الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

قوله : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } : مفعولُه محذوفٌ ، أي : كَذَّبَتِ الرسلَ ؛ لأنهم لَمَّا كذَّبوا نوحاً عليه السلام فقد كَذَّبوا جميعَ الرسل . ولا يجوزُ أَنْ تكونَ المسألةُ من باب التنازع ؛ إذ لو كان منه لكان التقدير : كَذَّبَتْ قبلَهم قومُ نوحٍ عبدَنا فكذَّبوه ، ولو لُفِظ بهذا لكان تأكيداً ، إذ لم يُفِدْ غيرَ الأولِ . وشرطُ التنازعِ أَنْ لا يكونَ الثاني تأكيداً ، لذلك منعوا أَنْ يكونَ قولُه :

4175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** أتاكِ أتاكِ اللاحقون احْبِسِ احبسِ

من ذلك . وفي كلامِ الزمخشريِّ ما يُجَوِّزُه فإنه أخرجه عن التأكيدِ فقال : " فإنْ قلتَ ما معنى قولِه " فكذَّبوا " بعد قولِه " كَذَّبَتْ " ؟ قلت : معناه كذَّبوا فكذَّبوا عبَدنا أي : كذَّبوه تكذيباً عَقِبَ تكذيبٍ كلما مضى منهم قَرَنٌ مُكَذِّبٌ تَبِعه قرنٌ مكذبٌ " فهذا معنى حسن يسوغُ معه التنازعُ . و " مجنون " خبرُ ابتداءٍ مضمر أي : هو مجنون . والدالُ في " ازْدُجِر " بدلٌ مِنْ تاء كما تَقَدَّم . وهل هو مِنْ مَقولِهم ، أي : قالوا : إنه ازْدُجِرَ ، أي : ازْدَجَرَتَهُ الجنُّ ، وذهبَتْ بلُبِّه ، قاله مجاهد ، أو هو مِنْ كلام الله تعالى ، أخبر عنه : بأنه انْتُهِر وزُجِرَ بالسبِّ وأنواع الأذى .