39- واستمروا - أيها المؤمنون - في قتال المشركين حتى يمتنعوا عن إفسادهم لعقائد المؤمنين بالاضطهاد والأذى ، فإن انتهوا عن الكفر وإيذاء المؤمنين ، وخلص الدين لله ، فإن الله تعالى عليم بأعمالهم ومجازيهم عليها{[74]} .
( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير . وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم ، نعم المولى ونعم النصير ) . .
وهذه حدود الجهاد في سبيل الله في كل زمان ، لا في ذلك الزمان . . ومع أن النصوص المتعلقة بالجهاد في هذه السورة ، وبقوانين الحرب والسلام ، ليست هي النصوص النهائية ، فقد نزلت النصوص الأخيرة في هذا الباب في سورة براءة التي نزلت في السنة التاسعة ؛ ومع أن الإسلام - كما قلنا في تقديم السورة - حركة إيجابية تواجه الواقع البشري بوسائل مكافئة ، وأنه حركة ذات مراحل ، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية . .
( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) . .
يقرر حكماً دائماً للحركة الإسلامية في مواجهة الواقع الجاهلي الدائم . .
ولقد جاء الإسلام - كما سبق في التعريف بالسورة - ليكون إعلاناً عاماً لتحرير " الإنسان " في " الأرض " من العبودية للعباد - ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد - وذلك بإعلان ألوهية الله وحده - سبحانه - وربوبيته للعالمين . . وأن معنى هذا الإعلان : الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها ، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض ، الحكم فيه للبشر في صورة من الصور . . . الخ .
ولا بد لتحقيق هذا الهدف الضخم من أمرين أساسيين :
أولهما : دفع الأذى والفتنة عمن يعتنقون هذا الدين ، ويعلنون تحررهم من حاكمية الإنسان ، ويرجعون بعبوديتهم لله وحده ، ويخرجون من العبودية للعبيد في جميع الصور والأشكال . . وهذا لا يتم إلا بوجود عصبة مؤمنة ذات تجمع حركي تحت قيادة تؤمن بهذا الإعلان العام ، وتنفذه في عالم الواقع ، وتجاهد كل طاغوت يعتدي بالأذى والفتنة على معتنقي هذا الدين ، أو يصد بالقوة وبوسائل الضغط والقهر والتوجيه من يريدون اعتناقه . .
وثانيهما : تحطيم كل قوة في الأرض تقوم على أساس عبودية البشر للبشر - في صورة من الصور - وذلك لضمان الهدف الأول ، ولإعلان ألوهية الله وحدها في الأرض كلها ، بحيث لا تكون هناك دينونةإلا لله وحده - فالدين هنا بمعنى الدينونة لسلطان الله - وليس هو مجرد الاعتقاد . .
ولا بد هنا من بيان الشبهة التي قد تحيك في الصدور من هذا القول ، على حين أن الله سبحانه يقول : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) . .
ومع أن فيما سبق تقريره عن طبيعة الجهاد في الإسلام - وبخاصة فيما اقتطفناه من كتاب : " الجهاد في سبيل الله " للأستاذ أبي الأعلى المودودي ، ما يكفي للبيان الواضح . . إلا أننا نزيد الأمر إيضاحاً ، وذلك لكثرة ما لبس الملبسون ومكر الماكرون من أعداء هذا الدين !
إن الذي يعنيه هذا النص : ( ويكون الدين كله لله ) . . هو إزالة الحواجز المادية ، المتمثلة في سلطان الطواغيت ، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد ، فلا يكون هناك - حينئذ - سلطان في الأرض لغير الله ، ولا يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله . . فإذا أزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط . على ألا تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين ، ويحول بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى ، ويفتن بها الذين يتحررون فعلا من كل سلطان إلا سلطان الله . . إن الناس أحرار في اختيار عقيدتهم ، على أن يعتنقوا هذه العقيدة أفراداً ، فلا يكونون سلطة قاهرة يدين لها العباد . فالعباد لا يدينون إلا لسلطان رب العباد .
ولن تنال البشرية الكرامة التي وهبها لها الله ، ولن يتحرر " الإنسان " في " الأرض " ، إلا حين يكون الدين كله لله ، فلا تكون هنالك دينونة لسلطان سواه .
ولهذه الغاية الكبرى تقاتل العصبة المؤمنة :
( حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) . .
