن ينتصب زحفا حالا من الفاعل والمفعول أي : إذا لقيتموهم متزحفين يدبون إليكم وتدبون إليهم فلا تنهزموا ، أو من الفاعل وحده ويكون إشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر ألفا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً } الآية ، { زحفاً } يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص ، أي يزحف بعضهم إلى بعض ، وأصل الزحف الاندفاع على الألية{[5255]} ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويداً زاحفاً ، إذ في مشيته من التماهل والتباطؤ ما في مشي الزاحف ، ومن الزحف الذي هو الاندفاع قولهم لنار العرفج{[5256]} وما جرى مجراه في سرعة الاتقاد نار الزحفتين{[5257]} ومن التباطؤ في المشي قول الشاعر : [ البسيط ]

كأنهنَّ بأيدي القومِ في كَبدٍ*** طير تكشف عن جون مزاحيف{[5258]}

ومنه قول الفرزدق : [ البسيط ]

على عمائمنا تُلقى وأرجلنا*** على مزاحيف تزجى مخها رير{[5259]}

ومنه قول الآخر [ الأعشى ] : [ الطويل ]

لمن الظعائن سَيْرُهُنَّ تَزَحُّفُ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5260]}

ومن التزحف بمعنى التدافع قول الهذلي : [ الوافر ]

كأن مزاحف الحيّات فيه*** قبيل الصبح آثار السباط{[5261]}


[5255]:- الألية: العجيزة أو ما ركبها من شحم ولحم. قال الأزهري: "وأصل الزحف للصبي وهو أن يزحف على إسته قبل أن يقوم، وإذا فعل ذلك على بطنه قيل: قد حبا، وشُبّه بزحف الصبيان مشي الفئتين تلتقيان للقتال"
[5256]:- العَرْفَج: شجر أو ضرب من النبات سريع الاتقاد، واحدته بهاء، وقال أبو زياد: العَرْفج طيّب الرائحة أغبر إلى خُضرة وله زهرة صفراء وليس له حب ولا شوك، وقال أبو حنيفة: أخبرني بعض الأعراب أن العرفجة أصلها واسع تنبت لها قضبان كثيرة بقدر = الأصل، وليس لها ورق، إنما هي عيدان دقاق وفي أطرافها َزَمع يظهر في رؤوسها شيء كالشعر أصفر، والإبل والغنم تأكله رطبا ويابسا، ولهبه شديد الحُمرة، ويقال: كأن لحيته ضرام عرفجة. (راجع تاج العروس-عرج).
[5257]:- جاء في التاج: "قال الأزهري: ونار العرفج يُسميها العرب نار الزحفتين، لأن الذي يوقدها يزحف إليها، فإذا اتقدت زحف عنها." ونقل في اللسان عن ابن بري: وتُسمّى ناره نار الزحفتين لأنه يسرع الالتهاب فيزحف عنه، ثم لا يلبث أن يخبو فيُزحف إليه، وأنشد أبو العميثل: وسوداء المعاصم لم يغادر لها كفلا صلاء الزحفتين
[5258]:- البيت لأبي زبيد، وقد ذكر حفر قبر عثمان رضي الله عنه وكانوا قد حفروا له في الحرّة فشبّه المساحي التي يضرب بها في الأرض بطير عائفة على إبل سود قد اسودت من العرق بها دبر، وشبّه سواد الحرّة بالإبل السود، ورواية البيت كما قال ابن بري: "طير تعيف على" بدلا من: "طير تكشف عن". وقد روى البيت بألفاظ أخرى ذكرها صاحب اللسان وهي: حتى كأن مساحي القوم فوقهم طير تحوم على جوق مزاحيف.
[5259]:- قبل هذا البيت يقول الفرزدق: مستقبلين شمال الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور ورواية البيت في الديوان وفي اللسان كما ذكرها ابن عطية هنا: (على زواحف نُزجيها محاسير)، وقد قال شارع الديوان: "الرواية المشهورة: (تُزجى مُخّها رير)، ولحّنه ابن =معدان وقال: أسأت. الموضع موضع رفع، وإن رفعت أقويت، وألحّ الناس على الفرزدق في ذلك فقلبها فقال: (نُزجيها محاسير)، قال التاريخي: ثم ترك الرواة هذا ورجعوا إلى القول الأول". ومعنى رير: رقيق، يقال: أرار الله مُخّه أي: جعله رقيقا، قال الراجز: *والساق مني باديات الرير* أي: أنا ظاهر الهزال، لأنه دق عظمه ورقّ جلده فظهر مُخّه. (راجع اللسان). وفي كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة أن عبد الله بن أبي إسحاق النحوي قال: إن الفرزدق لحن في قوله: (تزجى مخّها رير) فبلغ ذلك الفرزدق فقال: أما وجد هذا لبيتي مخرجا في العربية؟ أما إني لو أشاء لقلت: (على زواحف نُزجيها محاسير)، ولكنني والله لا أقوله ولكن هكذا رواه اللغويون، وأصحاب المعاجم ورواة الديوان.
[5260]:- نسبه في "البحر المحيط" للأعشى، وتمامه كما ذكره: .................... منك السفين إذا تقاعس تجرف والظعائن: جمع ظعينة وهي المرأة تكون في الهودج، ثم كثر ذلك حتى سموا زوجة الرجل ظعينة، والظعن: سير البادية لنجدة أو طلب ماء. ورواية (التاج) لهذا البيت في شطره الثاني: ................... عوم السفين إذا تقاعس يحذف
[5261]:- قال المتنخل الهزلي هذا البيت يصف منهلا، وقد ذكره الجوهري بلفظ: كأن مزاحف الحيات فيها ................. وخطأه في اللسان، وقال: الصواب (فيه) كما ذكرناه، وقد ذكره مع بيت قبله هكذا: شربت بجمه وصدرت عنه وأبيض صارم ذكر إباطي كأن مزاحف الحيّات فيه قبيل الصبح آثار السياط. والجم: الماء إذا تراجع وكثر في البئر بعد الأخذ منه. ومعنى قوله إباطي: تحت إبطي، قال السيرافي: أصله: إباطي فخفف ياء النسب، وعلى هذا يكون صفة لصارم، وهو منسوب إلى الإبط.