وبعد هذا الإيقاع العنيف في مطلع السورة ؛ والمشهد المكروب الذي يشمل المكذبين في يوم القيامة . . يأخذ في عرض مشاهد التنكيل والتعذيب الذي أصاب بالفعل أجيال المكذبين قبلهم ، وعرض مصارع الأمم التي سلكت من قبل مسلكهم ، بادئا بقوم نوح :
( كذبت قبلهم قوم نوح ، فكذبوا عبدنا وقالوا : مجنون وازدجر . . فدعا ربه أني مغلوب فانتصر . ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا ، فالتقى الماء على أمر قد قدر . وحملناه على ذات ألواح ودسر . تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر . ولقد تركناها آية فهل من مدكر ? فكيف كان عذابي ونذر ? ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر ? ) . .
( كذبت قبلهم قوم نوح ) . . بالرسالة وبالآيات ( فكذبوا عبدنا ) . . نوحا ( وقالوا : مجنون ) . . كما قالت : قريش ظالمة عن محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهددوه بالرجم ، وآذوه بالسخرية ، وطالبوه أن يكف عنهم ونهروه بعنف : ( وازدجر ) . . بدلا من أن ينزجروا هم ويرعووا !
القول في تأويل قوله تعالى : { كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبّهُ أَنّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } .
وهذا وعيد من الله تعالى ذكره ، وتهديد للمشركين من أهل مكة وسائر من أرْسَلَ إليه رسولَه محمدا صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه ، وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه ، أنه محلّ بهم ما أحل بالأمم الذين قصّ قصصهم في هذه السورة من الهلاك والعذاب ، ومنجّ نبيه محمدا والمؤمنين به ، كما نجّى من قبله الرسل وأتباعهم من نقمه التي أحلّها بأممهم ، فقال جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كذّبت يا محمد قبل هؤلاء الذين كذّبوك من قومك ، الذين إذا رأوْا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمرّ ، قوم نوح ، فكذبوا عبدنا نوحا إذ أرسلناه إليهم ، كما كذّبتك قريش إذ أتيتهم بالحقّ من عندنا وقالوا : هو مجنون وازدجر ، وهو افْتُعِل من زجرت ، وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوّله زايا صيروا تاء الافتعال منه دالاً من ذلك قولهم : ازدجر من زجرت ، وازدلف من زلفت ، وازديد من زدت .
واختلف أهل التأويل في المعنيّ الذي زَجَروه ، فقال بعضهم : كان زجرهم إياه أن قالوا : استُطِير جنونا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قال : استطير جنونا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَازْدَجِرْ قال : استُطير جنونا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في هذه الاَية وَقالُوا مَجْنُونٍ وَازْدُجِرَ قال : استعر جنونا .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : وأخبرني شعبة بن الحجاج ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : بل كان زجرهم إياه ، وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قال : اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكوننّ من المرجومين ، وقرأ لَئِنْ لَم تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنّ مِنَ المَرْجُومِينَ .
{ كذبت قبلهم قوم نوح } قبل قومك . { فكذبوا عبدنا } نوحا عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال ، وقيل معناه كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل . { وقالوا مجنون } هو مجنون . { وازدجر } وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية ، وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.