{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا }
هذا حث من الله لعباده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيله ، وأن ذلك قد تعين عليهم ، وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه ، فقال : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } والحال أن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ، ومع هذا فقد نالهم أعظم الظلم من أعدائهم ، فهم يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها لأنفسهم بالكفر والشرك ، وللمؤمنين بالأذى والصد عن سبيل الله ، ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة .
ويدعون الله أن يجعل لهم وليًّا ونصيرًا يستنقذهم من هذه القرية الظالم أهلها ، فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال والذب عن عيلاتكم وأولادكم ومحارمكم ، لا من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار ، فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويلام المتخلف عنه أعظم اللوم ، فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجرًا وأكبر فائدة ، بحيث يكون من باب دفع الأعداء .
وقوله تعالى : { وما لكم } اللام متعلقة بما يتعلق بالمستفهم عنه من معنى الفعل ، تقديره وأي شيء موجود أو كائن أن نحو ذلك لكم ؟ و { لا تقاتلون } في موضع نصب على الحال ، تقديره تاركين أو عطف على «السبيل » أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم ، ويعني ب { المستضعفين } من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجاً ، ولا يطيب لهم على الأذى إقامة ، وفي هؤلاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين »{[4149]} و { الولدان } بابه أن يكون جمع وليد ، وقد يكون جمع ولد كورل وورلان{[4150]} ، فهي على الوجهين عبارة عن الصبيان ، والقرية هاهنا مكة بإجماع من المتأولين .
قال القاضي أبو محمد : والآية تتناول المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة ، ووحد الظالم لأنه موضع اتخاذ الفعل ، ألا ترى أن الفعل إنما تقديره الذي ظلم أهلها ، ولما لم يكن للمستضعفين حيلة إلا الدعاء ، دعوا في الاستنقاذ وفيما يواليهم من معونة الله تعالى وما ينصرهم على أولئك الظلمة من فتح الله تبارك وتعالى .
والخطاب في قوله : { ومالكم لا تقاتلون } التفات من طريق الغيبة ، وهو طريق الموصول في قوله : { الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة } إلى طريق المخاطبة .
ومعنى { ما لكم لا تقاتلون } ما يمنعكم من القتال ، وأصل التركيب : أي شيء حقّ لكم في حال كونكم لا تقاتلون ، فجملة { لا تقاتلون } حال من الضمير المجرور للدلالة على ما منه الاستفهام .
والاستفهام إنكاري ، أي لا شيء لكم في حال لا تقاتلون ، والمراد أنّ الذي هو لكم هو أن تقاتلوا ، فهو بمنزلة أمرٍ ، أي قاتلوا في سبيل الله لا يصدّكم شيء عن القتال ، وقد تقدّم قريب منه عند قوله تعالى : { قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله } في سورة [ البقرة : 246 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.