البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

{ للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً } قيل : سبب نزولها هو خبر أم كجه وقد تقدم ، قاله : عكرمة وقتادة وابن زيد .

قال المروزي : كان اليونان يعطون جميع المال للبنات ، لأن الرّجل لا يعجز عن الكسب ، والمرأة تعجز .

وكانت العرب لا يعطون البنات ، فردَّ الله على الفريقين .

والمعنيّ : بالرجال الذكور ، وبالنساء الإناث كقوله : { وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء } .

وأبهم في قوله : نصيب ، ومما ترك في موضع الصفة لنصيب .

وقيل : يتعلق بلفظ نصيب فهو من تمامه .

والوالدان : يعني والدي الرجال والنساء ، وهما أبواهم ، وسمي الأب والداً ، لأن الولد منه ، ومن الوالدة .

وللاشتراك جاء الفرق بينهما بالتاء كقوله : { لا تضار والدة بولدها } وجمع بالألف والتاء قياساً كقوله : { والوالدات } قال ابن عطية : كما قال الشاعر :

بحيث يعتشّ الغراب البائض *** لأن البيض من الأنثى والذكر انتهى .

ولا يتعين أن يراد بالغراب هنا الذكر ، لأن لفظ الغراب ينطلق على الذكر والأنثى ، وليس مما فرق بينه وبين مؤنثه بالتاء .

فهو كالّرعوب ينطلق على الذكر والأنثى ، ولا يرجح كونه ذكراً وصفه بالبائض ، وهو وصف مذكر لاحتمال أن يكون ذكر حملاً على اللفظ ، إذ لم تظهر فيه علامة تأنيث كما أنث المذكر حملاً على لفظ التأنيث في قوله : وعنترة الفلحاء .

وفي قوله : أبوك خليفة ولدته أخرى .

والأقربون : هم المتوارثون من ذوي القرابات .

وقد أبهم في لفظ الأقربون كما أبهم في النصيب ، وعين الوارث والمقدار في الآيات بعدها .

وقوله : مما قلّ منه ، هو بدل من قوله : مما ترك الأخير ، أعيد معه حرف الجر ، والضمير في منه عائد على ما من قوله : مما ترك الأخير .

واكتفى بذكره في هذه الجملة ، وهو مراد في الجملة الأولى ، ولم يضطرّ إلى ذكره لأن البدل جاء على سبيل التوكيد ، إذ ليس فيه إلا توضيح أنه أريد بقوله : مما ترك العموم في المتروك .

وهذا البدل فيه ذكر توعى المتروك من القلة أو الكثرة .

وقال أبو البقاء : مما قلّ يجوز أن يكون حالاً من الضمير المحذوف في ترك ، أي : مما تركه مستقراً مما قلّ .

ومعنى نصيباً مفروضاً : أي حظاً مقطوعاً به لا بد لهم من أن يحوزوه .

وقال الزجاج ومكي : نصيباً منصوب على الحال ، المعنى : لهؤلاء أنصباء على ما ذكرنا هنا في حال الفرض .

وقال الفراء : نصب لأنه أخرجه مخرج المصدر ، ولذلك وحده كقولك له : عليّ كذا حقاً لازماً ، ونحوه : { فريضة من الله } ولو كان اسماً صحيحاً لم ينصب ، لا تقول : لك عليّ حق درهماً انتهى .

وقال الزمخشري قريباً من هذا القول قال : ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد لقوله : فريضة من الله ، كأنه قسمة مفروضة .

وقال ابن عطية نحواً من كلام الزجاج قال : إنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال تقديره : فرضاً .

ولذلك جاز نصبه كما تقول له : عليّ كذا وكذا حقاً واجباً ، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب ، ولكنّ حقه الرفع انتهى كلامه .

وهو مركب من كلام الزجاج والفراء ، وهما متباينان لأن الانتصاب على الحال مباين للانتصاب على المصدر المؤكد مخالف له .

وقال الزمخشري : ونصيباً مفروضاً نصب على الاختصاص بمعنى أعني : نصيباً مفروضاً مقطوعاً واجباً انتهى .

فإن عني بالاختصاص ما اصطلح عليه النحويون فهو مردود بكونه نكرة ، والمنصوب على الاختصاص نصوا على أنه لا يكون نكرة .

وقيل : انتصب نصب المصدر الصريح ، لأنه مصدر أي نصيبه نصيباً .

وقيل : حال من النكرة ، لأنها قد وصفت .

وقيل : بفعل محذوف تقديره : جعلته أو ، أوجبت لهم نصيباً .

وقيل : حال من الفاعل في قلّ أو كثر .

واستدلّ بظاهر هذه الآية على وجوب القسمة في الحقوق المتميزة إذا أمكنت وطلب ذلك كل واحد من الشريكين بلا خلاف .

واختلفوا في قسمة المتروك على الفرائض ، إذا كانت القسمة بغيره على حاله كالحمام والرحا والبثر والدار التي تبطل منافعها بافتراق السهام .

فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : تقسم .

وقال ابن أبي ليلى وأبو ثور : لا تقسم .

قال ابن المنذر : وهو أصح القولين .

واستدل بها أيضاً على وجوب توريث الأخ للميت مع البنت ، فإذا أخذت النصف أخذ الباقي .

واختلف في ابني عم أحدهما أخ لأم ، فقال عليّ وزيد : للأخ من الأم السدس ، وما بقي بينهما نصفان ، وهو قول فقهاء الأمصار .

وقال عمر وعبد الله وشريح والحسن : المال للأخ من الأم .

/خ10