قوله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } والزحف : الدنو قليلاً قليلاً .
{ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ } يعني بالهزيمة منهم والانصراف عنهم . وفيه قولان :
أحدهما : أن هذا على العموم في تحريم الهزيمة بعد لقاء العدو .
والثاني : مخصوص وهو أن الله تعالى أوجب في أول الإِسلام على كل رجل من المسلمين أن يقف بإزاء عشرة من المشركين لا يحل له بعد اللقاء أن ينهزم عنهم وذلك بقوله : { إِن يَكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابرُونَ يَغْلِبُواْ مِائَتَينِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةُ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِنَ الَّذينَ كَفرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }{[1178]} وفيه وجهان :
أحدهما : لا يعلمون ما فرضه الله تعالى عليه من الإسلام .
الثاني : لا يعلمون ما فرضه الله تعالى عليهم من القتال .
ثم نسخ ذلك عنهم بعد كثرتهم واشتداد شوكتهم فأوجب الله تعالى على كل رجل لاقى المشركين محارباً أن يقف بإزاء رجلين بعد أن كان عليه أن يقف بإزاء عشرة تخفيفاً ورخصة وذلك قوله تعالى : { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وعَلِمَ أَنَّ فِيكُم ضَعْفاً }{[1179]} .
قرئ بضم الضاد وفتحها ، وفي اختلاف القراءتين وجهان :
أحدهما : أنهما لغتان ومعناهما واحد ، قاله الفراء .
أحدهما : أنها بالفتح : الضعف في الأموال ، وبالضم : الضعف في الأحوال .
الثاني : أنها بالفتح : الضعف في النيات ، وبالضم : الضعف في الأبدان . وقيل بعكس الوجهين في الوجهين{[1180]} .
ثم قال : { فَإِن يَكُن منكم مائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِن يَكُن منكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَينِ بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } {[1181]} فيه تأويلان :
أحدهما : مع الصابرين على القتال في معونتهم على أعدائهم .
الثاني : مع الصابرين على الطاعة في قبول عملهم وإجزال ثوابهم ، فصار حتماً على من لاقى عدوه من المشركين زحفاً أن لا ينهزم مع القوة على المصابرة حتى يقضي الله من أمره ما شاء فأما الهزيمة مع العجز عن المصابرة فإن قاتله أكثر من مثليه جاز أن يُولي عنهم منهزماً ، وإن قاتله مثلاه فمن دون حرم عليه أن يوليّ عنهم منهزماً على صفتين : إما أن يتحرف لقتال وهو أن يهرب ليطلب ، ويفر ليكر فإن الحرب كرٌ وفرٌ ، وهرب وطلب ، وإما أن يتحيز إلى فئة أخرى ليقاتل معها ، قربت الفئة أو بعدت ، وذلك ظاهر في قوله تعالى : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ من اللَّهِ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.