يُرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلائه ونعمه ، وقدرته العظيمة التي خلق بها السموات الأرض ، وما فيهما من المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع من الملائكة والجن والإنس ، والدواب والطيور والوحوش والسباع والحشرات ، وما في البحر من الأصناف المتنوعة ، واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران ، هذا بظلامه وهذا بضيائه ، وما أنزل الله تعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه ، وسماه رزقًا ؛ لأن به يحصل الرزق ، { فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي : بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء .
وقوله : { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ } أي : جنوبا وشآما{[26302]} ، ودبورًا وصبًا ، بحرية وبرية ، ليلية ونهارية . ومنها ما هو للمطر ، ومنها ما هو للقاح ، ومنها ما هو غذاء للأرواح ، ومنها ما هو عقيم [ لا ينتج ] {[26303]} .
وقال أولا { لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ } {[26304]} ، ثم { يوقنون } ثم { يعقلون } وهو تَرَقٍّ من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى . وهذه الآيات شبيهة بآية " البقرة " وهي قوله : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ البقرة : 164 ] . وقد أورد ابن أبي حاتم هاهنا عن وهب بن مُنَبِّه أثرا طويلا غريبًا في خلق الإنسان من الأخلاط الأربعة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ اللّهُ مِنَ السّمَآءِ مّن رّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ آيَاتٌ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .
يقول تبارك وتعالى : وفي اخْتِلافِ اللّيْلِ والنّهارِ أيها الناس ، تعاقبهما عليكم ، هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه ، وَما أنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِنْ رِزْقٍ وهو الغيث الذي به تخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم ، وإحيائه الأرض بعد موتها : يقول : فأنبت ما أنزل من السماء من الغيْث ميت الأرض ، حتى اهتزّت بالنبات والزرع من بعد موتها ، يعني : من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع .
وقوله : وَتَصْرِيفِ الرّياحِ يقول : وفي تصريفه الرياح لكم شمالاً مرّة ، وجنوبا أخرى ، وصبا أحيانا ، ودبورا أخرى لمنافعكم .
وقد قيل : عنى بتصريفها بالرحمة مرّة ، وبالعذاب أخرى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَتَصْرِيفِ الرّياحِ قال : تصريفها إن شاء جعلها رحمة وإن شاء جعلها عذابا .
وقوله : آياتٌ لِقَوْم يَعْقِلُونَ ، يقول تعالى ذكره : في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه ، لقوم يعقلون عن الله حججه ، ويفهمون عنه ما وعظ به من الايات والعِبر .
{ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق } من مطر وسماه رزقا ؛ لأنه سببه . { فأحيا به الأرض بعد موتها } يبسها . { وتصريف الرياح } باختلاف جهاتها وأحوالها ، وقرأ حمزة والكسائي " وتصريف الريح " . { آيات لقوم يعقلون } فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء ، أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب { آيات } على الاختصاص ، أو يرفع بإضمار هي ، ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.