المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

7- للرجال نصيب من الأموال التي يتركها الوالدان والأقربون - ميراثاً - وللنساء أيضاً نصيب مما ترك هؤلاء دون منع أو بخس ، وهذه الأنصبة الثابتة مفروضة ومقدرة سواء قَلَّتْ الأموال أو كثرت .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

1

ولقد كانوا في الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصبية - في الغالب - إلا التافه القليل . لأن هؤلاء وهؤلاء لا يركبون فرسا ، ولا يردون عاديا ! فإذا شريعة الله تجعل الميراث - في أصله - حقا لذوي القربى جميعا - حسب مراتبهم وأنصبتهم المبينة فيما بعد - وذلك تمشيا مع نظرية الإسلام في التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة ، وفي التكافل الإنساني العام . وحسب قاعدة : الغنم بالغرم . . فالقريب مكلف إعالة قريبه إذا احتاج ، والتضامن معه في دفع الديات عند القتل والتعويضات عند الجرح ، فعدل إذن أن يرثه - إن ترك مالا - بحسب درجة قرابته وتكليفه به . والإسلام نظام متكامل متناسق . ويبدو تكامله وتناسقه واضحا في توزيع الحقوق والواجبات . .

هذه هي القاعدة في الإرث بصفة عامة . . وقد نسمع هنا وهناك لغطا حول مبدأ الإرث ، لا يثيره إلا التطاول على الله - سبحانه - مع الجهل بطبيعة الإنسان ، وملابسات حياته الواقعية !

إن إدراك الأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي الإسلامي ، يضع حدا لهذا اللغط على الإطلاق . .

إن قاعدة هذا النظام هي التكافل . . ولكي يقوم هذا التكافل على أسس وطيدة راعى الإسلام أن يقوم على أساس الميول الفطرية الثابتة في النفس البشرية . هذه الميول التي لم يخلقها الله عبثا في الفطرة ، إنما خلقها لتؤدي دورا أساسيا في حياة الإنسان .

ولما كانت روابط الأسرة - القريبة والبعيدة - روابط فطرية حقيقية ؛ لم يصطنعها جيل من الأجيال ؛ ولم تصطنعها جميع الأجيال بطبيعة الحال ! والجدال في جدية هذه الروابط وعمقها وأثرها في رفع الحياة وصيانتها وترقيتها كذلك لا يزيد على أن يكون مراء لا يستحق الاحترام . . لما كان الأمر كذلك جعل الإسلام التكافل في محيط الأسرة هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام . وجعل الإرث مظهرا من مظاهر ذلك التكافل في محيط الأسرة . فوق ما له من وظائف أخرى في النظام الاقتصادي والاجتماعي العام .

فإذا عجزت هذه الخطوة أو قصرت عن استيعاب جميع الحالات المحتاجة إلى التكافل جاءت الخطوة التالية في محيط الجماعة المحلية المتعارفة ، لتكملها وتقويها . فإذا عجزت هذه جاء دور الدولة المسلمة لتتولى كل من قصرت في إعالتهم وكفالتهم الكاملة ، جهود الأسرة ، وجهود الجماعة المحلية المحدودة . . وبذلك لا يلقى العبء كله على عاتق الجهاز العام للدولة . . أولا لأن التكافل في محيط الأسرة أو في محيط الجماعة الصغيرة يخلق مشاعر لطيفة رحيمة ، تنمو حولها فضائل التعاون والتجاوب نموا طبيعيا غير مصطنع - فضلا على أن هذه المشاعر كسب إنساني لا يرفضه إلا لئيم نكد خبيث - أما التكافل في محيط الأسرة بصفة خاصة فينشىء آثارا طبيعية تلائم الفطرة . . فشعور الفرد بأن جهده الشخصي سيعود أثره على ذوي قرابته - وبخاصة ذريته - يحفزه إلى مضاعفة الجهد ، فيكون نتاجه للجماعة عن طريق غير مباشر . لأن الإسلام لا يقيم الفواصل بين الفرد والجماعة . فكل ما يملك الفرد هو في النهاية ملك للجماعة كلها عندما تحتاج . .

وهذه القاعدة الأخيرة تقضي على كل الاعتراضات السطحية على توريث من لم يتعب ولم يبذل جهدا - كما يقال ! - فهذا الوارث هو امتداد للمورث من جهة ، ثم هو كافل هذا المورث لو كان هذا محتاجا وذاك ذا مال . ثم في النهاية هو وما يملك للجماعة عندما تحتاج . تمشيا مع قاعدة التكافل العام .

