تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { كذّبت قبلهم قوم نوح } يقول ، والله أعلم ، : كذّبت قبل قومك قوم نوح نوحا عليه السلام وآذوه ، فصبر على التكذيب وأنواع الأذى ، ولم يدع عليهم بالهلاك ما لم يرد الإذن بالدعاء عليهم بالهلاك من الله تعالى .

فاصبر أنت على تكذيب القوم وأنواع الأذى ، وهو كقوله تعالى : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } [ الأحقاف : 35 ] .

فإن قيل : ما الحكمة في تكرار هذه الأشياء في القرآن ، ولم يكرّر ما فيه من الأحكام ؟

قيل : إن هذه الأنباء والقِصص إنما جاءت لمُحاجّة أهل مكة وأمثالهم من الكفرة في إثبات الرسالة والتوحيد والبعث ، إذ هم المُنكِرون لهذه الأشياء ، وهم كانوا أهل عناد ومكابرة ، وفيهم أيضا مسترشدون ، ومن حق المحاجّة مع [ من ]{[20157]} ذكرنا وأمثالهم أن تعاد الحُجّة مرة بعد مرة ، لعلهم يقبلونها في وقت ، وتنجع في قلوبهم ، ومن حق الموعظة للمسترشدين أيضا أن تُكرّر ليتّعظوا{[20158]} . ويختلف ذلك باختلاف الأحوال ، وقد ذكرنا فوائد تكرارها واقتصار الأحكام في ما تقدم ، والله أعلم .

فإن قيل : إن نوحا عليه السلام قد دعا على قومه بالهلاك ، قيل : إنما دعا على قومه بالهلاك بعد ما أيس من إيمانهم حين{[20159]} قيل : إنه { لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } [ هود : 36 ] أما رسول الله فلن يُؤيِسه من إيمان قومه جملة ، إنما أيأسه{[20160]} من بعض بطريق التّعيين ، وهم قوم ، علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون ، لا من الكل . فلذلك لم [ يأذن لهم ]{[20161]} بالدعاء عليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فكذّبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدُجر } يحتمل { فكذّبوا } في ما ادّعى لنفسه الرسالة ، أو كذّبوه في ما دعاهم إليه [ من التوحيد ]{[20162]} وتوجيه الشكر إلى الواحد القهّار .

وقوله عز وجل : { وقالوا مجنون وازدُجر } أي قالوا لأتباعهم : إنه مجنون .

وقوله تعالى : { وازدُجر } أي نوح عليه السلام حين{[20163]} قالوا لقومهم : لا تتّبعوه ، وزجروهم عنه بقولهم : إنه مجنون ، فهذا منهم وجر لأتباعهم عن اتّباعه ، فصار لذلك نوح عليه السلام [ مُزدَجرا عنهم ]{[20164]} .

وقال بعضهم : زجروا نوحا عليه السلام أي منعوه من إظهار ما آتاهم من الآيات على رسالته ، والله أعلم .


[20157]:ساقطة من الأصل وم.
[20158]:في الأصل وم: ليتعظ.
[20159]:في الأصل وم: حيث.
[20160]:في الأصل وم: يؤيسه.
[20161]:في الأصل وم: يؤذن.
[20162]:في الأصل وم: بالتوحيد.
[20163]:في الأصل وم: حيث.
[20164]:في الأصل وم: مزدجر عنه.