الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

قوله تعالى : { مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ } : هذا الجارُّ في محل رفع لأنه صفةٌ للمرفوعِ قبلَه أي : نصيبٌ كائن أو مستقر ، ويجوز أن يكون في محل نصبٍ متعلقاً بلفظ " نصيب " لأنَّه من تمامه .

وقوله : { مِمَّا قَلَّ } في هذا الجارِّ أيضاً وجهان أحدُهما : أنه بدلٌ من " ما " الأخيرةِ في " مِمَّا ترك " بإعادة حرفِ الجر في البدل ، والضميرُ في " منه " عائدٌ على " ما " الأخيرةِ ، وهذا البدلُ مرادٌ أيضاً في الجملةِ الأولى حُذِفَ للدلالةِ عليه ، ولأنَّ المقصودَ به التأكيدُ لأنه تفصيلٌ/ للعمومِ المفهومِ من قولِه : { مِّمَّا تَرَكَ } فجاءَ هذا البدلُ مفصِّلاً لحالتَيْه من الكثرةِ والقلة . والثاني : أنه حالٌ من الضمير المحذوف من " ترك " أي : مِمَّا تركه قليلاً أو كثيراً أو مستقراً مِمَّا قل .

و " نصيباً " فيه أوجهٌ أحدها : أن ينتصِبَ على أنه واقعٌ موقعَ المصدر ، والعاملُ فيه معنى ما تقَّدم ، إذ التقديرُ : عطاءً أو استحقاقاً ، وهذا معنى قولِ مَنْ يقولُ منصوبٌ على المصدرِ المؤكد . قال الزمخشري : " كقوله :

{ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ } [ النساء : 11 ] كأنه قيل : قسمةً مفروضةً " . وقد سَبَقه الفراء إلى هذا قال : " نُصِبَ لأنه أُخْرِج مُخْرَج المصدرِ ، ولذلكَ وَحَّده كقولك : " له عليَّ كذا حقاً لازماً " ونحوه : { فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ } ولو كان اسماً صحيحاً لم يُنْصَبْ ، لا تقول : " لك عليَّ حق درهماً " .

الثاني : أنه منصوبٌ على الحال ، ويُحتمل أن يكونَ صاحبُ الحال الفاعلَ في " قَلَّ أو كَثُر " ، ويُحتمل أن يكونَ " نصيب " وإن كان نكرة لتخصُّصِه : إمَّا بالوصفِ وإمَّا بالعمل ، والعاملُ في الحال الاستقرارُ الذي في قوله : " للرجالِ " . وإلى نصبِه حالاً ذهب الزجاج ومكي ، قالا : " المعنى لهؤلاءِ أَنْصِباء على ما ذكرناها في حالِ الفرض " .

الثالث : أنه منصوبٌ على الاختصاص ، بمعنى : أعني نصيباً ، قاله الزمخشري . قال الشيخ : إنْ عنى الاختصاصَ المصطلحَ عليه فهو مردودٌ بكونِه نكرةً ، وقد نَصُّوا على اشتراطِ تعريفِه " .

الرابع : النصبُ بإضمار فعلٍ أي : أُوجبت أو جُعِلت لهم نصيباً . الخامس : أنه مصدرٌ صريحٌ أي : نَصَبْتُه نصيباً .