فمن قبل هذا المبدأ وأعلن استسلامه له ، قبل منه المسلمون إعلانه هذا واستسلامه ، ولم يفتشوا عن نيته وما يخفي صدره ، وتركوا هذا لله :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله : وإن يعد هؤلاء لحربك ، فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر ، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم ، فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يُعبد إلاّ الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة ، ويكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله يقول : حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني : حتى لا يكون شرك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن ، في قوله : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال : الفتنة : الشرك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ : يقول : قاتلوهم حتى لا يكون شرك ، و وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ حتى يقال : لا إله إلاّ الله ، عليها قاتل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وإليها دعا .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال : ختى لا يكون شرك .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله : وَقاتُلوهُم حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال : حتى لا يكون بلاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ : أي لا يفتُر مؤمن عن دينه ، ويكون التوحيد لله خالصا ليس فيه شرك ، ويخلع ما دونه من الأنداد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال : حتى لا يكون كفر ، وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ لا يكون مع دينكم كفر .
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبان العطار ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء ، فكتب إليه عروة : سلامْ عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلاّ هو أما بعد : فإنك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وسأخبرك به ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله :
كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، أن الله أعطاه النبوّة ، فنعم النبي ونعم السيد ، ونعم العشيرة فجزاه الله خيرا وعرّفنا وجهه في الجنة ، وأحيانا على ملته ، وأماتنا عليها ، وبعثنا عليها . وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل عليه ، لم ينفروا منه أوّل ما دعاهم إليه ، وكانوا يسمعون له حتى ذكر طواغيَتهم . وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال ، أنكر ذلك عليه ناس ، واشتدّوا عليه ، وكرهوا ما قال ، وأغروا به من أطاعهم ، فانعطف عنه عامة الناس ، فتركوه ، إلاّ من حفظه الله منهم وهم قليل . فمكث بذلك ما قدّر الله أن يمكث ، ثم ائتمرت رءوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم ، فكانت فتنة شديدة الزلزال ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله من شاء منهم . فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة ، وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي لا يُظلم أحد بأرضه ، وكان يُثْنَى عليه مع ذلك . وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها ، ومساكن لتجارتهم يجدون فيها رتاعا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا . فأمرهم بها النبيّ صلى الله عليه وسلم فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة ، وخافوا عليهم الفتن ، ومكث هو فلم يبرح ، فمكث ذلك سنوات يشتدّون على من أسلم منهم . ثم إنه فشا الإسلام فيها ، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم فلما رأوا ذلك استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ، وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل أرض الحبشة مخافتها وفرارا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال . فلما استرخى عنهم ودخل في الإسلام من دخل منهم ، تحدث بهذا الاسترخاء عنهم ، فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد استرخى عمن كان منهم بمكة وأنهم لا يفتنون ، فرجعوا إلى مكة وكادوا يأمنون بها ، وجعلوا يزدادون ويكثرون . وإنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير ، وفشا بالمدينة الإسلام ، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما رأت قريش ذلك ، توامرت على أن يفتنوهم ، ويشدّوا عليهم ، فأخذوهم وحرصوا على أن يفتنوهم ، فأصابهم جهد شديد ، وكانت الفتنة الاَخرة ، فكانت ثنتين : فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأذن لهم في الخروج إليها ، وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة . ثم إنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نفسا رءؤس الذين أسلموا ، فوافوه بالحجّ ، فبايعوه بالعقبة ، وأعطوه على : أنا منك وأنت منا ، وعلى : أن من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا . فاشتدت عليهم قريش عند ذلك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة ، وهي الفتنة الاَخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وخرج هو ، وهي التي أنزل الله فيها : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة بن الزبير ، أنه كتب إلى الوليد : أما بعد ، فإنك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وعندي بحمد الله من ذلك علم بكلّ ما كتبت تسألني عنه ، وسأخبرك إن شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، ثم ذكر نحوه .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا قيس ، عن الأعمش ، عن مجاهد : وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال : يَسَاف ونائلة صنمان كانا يُعبدان .
وأما قوله : فإن انْتَهَوْا فإن معناه : فإن انتهوا عن الفتنة ، وهي الشرك بالله ، وصاروا إلى الدين الحقّ معكم . فإنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يقول : فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الإسلام لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم والأشياء كلها متجلية له لا تغيب عنه ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين .
