غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (7)

1

ثم من ههنا شرع في بيان المواريث والفرائض . قال ابن عباس : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها أم كحة وثلاث بنات له منها . فقام رجلان - هما ابنا عم الميت ووصياه سويد وعرفجة - فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً ، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ، إنما يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وذاد عن الحوزة وحاز الغنيمة ، قال : فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أوس بن ثابت مات وترك لي بنات وأنا امرأته وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سويد وعرفجة ولم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً . فدعاهما رسول الله صلى الله وسلم فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ، ولا يحمل كلاً ، ولا ينكي عدوّاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن . فانصرفوا فأنزل الله { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } الآية . فبعث إليهما لا تقربا من مال أوس شيئاً فإن الله قد جعل لهن نصيباً ، ولم يبين حتى يتبين فنزلت { يوصيكم الله } فأعطى أم كحة الثمن ، والبنات الثلثين ، والباقي ابني العم . وسبب الإجمال في الآية ثم التفصيل فيما بعد ، هو أن الفطام من المألوف شديد ، والتدرج في الأمور دأب الحكيم ، وهكذا قد نزل الأحكام والتكاليف شيئاً بعد شيء إلى أن كملت الشريعة الحقة وتم الدين الحنيفي { مما قل منه أو كثر } بدل { مما ترك } تكرير العامل و { نصيباً مفروضاً } نصب على الاختصاص تقديره أعني نصيباً ومقطوعاً مدراً لا بد لهم أن يحوزوه ، أو على المصدر المؤكد كأنه قيل : قسمة مفروضة . احتج بعض أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية على توريث ذوي الأرحام كالعمات والخالات والأخوال وأولاد البنات ، لأن الكل من الأقربين . غاية ما في الباب أن مقدار أنصبائهم غير مذكور ههنا إلا أنا نثبت بالآية استحقاقهم لأصل النصيب ، ونستفيد المقادير من سائر الدلائل . وأجيب بأنه تعالى قال : { نصيباً مفروضاً } وبالإجمال ليس لذوي الأرحام نصيب مقدر . وأيضا الواجب عندهم ما علم ثبوته بدليل مظنون ، والمفروض ما علم بدليل قاطع ، وتوريث ذوي الأرحام ليس من هذا القبيل بالاتفاق ، فعرفنا أنه غير مراد من الآية . وأيضاً ليس المراد بالأقربين من له قرابة ما وإن كانت بعيدة وإلا دخل جميع أولاد آدم فيه . فالمراد إذن أقرب الناس إلى الوارث ، وما ذاك إلا الوالدان والأولاد .

/خ10