الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} (15)

قوله تعالى : { زَحْفاً } : فيه وجهان : أحدهما : أنه منصوبٌ على المصدر ، وذلك الناصب له في محل نصب على الحال ، والتقدير : إذا لقيتم الذين كفروا زاحفين زحفاً ، أو يزحفون زحفاً . والثاني : أنه منصوبٌ على الحال بنفسه ثم اختلفوا في صاحبِ الحال فقيل : الفاعل ، أي : وأنتم زَحْف من الزحوف ، أي : جماعة ، أو وأنتم تمشون إليهم قليلاً قليلاً على حَسَب ما يُفَسَّر به الزَّحْف وسيأتي . وقيل : هو المفعول أي : وهم جمٌّ كثير أو يمشون إليكم . وقيل : هي حالٌ منهما أي : لقيتموهم متزاحِفين بعضَكم إلى بعض .

والزَّحْفُ : الدنوُّ قليلاً قليلاً يقال : زَحَف يَزْحَف إليه بالفتح فيهما فهو زاحفٌ زَحْفاً ، وكذلك تَزَحَّفَ وتَزَاحف وأَزْحَفَ لنا عدوُّنا أي : دَنَوا لقتالنا . وقال الليث : " الزَّحْفُ : الجماعة يمشون إلى عدوِّهم ، قال الأعشى :

لِمَنِ الظعائنُ سَيَّرُهُنَّ تَزَحُّفُ *** مثلَ السَّفِينِ إذا تقاذَفُ تَجْدِفُ

وهذا من باب إطلاق المصدر على العين . والزَّحْفُ : الدبيب أيضاً مِنْ " زَحَفَ الصبيُّ " ، قال امرؤ القيس :

فَزَحْفاً أَتَيْتُ على الرُّكْبَتَيْنِ *** فثوباً لَبِسْتُ وثوباً أَجُرّْ

ويجوز جمعُه على زُحوف ومَزاحِف ، لاختلاف النوع ، قال الهذلي :

كأنَّ مَزاحِفَ الحَيَّاتِ فيه *** قبيل الصُّبْحِ آثارُ السِّياطِ

ومَزاحِف جمع مَزْحَف اسمَ المصدر .

قوله : " الأَدْبار " مفعول ل " تُوَلُّوهم " .