وقد قال بعضهم : معنى ذلك : فإن انتهوا عن القتال .
والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب ، لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال ، فإنه كان فرضا على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا .
{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } لا يوجد فيهم شرك . { ويكون الدين كله لله } وتضمحل عنهم الأديان الباطلة . { فإن انتهوا } عن الكفر . { فإن الله بما يعملون بصير } فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم . وعن يعقوب " تعملون " بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان بصير ، فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال للمؤمنين: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}، يعنى شركا ويوحدوا ربهم، {ويكون} يعني ويقوم {الدين كله لله}، ولا يعبد غيره، {فإن انتهوا} عن الشرك فوحدوا ربهم، {فإن الله بما يعملون بصير}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: وإن يعد هؤلاء لحربك، فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم، فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يُعبد إلاّ الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة، "ويكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله "يقول: حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره... عن ابن عباس، قوله: "وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ" يعني: حتى لا يكون شرك...
وأما قوله: "فإن انْتَهَوْا" فإن معناه: فإن انتهوا عن الفتنة، وهي الشرك بالله، وصاروا إلى الدين الحقّ معكم. "فإنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" يقول: فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الإسلام لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم والأشياء كلها متجلية له لا تغيب عنه ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين.
وقد قال بعضهم: معنى ذلك: فإن انتهوا عن القتال.
والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب، لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال، فإنه كان فرضا على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا.
قوله تعالى: {وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلهُ لله}...
قال محمد بن إسحاق: حتى لا يفتتن مؤمن عن دينه. والفتنة ههنا جائز أن يريد بها الكفر وجائز أن يريد بها البغي والفساد؛ لأن الكفر إنما سمي فتنةً لما فيه من الفساد، فتنتظم الآية قتال الكفار وأهل البغي وأهل العَيْثِ والفساد، وهي تدلّ على وجوب قتال الفئة الباغية. وقوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله} يدلّ على وجوب قتال سائر أصناف أهل الكفر إلا ما خصَّه الدليل من الكتاب والسنّة، وهم أهل الكتاب والمجوس، فإنهم يُقَرّونَ بالجزية. ويحتج به من يقول لا يقر سائر الكفار على دينهم بالذمة إلا هؤلاء الأصناف الثلاثة، لقيام الدلالة على جواز إقرارها بالجزية...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
.قوله "ويكون الدين كله لله "معناه أن يجمع أهل الباطل وأهل الحق على الدين الحق فيما يعتقدونه ويعملون به، فيكون الدين كله حينئذ لله بالاجتماع على طاعته وعبادته، والدين ههنا: الطاعة بالعبادة...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أمرهم بمقاتلة الكفار والإبلاغ فيها حتى تُسْتأصل شأفتُهم بحيث يأَمَن المسلمون مَضَرَّتَهم، ويكفَونُ بالكلية فتنتهم.. وحَيَّةُ الوادي لا تُؤْمَنُ ما دامت تبقى فيها حركة؛ كذلك العدو إذا قُهِر فحقُّه أن تُقْتلعَ جميعُ عروقه، وتُنَقَّى رِبَاعُ الإسلام من كل شكيره تنبت من الشرك...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} إلى أن لا يوجد فيهم شرك قط {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} ويضمحل عنهم كل دين باطل، ويبقى فيهم دين الإسلام وحده {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر وأسلموا {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يثيبهم على توبتهم وإسلامهم...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} أي وقاتلهم حينئذ أيها الرسول أنت ومن معك من المؤمنين حتى تزول الفتنة في الدين بالتعذيب وضروب الإيذاء لأجل تركه كما فعلوا فيكم عندما كانت لهم القوة والسلطان في مكة حتى أخرجوكم منها لأجل دينكم ثم صاروا يأتون لقتالكم في دار الهجرة، وحتى يكون الدين كله لله لا يستطيع أحد أن يفتن أحدا عن دينه ليكرهه على تركه إلى دين المكره له فيتقلده تقية ونفاقا- ونقول إن المعنى بتعبير هذا العصر: ويكون الدين حرا، أي يكون الناس أحرارا في الدين لا يُكره أحد على تركه إكراها، ولا يؤذى ويعذب لأجله تعذيبا...
