السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

ولما فرغ من حكاية كلام الكافرين ومن ذكر علامات الساعة أعاد ذكر بعض الأنبياء فقال تعالى :

{ كذبت } أي : أوقعت التكذيب العظيم الذي عموا به جميع الرسالات وجميع الرسل { قبلهم } أي : أهل مكة { قوم نوح } مع ما كان بهم من القوّة ولهم من الانتشار في جميع الأقطار ، وأنث فعلهم تحقيراً لهم ، وتهويناً لأمرهم في جنب قدرته تعالى .

فإن قيل : إلحاق الضمير المؤنث بالفعل قبل ذكر الفاعل جائز وحسن بالاتفاق وإلحاق ضمير الجمع بالفعل قبيح عند أكثرهم فلا يجوزون كذبوا قوم نوح ويجوّزون كذبت فما الفرق ؟ أجاب الرازي بأنّ التأنيث إنما جاز قبل الجمع لأن الأنوثة والذكورة للفاعل أمر لا يتبدل ولم تحصل الأنوثة للفاعل بسبب فعله بخلاف الجمع لأنّ الجمع للفاعلين بسبب فعلهم { فكذبوا عبدنا } نوحاً عليه السلام على ماله من العظمة بنسبته إلينا مع تشريفنا إياه بالرسالة { وقالوا } زيادة على التكذيب { مجنون } أي : فهذا الذي يصدر منه من الخوارق أمر من الجنّ .

{ وازدجر } وهل هذا من مقولهم أي قالوا : إنه ازدجر أي ازدجرته الجنّ وذهبت بلبه قاله مجاهد ، أو هو من كلام الله تعالى أخبر الله تعالى عنه بأنه انتهر وازدجر بالسب وأنواع الأذى ، وقالوا : { لئن لم تنته يا نوح لتكوننّ من المرجومين } [ الشعراء : 116 ] .