الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

ثم قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم }[ 15 ] الآية .

والمعنى : إن الله أمر المؤمنين ألا يفروا من الكفار إذا تدانى بعضهم من بعض عند القتال .

وقيل : المعنى : إذا واقفتموهم{[26995]} فلا تفروا منهم ، ولكن أثبتوا فإن الله معكم .

ثم توعد من يتولى{[26996]} أنه يرجع بغضب من الله ، وأن مأواهم جهنم ، وأرخص لهم أن يتحرف الرجل لتمكنه{[26997]} عودة إلى الظفر ، لا ليولي هاربا ، وأرخص أن ينحاز الرجل إلى فئة من المؤمنين ليكون معهم{[26998]} .

يقال : تحوَّزت وتحيَّزت{[26999]} .

قال الضحاك : " المتحرف " : المتقدم من أصحابه ليظفر بعودة للعدو ، و " المتحيز " : الذي يرجع إلى أميره وأصحابه{[27000]} .

قال عطاء : هذا منسوخ ، نسخه : { يا أيها النبيء حرض المومنين على القتال }{[27001]} الآية ، فأُمِروا أن يفروا ممن هو أكثر من مثليهم{[27002]} .

وقال الحسن : الآية مخصوصة في أهل بدر خاصة ، وليس الفرار من الكبائر{[27003]} .


[26995]:في المخطوطتين: وقفتموهم، وفي معاني القرآن للزجاج 2/405، وتفسير السمرقندي 2/10: "...فالمعنى: إذ واقفتموهم للقتال"، وواقفه مواقفة ووقافا: وقف معه في حرب أو خصومة. اللسان، والتاج وقف. وهو الصواب الذي أثبته.
[26996]:في الأصل: يتول، وهو خطأ ناسخ.
[26997]:في الأصل: لتمكني عوة، وهو تحريف ناسخ. وفي "ر": لتمكنه عورة، وأثبت ما يعضده السياق. انظر جامع البيان 13/435.
[26998]:انظر: مزيد بيان في تفسير القرطبي 7/241، 243.
[26999]:تفسير الغريب لابن قتيبة 178، وتمامه: بـ"الياء" و"الواو"، وهما من: انحزت". انظر: النهر الماد 1/916.
[27000]:جامع البيان 13/435، 346، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1670، 1671، والدر المنثور 4/37، بتصرف.
[27001]:الأنفال: 66، وتمامها: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن تكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون}.
[27002]:قال في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 297: "قال عطاء: هي منسوخة بقوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن تكن منكم مائة يغلبوا ألفا}، ثم نسخ هذا كله وخففه بقوله: {فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين}[الأنفال: 67]، فأباح أن يولوا من عدد أكثر من مثليهم، والنسخ في هذا لا يجوز، لأنه وعيد، والوعيد لا ينسخ، لأنه خبر، وعليه أهل النظر والفهم". انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام 193، وجامع البيان 13/439، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/228، والمحرر الوجيز 2/510، ونواسخ القرآن لابن الجوزي 244.
[27003]:التفسير 1/399، وجامع البيان 13/438، والدر المنثور 4/37.