وروي عن ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك قال ابن كثير وكذا قال أبو العالية ومجاهد والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم. أقول وعليه جمهور مؤلفي التفاسير المشهورة من الخلف قالوا وقاتلوهم حتى لا يبقى شرك وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام ولذلك قال بعضهم: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد وسيتحقق مضمونها إذا ظهر المهدي فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلا...
، ويؤيد الأول ما روى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رجلا جاءه فقال يا أبا عبد الرحمان ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] إلى آخر الآية فما يمنعك ألا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال يا ابن أخي أعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن أعير بهذه الآية التي يقول الله تعالى فيها: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} –إلى آخرها قال فإن الله يقول: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [البقرة: 193] قال ابن عمر قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلونه وإما يوثقونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، الخ فابن عمر رضي الله عنهما يفسر الفتنة في آية الأنفال هذه بما قلنا إنه المتبادر منها ويقول إنها قد زالت بكثرة المسلمين وقوتهم فلا يقدر المشركون على اضطهادهم وتعذيبهم ولو كانت بمعنى الشرك لما قال هذا فإن الشرك لم يكن قد زال من الأرض ولن يزول {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [هود: 118]...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذه حدود الجهاد في سبيل الله في كل زمان، لا في ذلك الزمان ...
إن قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).. يقرر حكماً دائماً للحركة الإسلامية في مواجهة الواقع الجاهلي الدائم.. ولقد جاء الإسلام -كما سبق في التعريف بالسورة- ليكون إعلاناً عاماً لتحرير "الإنسان "في "الأرض" من العبودية للعباد -ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد- وذلك بإعلان ألوهية الله وحده -سبحانه- وربوبيته للعالمين.. وأن معنى هذا الإعلان: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض، الحكم فيه للبشر في صورة من الصور... الخ.
ولا بد لتحقيق هذا الهدف الضخم من أمرين أساسيين:
أولهما: دفع الأذى والفتنة عمن يعتنقون هذا الدين، ويعلنون تحررهم من حاكمية الإنسان، ويرجعون بعبوديتهم لله وحده، ويخرجون من العبودية للعبيد في جميع الصور والأشكال.. وهذا لا يتم إلا بوجود عصبة مؤمنة ذات تجمع حركي تحت قيادة تؤمن بهذا الإعلان العام، وتنفذه في عالم الواقع، وتجاهد كل طاغوت يعتدي بالأذى والفتنة على معتنقي هذا الدين، أو يصد بالقوة وبوسائل الضغط والقهر والتوجيه من يريدون اعتناقه..
وثانيهما: تحطيم كل قوة في الأرض تقوم على أساس عبودية البشر للبشر -في صورة من الصور- وذلك لضمان الهدف الأول، ولإعلان ألوهية الله وحدها في الأرض كلها، بحيث لا تكون هناك دينونة إلا لله وحده -فالدين هنا بمعنى الدينونة لسلطان الله- وليس هو مجرد الاعتقاد..
ولا بد هنا من بيان الشبهة التي قد تحيك في الصدور من هذا القول، على حين أن الله سبحانه يقول: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).. ومع أن فيما سبق تقريره عن طبيعة الجهاد في الإسلام -وبخاصة فيما اقتطفناه من كتاب: "الجهاد في سبيل الله" للأستاذ أبي الأعلى المودودي، ما يكفي للبيان الواضح.. إلا أننا نزيد الأمر إيضاحاً، وذلك لكثرة ما لبس الملبسون ومكر الماكرون من أعداء هذا الدين! إن الذي يعنيه هذا النص: (ويكون الدين كله لله).. هو إزالة الحواجز المادية، المتمثلة في سلطان الطواغيت، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد، فلا يكون هناك- حينئذ -سلطان في الأرض لغير الله، ولا يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله.. فإذا أزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط. على ألا تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين، ويحول بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى، ويفتن بها الذين يتحررون فعلا من كل سلطان إلا سلطان الله.. إن الناس أحرار في اختيار عقيدتهم، على أن يعتنقوا هذه العقيدة أفراداً، فلا يكونون سلطة قاهرة يدين لها العباد. فالعباد لا يدينون إلا لسلطان رب العباد. ولن تنال البشرية الكرامة التي وهبها لها الله، ولن يتحرر "الإنسان" في "الأرض"، إلا حين يكون الدين كله لله، فلا تكون هنالك دينونة لسلطان سواه. ولهذه الغاية الكبرى تقاتل العصبة المؤمنة: (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).. فمن قبل هذا المبدأ وأعلن استسلامه له، قبل منه المسلمون إعلانه هذا واستسلامه، ولم يفتشوا عن نيته وما يخفي صدره، وتركوا هذا لله: (فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والفتنة اضطراب أمر الناس ومَرَجهم...