ثم إن العلاقة بين المورث والوارث - وبخاصة الذرية - ليست مقصورة على المال . فإذا نحن قطعنا وراثة المال ، فما نحن بمستطيعين أن نقطع الوشائج الأخرى ، والوراثات الأخرى بينهما .

إن الوالدين والأجداد والأقرباء عامة ، لا يورثون أبناءهم وأحفادهم وأقاربهم المال وحده . إنما يورثونهم كذلك الاستعدادات الخيرة والشريرة ، والاستعدادات الوراثية للمرض والصحة ، والانحراف والاستقامة ، والحسن والقبح ، والذكاء والغباء . . إلخ . وهذه الصفات تلاحق الوارثين وتؤثر في حياتهم ، ولا تتركهم من عقابيلها أبدا . فمن العدل إذن أن يورثوهم المال . وهم لا يعفونهم من المرض والانحراف والغباء ، ولا تملك الدولة - بكل وسائلها - أن تعفيهم من هذه الوراثات .

من أجل هذه الواقعيات الفطرية والعملية في الحياة البشرية - ومن أجل غيرها وهو كثير من المصالح الاجتماعية الأخرى - شرع الله قاعدة الإرث :

( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون - مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) . .

هذا هو المبدأ العام ، الذي أعطى الإسلام به " النساء " منذ أربعة عشر قرنا ، حق الإرث كالرجال - من ناحية المبدأ - كما حفظ به حقوق الصغار الذين كانت الجاهلية تظلمهم وتأكل حقوقهم . لأن الجاهلية كانت تنظر إلى الأفراد حسب قيمتهم العملية في الحرب والإنتاج . أما الإسلام فجاء بمنهجه الرباني ، ينظر إلى " الإنسان " - أولا - حسب قيمته الإنسانية . وهي القيمة الأساسية التي لا تفارقه في حال من الأحوال ! ثم ينظر إليه - بعد ذلك - حسب تكاليفه الواقعية في محيط الأسرة وفي محيط الجماعة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مّفْرُوضاً } .

يعني بذلك تعالى ذكره : للذكور من أولاد الرجل الميت حصة من ميراثه وللإناث منهم حصة منه ، من قليل ما خلف بعده وكثيره حصة مفروضة واجبة معلومة مؤقتة . وذكر أن هذه الاَية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث . كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : كانوا لايورثون النساء ، فنزلت : { وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : نزلت في أم كُحة وابنة كحة وثعلبة وأوس بن سويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهم زوجها ، والاَخر عمّ ولدها ، فقالت : يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته ، فلم نورّث ، فقال عمّ ولدها : يا رسول الله لا تركب فرسا ، ولا تحمل كلاّ ، ولا تنكأ عدوّا يكسب عليها ، ولا تكتسب . فنزلت : { للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ وللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنْهُ أوْ كَثُرَ نَصِيبا مَفُرُوضا } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { للرِجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ } قال : كان النساء لا يرثن في الجاهلية من الاَباء ، وكان الكبير يرث ولا يرث الصغير وإن كان ذكرا ، فقال الله تبارك وتعالى : { للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } إلى قوله : { نَصِيبا مَفرُوضا } .

قال أبو جعفر : ونصب قوله : { نَصِيبا مَفْرُوضا } وهو نعت للنكرة لخروجه مخرج المصدر ، كقول القائل : لك عليّ حقّ واجبا ، ولو كان مكان قوله : { نَصِيبا مَفْرُوضا } اسم صحيح لم يجز نصبه ، لا يقال : لك عندي حقّ درهما ، فقوله : { نَصِيبا مَفُرُوضا } كقوله : نصيبا فريضة وفرضا ، كما يقال : عندي درهم هبة مقبوضة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } يريد بهم المتوارثين بالقرابة . { مما قل منه أو كثر } بدل مما ترك بإعادة العامل . { نصيبا مفروضا } نصب على أنه مصدر مؤكد كقوله تعالى : { فريضة من الله } أو حال إذ المعنى : ثبت لهم مفروضا نصيب ، أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مقطوعا واجبا لهم ، وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه . روي ( أن أوس بن الصامت الأنصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات ، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة . أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية ، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون : إنما يرث . من يحارب ويذب عن الحوزة ، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ فشكت إليه فقال : ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله . فنزلت فبعث إليهما : لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن الله قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزلت { يوصيكم الله } فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابن العم ) . وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقف الخطاب .