إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } شروعٌ في تعدادِ بعضِ ما ذُكِرَ منَ الأنبياءِ الموجبةِ للازدجارِ ، ونوعُ تفصيلٍ لها وبيانٌ لعدمِ تأثرِهم بها تقريراً لفحْوَى قولِه تعالى : { فَمَا تُغْنِي النذر } [ سورة القمر ، الآية 5 ] أي فعلَ التكذيبَ قبلَ تكذيبِ قومِك قومُ نزحٍ وقولُه تعالَى : { فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا } تفسيرٌ لذلكَ التكذيبِ المبهمِ كما في قولِه تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبّ } [ سورة هود ، الآية 45 ] الخ ، وفيه مزيدُ تقريرٍ وتحقيقٍ للتكذيبِ وقيلَ : معناهُ كذَّبوه تكذيباً إثرَ تكذيبٍ كلَما خَلاَ منهم قرنٌ مكذبٌ جاءَ عقيبَه قرنٌ آخر مكذبٌ مثلُه .

وقيلَ : كذبتْ قومُ نوحٍ الرسلَ فكذبُوا عبدنَا لأنَّه من جُملتِهم وفي ذِكرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعنوانِ العبوديةِ مع الإضافةِ إلى نونِ العظمةِ تفخيمٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ورفعٌ لمحلِّه وزيادةُ تشنيعٍ لمكذبيهِ { وَقَالُوا مَجْنُونٌ } أي لم يقتصرُوا على مجردِ التكذيبِ بل نسبُوه إلى الجنونِ { وازدجر } عطفٌ على قالُوا أي وزُجِرَ عن التبليغِ بأنواعِ الأذيةِ وقيلَ : هو من جُملةِ ما قالُوه أي هُو مجنونٌ وقد ازدجرتْهُ الجِنُّ وتخبطتهُ .