. والمراد هنا أن لا تكون فتنة من المشركين لأنه لما جُعل انتفاء والفتنة غاية لقتالهم، وكان قتالهم مقصوداً منه إعدامُهم أوْ إسلامهم، وبأحَد هذين يكون انتفاء الفتنة، فنتج من ذلك أن الفتنة المرادَ نفيُها كانت حاصلة منهم وهي فتنتهم المسلمين لا محالة، لأنهم إنما يفتِنون مَن خالفهم في الدين فإذا أسلموا حصل انتفاء فتنتهم وإذا أعدمهم الله فكذلك. وهذه الآية دالة على ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة من أن قتال المشركين واجب حتى يسلموا، وأنهم لا تقبل منهم الجزية، ولذلك قال الله تعالى هنا: {حتى لا تكون فتنة}...
وهي أيضاً دالة على ما رآه المحققون من مؤرخينا: من أن قتال المسلمين المشركين إنما كان أوله دفاعاً لأذى المشركين ضعفاء المسلمين، والتضييقِ عليهم حيثما حلوا، فتلك الفتنة التي أشار إليها القرآن ولذلك قال في الآية الأخرى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191]...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الفتنة في الدين: إيذاء المؤمن لمنعه من اعتقاد ما يراه الحق، أو من الاستمرار عليه، وحمله على تركه بعد اعتقاده، كما يفعل المشركون في مكة مع المؤمنين، وكما فعل أصحاب الأخدود ا...
ومن الفتنة في الدين أن يمنع الداعي إلى الحق من الدعوة إليه، وان يمنع تعريف الناس بهذا الحق. وكان الناس يفتنون في دينهم بعد دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحق، فكانوا في مكة يفتنون، وقتل في الشام من أسلم من العرب، وحيل بين الدعوة الإسلامية، وأن تصل إلى الناس، والقتال يستمر إلى أن يزول سببه، وأن يكون الدين كله لله تعالى بأن يطلب الرجل الدين خالصا لا إرهاق ولا ضلال، بل يعتقد ما يعتقدا مخلصا لله طالبا وجه الله والحق لا يبغي سواه، وهذا معنى قوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}، وإنه إذا طلب الدين كله لله سبحانه وتعالى، لا يفكر فيه كله إلا من هو لله مخلص مستقيم فإنه لا يمكن أن يكون مشركا، بل لابد أن يكون مؤمنا بالله الواحد الأحد الذي ليس بوالد ولا ولد، فإنه حينئذ يسلم كل أمر في وجهه لله تعالى بعيدا عن تأثير الملوك والرؤساء، وتضليل المضلين، هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}، أي يكون التدين كله لله تعالى. إن نهاية القتال تكون بانتهاء الفتن في العقيدة، وأن يكون طلب الدين، وقد قال تعالى: {فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، والمعنى إن انتهوا عن الشر والاعتداء والفتنة في الدين، والإيذاء في الاعتقاد، فإن الله تعالى: {بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، أي أنه مراقب نفوسهم وعليهم بما تخفي صدورهم، وما يجيش بنفوسهم، وفي هذا بيان علم الله الكامل، وتهديد لهم إن عادوا، كما فيه تبشير لهم إن استقاموا على الطريقة، وفي آية يقول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)} (البقرة)...
وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى:"وقاتلوهم" نفهم أن هذا أمر للمؤمنين ليقاتلوا الكفار، ولابد أن يكون الكفار قد فعلوا شيئا يستحق أن يُقاتلوا عليه، أو أنهم يبيتون للمؤمنين القتال وعلى المؤمنين أن يواجهوهم ويقاتلوهم. ولم يقل الله سبحانه وتعالى: اقتلوهم بل قال: "قاتلوهم"؛ أي مواجهة فيها مفاعلة القتال...
. وهنا قال الحق سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} (من الآية 39 من سورة الأنفال): ومعنى ذلك أن هناك قتالا يؤدي للقتال. وجاء القتال ليحسم الأمر؛ لأن ترك هؤلاء الكفار يعتدون على المسلمين، ويأخذون أموالهم بالباطل، فيرى الناس المؤمنين أذلة مستضعفين، والكفار عالين أقوياء فتحدث فتنة في الدين، أي يفتن الناس في دينهم وهم يرون الذل دون أي محاولة أو تحرك لدفعه. ويريد الله سبحانه وتعالى أن تنتهي الفتنة. والفتنة هي الاختبار. وكما قلنا: إن الاختبار ليس مذموما لذاته، ولكنه يُذم بنتيجته. فإن رسب الطالب في الاختبار تكون نتيجته مذمومة. وإن نجح تكون محمودة. ولقد كان كفار قريش يفتنون الناس في دينهم بتعذيبهم تعذيبا شديدا حتى تخور قواهم ويخضعوا لأحكامهم. وأراد الله سبحانه وتعالى أن يضع نهاية لهذا الظلم. فأذن بقتالهم؛ لأنهم هم الذين فعلوا ما يستوجب قتالهم. ونجد قوله سبحانه وتعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (من الآية 39 من سورة الأنفال). بينما نجد أنه قد ذكر في سورة البقرة بدون "كله"، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فيها: {ويكون الدين لله}، دون أن تذكر كلمة "كله "ولكل آية لقطة ومعنى؛ لأن كل لفظ في القرآن له معنى، فقوله تعالى: {ويكون الدين لله} يعني أنه لا يجب أن يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد حدث. وأما قوله تعالى:"الدين لله". فقد أعطتنا لقطة أخرى، فالأولى تخص العرب والجزيرة العربية، والثانية تعني أن الإسلام للعالم كله، ويقول الحق سبحانه وتعالى في الآية التي نحن بصددها: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (من الآية 39 من سورة الأنفال) وقوله تعالى: "فإن انتهوا" أي استجابوا وأطاعوا، وقوله تعالى: "فإن الله بما يعملون بصير" أي فليحذروا أن يتم هذا خداعا لأن الله بصير بهم، ومطلع عليهم، وماداموا قد انتقلوا من حظيرة الكفر إلى حظيرة الإيمان فالله يمحو سيئاتهم ويبدلها حسنات؛ لأن قوما عاشوا على الكفر وألفوا خصاله ثم تركوا ذلك إلى الإيمان فهذا أمر صعب يحتاج إلى جهاد شديد مع النفس، فيثيبهم الله تعالى بقدر مجاهدتهم لأنفسهم، ويثيبهم المولى سبحانه وتعالى بسخاء. وهناك معنى ثان في قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (من الآية 39 من سورة الأنفال) أي: فيا من وقفتم موقف العداء من الإيمان، وتعرضتم للكافرين التعرض الذي أعاد لهم التهذيب وحسن التعامل مع المؤمنين، اعلموا أنه سبحانه وتعالى بصير بما عملتم ليكون الدين كله لله. وهكذا نرى أن كلا من المعنيين يكمل الآخر...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}. وهذا توجيهٌ للمؤمنين إلى الروحية التي يجب أن تحكم أهدافهم في القتال، فهم يقاتلون على أساس منع القوة التي تمثلها قريش من الضغط على المسلمين بغرض فتنتهم عن دينهم، وإبعادهم عن خط التوحيد لله. فإن هذه القوة إذا انهارت، انهار الشرك كله، مما يدفع الجوّ إلى التغيير الجذري. {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ}، لأن الناس سينفتحون على الإسلام عندما تتحطم كل الحواجز المادية التي تمنعهم من الوصول إليه والانفتاح عليه، وهذا هو الخط الذي ينبغي للمؤمنين أن يسيروا عليه في ساحة الصراع، ليكون من أهدافهم البعيدة أن يضعفوا كل القوى الكافرة المهيمنة على الفكر والعمل، بالوسائل الواقعية التي يملكونها، على أساس الظروف الموضوعية المحيطة بهم، في ما تختزن من أوضاعٍ وما تطلقه من تحديات وما تتحرك به من خططٍ ومؤامرات، لأن إضعاف القوى المضادّة قد يكون إحدى الوسائل التي تتيح للدعوة الإسلامية أن تأخذ حريتها في الحركة، عندما يأخذ الآخرون من أفراد الأمة حريتهم في التفكير والقراءة والاستماع والحوار، بعيداً عن الضغوط الفكرية والسياسية والعسكرية...